نهج البلاغة

وهو مجموعة خطب مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وأوامره وكتبه ورسائله وحكمه ومواعظه تأليف: الشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام

الاثنين، 23 أبريل 2012

[ 64 ] ومن خطبة له عليه السلام في المبادرة إلى صالح الاعمال

اتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَبَادِرُوا آجَالَكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ (1) ، وَابْتَاعُوا (2) مَا يَبْقَى لَكُمْ بِمَا يَزُولُ عَنْكُمْ، وَتَرَحَّلُوا (3) فَقَدْ جُدَّ بِكُمْ (4) ، وَاسْتَعِدُّوا لِلْمَوْتِ فَقَدْ أَظَلَّكُمْ (5) ، وَكُونُوا قَوْماً صِيحَ بِهمْ فَانْتَبَهُوا، وَعَلِمُوا أَنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ لَهُمْ بِدَارٍ فَاسْتَبْدَلُوا; فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثاً، وَلَمْ يَتْرُكْكُمْ سُدىً (6) ، وَمَا بَيْنَ أَحَدِكُمْ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ إِلاَّ الْمَوْتُ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ. وَإِنَّ غَايَةً تَنْقُصُهَا اللَّحْظَةُ، وَتَهْدِمُهَا السَّاعَةُ، لَجَدِيرَةٌ بِقِصَرِالْمُدَّةِ، وَإِنَّ غَائِباً يَحْدُوهُ (7) الْجَدِيدَانِ: اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، لَحَرِيٌّ (8) بِسُرْعَةِ الْأَوْبَةِ (9) ، وَإِنَّ قَادِماً يَقْدُمُ بِالفَوْزِ أَوالشِّقْوَةِ لَمُسْتَحِقٌّ لِأَفْضَلِ الْعُدَّةِ، فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنيَا, مِنَ الدُّنْيَا, مَا تَحْرُزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ (10) غَداً. فَاتَّقَى عَبْدٌ رَبِّهُ، نَصَحَ نَفْسَهُ، قَدَّمَ تَوْبَتَهُ، غَلَبَ شَهْوَتَهُ، فَإِنَّ أَجَلَهُ مَسْتُورٌ عَنْهُ، وَأَمَلَهُ خَادِعٌ لَهُ، والشَّيْطَانُ مُوَكَّلٌ بِه، يُزَيِّنُ لَهُ الْمَعْصِيَةَ لِيَرْكَبَهَا، وَيُمَنِّيهِ التَّوْبَةَ لِيُسَوِّفَهَا (11) ، إَذَا هَجُمَتْ مَنِيَّتُهُ عَلَيْهِ أَغْفَلَ مَا يَكُونُ عَنْهَا. فَيَا لَهَا حَسْرَةً عَلَى كُلِّ ذِي غَفْلَةٍ أَنْ يَكُونَ عُمُرُهُ عَلَيْهِ حُجَّةً، وَأَنْ تُؤَدِّيَهُ أَيَّامُهُ إِلَى الشِّقْوَةِ! نَسْأَلُ اللهَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِمِّنْ لاَ تُبْطِرُهُ نَعْمَةٌ (12) ، وَلاَ تُقَصِّرُ بِهِ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ غَايَةٌ، وَلاَ تَحُلُّ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ نَدَامَةٌ وَلاَ كَآبَةٌ.

1. (بَادِرُوا آجالَكُمْ بأعمالِكُم) أي: سابقوها وعاجلوها بها.
2. ابتاعوا: اشتروا ما يبقى من النعيم الابدي، بما يفنى من لذة الحياة الدنيا وشهواتها المنقضية.
3. الترحّل: الانتقال، والمراد هنا لازمه، وهو: إعداد الزاد الذي لابدّ منه للراحل.
4. جُدّ بكم: أي حُثِثْتم وأُزْعجتم إلى الرحيل.
5. أظَلّكم: قرب منكم من كأنّ له ظّلاً قد ألقاه عليكم.
6. سُدى: مهملين.
7. يحدوه: يسوق،والجديدان: الليل والنهار.
8. حَرِيّ: جدير.
9. الاوْبَة: الرجعة.
10. (ما تَحْرُزُون به انفسكم) أي: تحفظونها به.
11. يُسَوّفها: يؤجّلها ويؤخرها.
12. لا تُبْطِرُهُ النعمة: لا تطغيه، ولا تسدل على بصيرته حجاب الغفلة عما هو صائر إليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق