نهج البلاغة

وهو مجموعة خطب مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وأوامره وكتبه ورسائله وحكمه ومواعظه تأليف: الشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام

السبت، 9 يونيو 2012

[ 36 ] ومن كتاب له عليه السلام إلي أخيه عقيل بن أبي طالب، في ذكر جيش أنفذه إلى بعض الأعداء، وهو جواب كتاب كتبه إليه عقيل

فَسَرَّحْتُ إِلَيْهِ جَيْشاً كَثِيفاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا بَلَغَهُ ذلِكَ شَمَّرَ هَارباً، وَنَكَصَ نَادِماً، فَلَحِقُوهُ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، وَقَدْ طَفَّلَتِ (1) الشَّمْسُ لِلْإِِيَابِ (2) ، فَاقْتَتَلُوا شَيْئاً كَلاَ وَلاَ (3) ، فَمَا كَانَ إِلاَّ كَمَوْقِفِ سَاعَةٍ حَتَّى نَجَا جَرِيضاً (4) بَعْدَمَا أُخِذَ مِنْهُ بِالْمُخَنَّقِ (5) ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ غَيْرُ الرَّمَقِ (6) ، فَلَأْْياً بِلَأْيٍ (7) مَا نَجَا. فَدَعْ عَنْكَ قُرَيشاً وَتَرْكَاضَهُمْ (8) فِي الضَّلاَلِ، وَتَجْوَالَهُمْ (9) فِي الشِّقَاقِ (10) ، وَجِمَاحَهُمْ (11) فِي التِّيهِ (12) ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى حَرْبِي كَإِجمَاعِهِمْ عَلَى حَرْبِ رَسوُلِ اللهِ_صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَ سَلّم_َ قَبْلِي، فَجَزَتْ قُرَيْشاً عَنِّي الْجَوَازِي (13) ! فَقَدْ قَطَعُوا رَحِمِي، وَسَلَبُونِي سُلْطَانَ ابْنِ أُمِّي (14) . وَأَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مِنْ رَأيِي فِي الْقِتَالِ، فَإِنَّ رَأْيِي قِتَالُ الْمُحِلِّينَ (15) حَتَّى أَلْقَى اللهَ، لاَ يَزِيدُنِي كَثْرَةُ النَّاسِ حَوْلِي عِزَّةً، وَلاَ تَفَر ُّقُهُمْ عَنِّي وَحْشَةً، وَلاَ تَحْسَبَنَّ ابْنَ أَبِيكَ ـ وَلَوْ أَسْلَمَهُ النَّاسُ ـ مُتَضَرِّعاً مُتَخَشِّعاً، وَلاَ مُقِرّاً لِلضَّيْمِ (16) وَاهِناً (17) ، وَلاَ سَلِسَ (18) الزِّمَامِ (19) لِلْقَائِدِ، وَلاَ وَطِىءَ (20) الظَّهْرِ لِلرَّاكِبِ المُقْتَعِدَ (21) وَلكِنَّهُ كَمَا قَالَ أَخُو بَنِي سُلِيم:
فَإِنْ تَسْأَلِينِي كَيْفَ أَنْتَ فَإِنَّنِي صَبُورٌ عَلَى رَيْبِ الزَّمَانِ صَلِيبُ (22) يَعِزُّ عَلَيَّ (23) أَنْ تُرَى بِي كَآبَةٌ (24) فَيَشْمَتَ عَادٍ (25) أَوْ يُسَاءَ حَبِيبُ.

1. طفّلت تطفيلاً: أي دنت وقربت.
2. الإِياب: الرجوع إلى مغربها.
3. ولا: كناية عن السرعة التامة، فان حرفين ثانيهما حرف لين سريع الانقضاء عند السمع، والمعروف عند أهل اللغة: كلاّ وذا
قال ابن هانىء المغربي:
وأسرع في العين من لحظة وأقصر في السمع من لا وذا
4. نجا جَرِيضاً: أي قد غصّ بريقه من شدة الجهد والكرب، يقال جَرَضَ بريقه يجرِض بالكسر، مثال كسر يكسر.
5. المُخَنَّق ـ بضم ففتح فنون مشددة ـ : موضع الخنق من الحيوان.
6. الرّمَق ـ بالتحريك ـ : بقية الروح.
7. لاياً: مصدر محذوف العامل، ومعناه الشدة والعسر، و"ما" بعده مصدرية; و "نجا" في معنى المصدر، أي عسرت نجاته عسراً بعسر.
8. التركاض: مبالغة في الركض، واستعاره لسرعة خواطرهم في الضلال.
9. التجْوال: مبالغة في الجول والجولان.
10. الشِقاق: الخلاف.
11. جِماحهم: استعصاؤهم على سابق الحق.
12. التيه: الضلال والغواية.
13. الجَوازي: جمع جَازِية وهي النفس التي تجزي، كناية عن المكافأة، وقوله:(جزأتهم الجوازي) دعاء عليهم بالجزاء على أعمالهم.
14. قوله: ابن أمي، يريد رسول الله (ص)، فإن فاطمة بنت أسد أم أميرالمؤمنين ربت رسول الله في حجرها، فقال النبي في شأنها: "فاطمة أمي بعد أمي".
15. المُحِلّون: الذين يحلون القتال ويجوزونه.
16. مُقِرّاً للضيم: راضياً بالظلم.
17. واهناً: ضعيفاً.
18. السَلِس ـ بفتح فكسر ـ : السهل.
19. الزمام: العنان الذي تقاد به الدابة.
20. الوطِىء: اللين.
21. المُتَقَعِد: الذي يتخذ الظهرأي الدابة قعوداً يستعمله للركوب في كل حاجاته.
22. صليب: شديد.
23. يعز عليّ: يشق عليّ.
24. الكآبة: ما يظهر على الوجه من أثر الحزن.
25. عاد: أي عدوّ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق