نهج البلاغة

وهو مجموعة خطب مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وأوامره وكتبه ورسائله وحكمه ومواعظه تأليف: الشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام

الاثنين، 23 أبريل 2012

بابُ المُخْتَارِ مِنْ حِكَمِ أَمِيرالمؤمنين عليه السلام ِ وَيَدْخُلُ في ذلِكَ المخُتَارُمِنْ أَجْوِبَةِ مَسَائِلِهِ وَالْكَلاَمِ القصير الخارج في سائِرِ اَغْراضِهِ ( من 301 الى 350 )


301. وقال عليه السلام: رَسُولُكَ تَرْجُمَانُ عَقْلِكَ، وَكِتَابُكَ أَبْلَغُ مَا يَنْطِقُ عَنْكَ!
302. وقال عليه السلام: مَا الْمُبْتَلَى الَّذِي قَدِ اشْتَدَّ بِهِ الْبَلاَءُ، بِأَحْوَجَ إِلَى الدُّعَاءِ الَّذِي لاَ يَأْمَنُ البَلاَءَ!
303. وقال عليه السلام: النَّاسُ أَبْنَاءُ الدُّنْيَا، وَلاَ يُلْاَمُ الرَّجُلُ عَلَى حُبِّ أُمِّهِ.
304. وقال عليه السلام: إِنَّ الْمِسْكِينَ رَسُولُ اللهِ، فَمَنْ مَنَعَهُ فَقَدْ مَنَعَ اللهَ، وَمَنْ أَعْطَاهُ فَقَدْ أَعْطَى اللهَ.
305. وقال عليه السلام: مَا زَنَى غَيُورٌ قَطُّ.
306. وقال عليه السلام: كَفَى بِالْأَجَلِ حَارِساً!
307. وقال عليه السلام: يَنَامُ الرَّجُلُ عَلَى الثُّكْلِ (1) وَلاَ يَنَامُ عَلَى الْحَرَبِ (2) .
قال الرضي: ومعنى ذلك: أنه يصبر على قتل الأَولاد، ولا يصبر على سلب الأَموال.
308. وقال عليه السلام: مَوَدَّةُ الْآبَاءِ قَرَابَةٌ بَيْنَ الْأَبْنَاءِ، وَالْقَرَابَةُ إِلَى الْمَوَدَّةِ أَحْوَجُ مِنَ الْمَوَدَّةِ إِلَى الْقَرَابَةِ.
309. وقال عليه السلام: اتَّقُوا ظُنُونَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ.
310. وقال عليه السلام: لاَ يَصْدُقُ إِيمَانُ عَبْدٍ، حَتّى يَكُونَ بِمَا فِي يَدِ اللهِ أَوْثَقَ مِنهُ بِمَا فِي يَدِهِ .
311. وقال عليه السلام لأَنس بن مالك، وقد كان بعثه إلى طلحةَ والزبيرِ لما جاء إلى البصرة يذكرهما شيئاً سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في معناهما، فلوى عن ذلك، فرجع إليه، فقال: إِنِّي أُنْسِيتُ ذلِكَ الْأَمرَ. فَقال عليه السلام: إِنْ كُنْتَ كَاذِباً فَضَرَبَكَ اللهُ بِهَا بَيْضَاءَ لاَمِعَةً لاَ تُوَارِيهَا الْعِمَامَةُ. قال الرضي: يعني البرص، فأصاب أَنَساً هذا الداء فيما بعدُ في وجهه، فكان لا يُرى إلا مُبَرقعاً.
312. وقال عليه السلام: إِنَّ لِلْقُلُوبِ إقْبَالاً وَإِدْبَاراً (3) فَإِذَا أَقْبَلَتْ فَاحْمِلُوهَا عَلَى النَّوَافِلِ، وَإذَا أَدْبَرَتْ فَاقْتَصِرُوا بِهَا عَلَى الْفَرَائِضِ.
313. وقال عليه السلام: (وَفِي الْقُرْآنِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ ) (4) .
314. وقال عليه السلام: رُدُّوا الْحَجَرَ (5) مِنْ حَيْثُ جَاءَ، فَإِنَّ الشَّرَّ لاَ يَدْفَعُهُ إِلاَّالشَّرُّ.
315. وقال عليه السلام لكاتبه عبيدالله بن أَبي رافع: أَلِقْ (6) دَوَاتَكَ، وَأَطِلْ جِلْفَةَ قَلَمِكَ (7) ، وَفَرِّجْ بَيْنَ السُّطُورِ، وقَرْمِطْ (8) بَيْنَ الْحُرُوفِ، فَإِنَّ ذلِكَ أَجْدَرُ بِصَباحَةِ الْخَطِّ.
316. وقال عليه السلام: أَنا يَعْسُوبُ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمَالُ يَعْسُوبُ الْفُجَّارِ. قال الرضي: ومعنى ذلك أن المؤمنين يتبعونني، والفجار يتبعون المال، كما تتبع النحل يعسوبها، وهو رئيسها.
317. وقال له بعض اليهود: ما دَفَنْتُم نَبِيَّكُم حتّى اختلفتم فيه! فقال عليه السلام له: إِنَّمَا اخْتَلَفْنَا عَنْهُ لاَ فِيهِ، وَلكِنَّكُمْ مَا جَفَّتْ أَرْجُلُكُمْ مِنَ الْبَحْرِ حَتَّى قُلْتُمْ لِنَبِيِّكُمْ: (اجْعَلْ لَنَا إلهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ).
318. وقيل له: بِأيِّ شيءٍ غَلَبْتَ الْأَقْرَان ؟ فقال عليه السلام: مَا لَقِيتُ رَجُلاً إِلاَّ أَعَانَنِي عَلَى نَفْسِهِ. قال الرضي: يومىء بذلك إلى تمكّن هيبته في القلوب.
319. وقال عليه السلام لابنه محمد بن الحنفية: يَا بُنَيَّ، إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ الْفَقْرَ، فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْه، فَإِنَّ الْفَقْرَ مَنْقَصَةٌ (9) لِلدَّينِ، مَدْهَشَةٌ لِلْعَقْلِ، دَاعِيَةٌ لِلْمَقْت!
320. وقال عليه السلام لِسائل سأَله عن معضلة (10) سَل تَفَقُّهاً وَلاَ تَسْأَلْ تَعَنُّتاً، فَإِنَّ الْجَاهِلَ الْمُتَعَلِّمَ شَبِيهٌ بِالْعَالِمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ الْمُتَعَسِّفَ شَبِيهٌ بِالْجَاهِلِ الْمُتَعَنِّتِ.
321. وقال عليه السلام لعبدالله بن العباس، وقد أشار عليه في شيء لم يوافق رأيه:
لَكَ أَنْ تُشِيرَ عَلَيَّ وَأَرَى، فَإِنْ عَصَيْتُكَ فَأَطِعْنِي.
322. وروي أنه عليه السلام لما ورد الكوفة قادماً من صفين مرّ بالشّباميين (11) فسمع بكاء النساء على قتلى صفين، وخرج إليه حرب بن شُرَحْبِيل الشّبامي، وكان من وجوه قومه. فقال عليه السلام له: أَتَغْلِبُكُمْ نِسَاؤُكُمْ عَلَى مَا أسْمَعُ؟ أَلاَ تَنْهَوْنَهُنَّ عَنْ هذَا الرَّنِينِ (12) ؟ و أقبل حرب يمشي معه، وهو عليه السلام راكب. فقال عليه السلام: ارْجِعْ، فَإِنَّ مَشْيَ مِثْلِكَ مَعَ مِثْلِي فِتْنَةٌ لِلْوَالِي، وَمَذَلَّةٌ (13) لِلْمُؤْمِنِ.
323. وقال عليه السلام وقد مرّ بقتلى الخوارج يوم النَّهْرَوَان: بُؤْساً لَكُمْ، لَقَدْ ضَرَّكُمْ مَنْ غَرَّكُمْ. فقيل له: مَن غرّهم يا أميرالمؤمنين؟ فقال: الشَّيْطَانُ الْمُضِلُّ، وَ الْأَنْفُسُ الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ، غَرَّتْهُمْ بَالْأَََمَانِيِّ، وَفَسَحَتْ لَهُمْ فِي المَعَاصِيِ، وَوَعَدَتْهُمُ الْإِظْهَارَ، فَاقْتَحَمَتْ بِهِمُ النَّارَ.
324. وقال عليه السلام: اتَّقُوا مَعَاصِيَ اللهِ فِي الْخَلَوَاتِ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ هُوَ الْحَاكِمُ.
325. وقال عليه السلام ، لمّا بلغه قتل محمد بن أبي بكر: إِنَّ حُزْنَنَا عَلَيْهِ عَلَى قَدْرِ سُرُورِهِمْ بِهِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ نَقَصُوا بَغِيضاً، وَنَقَصْنَا حَبِيباً.
326. وقال عليه السلام: الْعُمْرُ الَّذِي أَعْذَرَ اللهُ فِيهِ إِلَى ابْنِ آدَمَ سِتُّونَ سَنَةً.
327. وقال عليه السلام: مَا ظَفِرَ مَنْ ظَفِرَ الْإِثْمُ بِهِ، وَالْغَالِبُ بِالشَّرِّ مَغْلُوبٌ.
328. وقال عليه السلام: إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ فَرَضَ فِي أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ أَقْوَاتَ الْفُقَرَاءِ، فَمَا جَاعَ فَقِيرٌ إِلاَّ بِمَا مُتِّعَ بِهِ غَنِي، وَاللهُ تَعَالَى سَائِلُهُمْ عَنْ ذلِكَ.
329. وقال عليه السلام: الْإِسْتِغْنَاءُ عَنِ الْعُذْرِ أَعَزُّ مِنَ الصِّدْقِ بِهِ.
330. وقال عليه السلام: أَقَلُّ مَا يَلْزَمُكُمْ لله أَلاَّ تَسْتَعيِنُوا بِنِعَمِهِ عَلَى مَعَاصِيهِ.
331. وقال عليه السلام: إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الطَّاعَةَ غَنِيمَةَ الْْأَكْيَاسِ (14) عِنْدَ تَفْرِيطِ الْعَجَزَةِ (15) .
332. وقال عليه السلام: السُّلْطَانُ وَزَعَةُ (16) اللهِ فِي أَرْضِهِ.
333. وقال عليه السلام في صفة المؤمن: الْمُؤْمِنُ بِشْرُهُ (17) فِي وَجْهِهِ، َحُزْنُهُ فِي قَلْبِهِ، أَوْسَعُ شَيْءٍ صَدْراً، وَأَذَلُّ شَيْءٍ نَفْساً، يَكْرَهُ الرِّفْعَةَ، وَيَشْنَأُ السُّمْعَةَ، طَوِيلٌ غَمُّهُ، بَعِيدٌ هَمُّهُ، كَثِيرٌ صَمْتُهُ، مشْغولٌ وَقْتُهُ، شَكُورٌ صَبُورٌ، مغْمُورٌ (18) بِفِكْرَتِهِ، ضَنِينٌ (19) بِخَلَّتِهِ (20) سَهْلُ الْخَلِيقَةِ (21) لَيِّنُ الْعَرِيكَةِ (22) نَفْسُهُ أَصْلَبُ مِنَ الصَّلْدِ (23) ، وَهُوَ أَذَلُّ مِنَ الْعَبْدِ.
334. وقال عليه السلام: لَوْ رَأَى الْعَبْدُ الْأَجَلَ وَمَسِيرَهُ لَأَبْغَضَ الْأَمَلَ وَغُرُورَهُ.
335. وقال عليه السلام: لِكُلِّ امْرِىءٍ فِي مَالِهِ شَريِكَانِ: الْوَارِثُ، وَالْحَوَادِثُ.
336. وقال عليه السلام: الْمَسْؤُولُ حُرُّ حَتَّى يَعِدَ.
337. وقال عليه السلام: الدَّاعِي بِلاَ عَمَلٍ كَالرَّامِي بِلاَ وَتَرٍ.
338. وقال عليه السلام: الْعِلْمُ عِلْمَانِ: مَطْبُوعٌ وَمَسْمُوعٌ (24) وَلاَ يَنْفَعُ الْمَسْمُوعُ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَطْبُوعُ.
339. وقال عليه السلام: صَوَابُ الرَّأْيِ بِالدُّوَلِ: يُقْبِلُ بِإِقْبَالِهَا (25) وَيَذْهَبُ بِذَهَابِهَا.
340. وقال عليه السلام: الْعَفَافُ زِينَةُ الْفَقْرِ، وَالشُّكْرُ زِينَةُ الْغِنَى.
341. وقال عليه السلام: يَوْمُ الْعَدْلِ عَلَى الظَّالِمِ أَشَدُّ مِنْ يَومِ الْجَوْرِ عَلَى الْمَظْلُومِ!
342. وقال عليه السلام: الْغِنَى الْأَكْبَرُ الْيَأْسُ عَمَّا فِي أَيْدِى النَّاسِ.
343. وقال عليه السلام: الْأَقَاوِيلُ مَحْفُوظَةٌ، وَالْسَّرَائِرُ مَبْلُوَّةٌ (26) وَ(كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)، وَالنَّاسُ مَنْقوُصُونَ (27) مَدْخُولُونَ (28) إِلاَّ مَنْ عَصَمَ الله، سَائِلُهُمْ مُتَعَنِّتٌ، وَمُجِيبُهُمْ مُتَكَلِّفٌ، يَكَادُ أَفْضَلُهُمْ رَأْياً يَرُدُّهُ عَنْ فَضْلِ رَأْيِهِ الرِّضَى وَالسُّخْطُ، وَيَكَادُ أَصْلَبُهُمْ عُوداً (29) تَنْكَؤُهُ (30) اللَّحْظَةُ (31) وَتَسْتَحِيلُهُ (32) الْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ.
344. مَعَاشِرَ النَّاسِ، اتَّقُوا اللهَ، فَكَمْ مِنْ مُؤَمِّلٍ مَا لاَ يَبْلُغُهُ، وَبَانٍ مَا لاَ يَسْكُنُهُ، وَجَامِعٍ مَا سَوْفَ يَتْرُكُهُ، وَلَعَلَّهُ مِنْ بَاطِلٍ جَمَعهُ، وَمِنْ حَقٍّ مَنَعَهُ، أَصَابَهُ حَرَاماً، وَاحْتَمَلَ بِهِ آثَاماً، فَبَاءَ بِوِزْرهِ، وَقَدِمَ عَلَى رَبِّهِ، آسِفاً لاَهِفاً، قَدْ (خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ).
345. وقال عليه السلام: مِنَ الْعِصْمَةِ تَعَذُّرُ الْمَعَاصِي.
346. وقال عليه السلام: مَاءُ وَجْهِكَ جَامِدٌ يُقْطِرُهُ السُّؤَالُ، فَانْظُرْ عِنْدَ مَنْ تُقْطِرُهُ.
347. وقال عليه السلام: الثَّنَاءُ بِأَكْثَرَ مِنَ الْإِسْتِحْقَاقِ مَلَقٌ (33) وَالتَّقْصِيرُ عَنِ الْإِسْتِحْقَاقِ عِيٌّ (34) أَوْ حَسَدٌ.
348. وقال عليه السلام: أَشدُّ الذُّنُوبِ مَا اسْتَهَانَ بِهِ صَاحِبُهُ.
349. وقال عليه السلام: مَنْ نَظَرَ فِي عَيْبِ نَفْسِهِ اشْتَغَلَ عَنْ عَيْبِ غَيْرهِ، وَمَنْ رَضِيَ برِزْقِ اللهِ لَمْ يَحْزَنْ عَلَى مَا فَاتَهُ، وَمَنْ سَلَّ سَيْفَ الْبَغْيِ قُتِلَ بِهِ، وَمَنْ كَابَدَ الْأُمُورَ (35) عَطِبَ (36) وَمَنِ اقْتَحَمَ اللُّجَجَ غَرِقَ، وَمَنْ دَخَلَ مَدَاخِلَ السُّوءِ اتُّهِمَ، وَمَنْ كَثُرَ كَلاَمُهُ كَثُرَ خَطَؤُهُ، وَمَنْ كَثُرَ خَطَؤُهُ قَلَّ حَيَاؤُهُ، وَمَنْ قَلَّ حَيَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ، مَنْ قَلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلْبُهُ، وَمَنْ مَاتَ قَلْبُهُ دَخَلَ النَّارَ، وَمَنْ نَظَرَ فِي عُيُوبِ النَّاسِ فَأَنْكَرَهَا ثُمَّ رَضِيَهَا لِنَفْسِهِ فذَاك الْأَحْمَقُ بِعَيْنِهِ. وَالْقَنَاعَةُ مَالٌ لاَ يَنْفَدُ، وَمَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ رَضِيَ مِنَ الدُّنْيَا بِالْيَسيرِ، مَنْ عَلِمَ أَنَّ كَلاَمَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلاَمُهُ إِلاَّ فِيَما يَعْنيِهِ.
350. وقال عليه السلام: لِلظَّالِمِ مِنَ الرِّجَالِ ثَلاَثُ عَلاَمَاتٍ: يَظْلِمُ مَنْ فَوْقَهُ بِالْمَعْصِيَةِ، َ مَنْ دُونَهُ بِالْغَلَبَةِ (37) وَ يُظَاهِرُ (38) الْقَوْمَ الظَّلَمَةَ (39) .

1 . الثُكلْ ـ بالضم ـ : فَقْد الاَولاد.
2 . الحَرَب ـ بالتحريك ـ : سَلْب المال.
3. إقْبَال القلوب: رغبتها في العمل، وإدبارها: مَلَلها منه.
4 .( نَبَأ ما قَبْلَنا): أي خبرهم في قصص القرآن. ونَبأ مابعدنا: الخبر عن مصير أمورهم، وهو يعلم من سنّة الله فيمن قبلنا.( وحُكْمُ ما بيننا): في الاَحكام التي نُصّ عليها.
5 . ردّ الحجر: كناية عن مقابلة الشر بالدفع على فاعله ليرتدع عنه، وهذا إذا لم يمكن دفعه بالاَحسن.
6 . ألِقْ دَوَاتك: ضع اللِيقة فيها.
7. جِلْفة القلم ـ بكسر الجيم ـ : ما بين مَبراه وسنته.
8 . القَرْمطة بين الحروف: المقاربة بينها وتضييق فواصلها.
9 . مَنْقَصة: نقص وعيب.
10 . مُعْضِلَة:أي أُحْجِيَة بقصد المُعَايَاة.
11 . شِبَام ـ ككتاب ـ : اسم حي.
12 . الرَنِين: صوت البكاء.
13 . مَذَلّة: أي مُوجبة للذلّ.
14 . الاَكياس ـ جمع كَيِّس ـ : وهم العقلاء.
15 . العَجَزَة ـ جمع عاجز ـ : وهم المقصرون في أَعمالهم لغلبة شهواتهم على عقولهم.
16 . الوَزَعة ـ بالتحريك ـ : جمع وازع، وهو الحاكم يمنع من مخالفة الشريعة.
17 . البِشْر ـ بالكسر ـ : البَشاشة والطلاقة.
18 . مَغْمُور: أي غريق في فكرته لاَداء الواجب عليه لنفسه وملّته.
19 . ضَنِين: بخيل.
20 . الخلّة ـ بالفتح ـ : الحاجة.
21 . الخَلِيقة: الطبيعة.
22 . العَرِيكَة: النفس.
23 . الصَلْد: الحجر الصُلْب.
24 . مَطْبوع العلم: ما رسخ في النفس وظهر أثره في أَعمالها، ومسموعه: منقوله ومحفوظه، والاَول هو العلم حقاً.
25 . إقْبَال الدولة: كناية عن سلامتها وعلوّها، كأنها مقبلة على صاحبها تطلبه للاَخذ بزمامها، وإن لم يطلبها.
26 .( السَرَائِر مَبْلُوّة): بلاها الله واختبرها وعلمها.
27 . المَنقُوص: المأخوذ عن رُشْدِهِ وكماله.
28 . المَدْخُول: المغشوش، مُصاب بالدَخَل ـ بالتحريك ـ وهو مرض العقل والقلب.
29 . أصْلَبُهُم عُوداً: المراد أشدّهم تمسكاً بدينه.
30 . تَنْكَؤه: تُسِيل دمه وتجرحه.
31 . اللحظة: النظرة إلى مشتهى.
32 . تَسْتَحِيله: تحوّ له عما هو عليه.
33 . مَلَق ـ بالتحريك ـ : تَمَلّق.
34 . العِيّ ـ بالكسر ـ : العجز.
35 . كابَدَها: قاساها بلا إعداد أسبابها، فكأنه يحاذيها وتطارده.
36 . عَطِبَ: انكسر، والمراد خَسِرَ.
37 . الغَلَبة: القَهْر.
38 .( يُظاهر ): أي يُعَاوِن.
39 . الظَلَمَة: جمع ظالم.

[ 30 ] ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية

فَاتَّقِ اللهَ فِيَما لَدَيْكَ، وَانْظُرْ في حَقِّهِ عَلَيْكَ، وَارْجِعْ إِلَى مَعْرِفَةِ مَا لاَ تُعْذَرُ بَجَهَالَتِهِ، فَإِنَّ لِلطَّاعَةِ أَعْلاَماً وَاضِحَةً، وَسُبُلاً نَيِّرَةً، وَمَحَجَّةً (1) نَهْجَةً (2) ، وَغَايَةً مُطَّلَبَةً (3) ، يَرِدُهَا الْأَكْيَاسُ (4) ، وَيُخَالِفُهَا الْأَنْكَاسُ (5) ، مَنْ نَكَبَ (6) عَنْهَا جَارَ (7) عَنِ الْحَقِّ، وَخَبَطَ (8) فِي التِّيهِ (9) ، وَغَيَّرَ اللهُ نِعْمَتَهُ، وَأحَلَّ بِهِ نِقْمَتَهُ. فَنَفْسَكَ نَفْسَكَ! فَقَدْ بَيَّنَ اللهُ لَكَ سَبِيلَكَ، وَحَيْثُ تَنَاهَتْ بِكَ أُمُورُكَ، فَقَدْ أَجْرَيْتَ إِلَى غَايَةِ خُسْرٍ (10) ، وَمَحَلَّةِ كُفْرٍ، فَإِنَّ نَفْسَكَ قَدْ أَوْلَجَتْكَ (11) شَرّاً، وَأَقْحَمَتْكَ (12) غَيّاً (13) ، وَأَوْرَدَتْكَ الْمَهَالِكَ، وَأَوْعَرَتْ (14) عَلَيْكَ الْمَسَالِكَ.

1. المَحَجّة: الطريق المستقيم.
2. النَهْجَة: الواضحة.
3. مُطّلَبة ـ بالتشديد ـ : مساعفة لطالبها بما يطلبه.
4. الأَكياس: العقلاء، جمع كَيّس كسيّد.
5. الأنكاس ـ جمع نِكْس بكسر النون ـ : الدنيء الخسيس.
6. نَكَب: عدل.
7. جَار: مال.
8. خَبَطَ: مشى على غير هداية.
9. التيه: الضلال.
10. أجرَيْت إلى غاية خُسْر: أجريت مطيتك مسرعاً إلى غاية خسران.
11 . أولجتك : أدخلتك
12. أقحمتك: رمت بك.
13. الغَيّ: ضد الرشاد.
14. أوْعَرَت: أخشنت وصعبت.

[ 29 ] ومن كتاب له عليه السلام إلى أهل البصرة

وَقَدْ كَانَ مِنِ انْتِشَارِ حَبْلِكُمْ (1) وَشِقَاقِكُمْ مَا لَوْ تَغْبَوْا عَنْهُ (2) ، فَعَفَوْتُ عَنْ مُجْرِمِكُمْ، وَرَفَعْتُ السَّيْفَ عَنْ مُدْبِرِكُمْ، وَقَبِلْتُ مِنْ مُقْبِلِكُمْ. فَإِنْ خَطَتْ (3) بِكُمُ الْأُمُورُ الْمُرْدِيَةُ (4) ، وَسَفَهُ (5) الْآرَاءِ الْجَائِرَةِ (6) ، إِلَىُ مُنَابَذَتِي (7) وَخِلاَفِي، فَهَأَنَاذَا قَدْ قَرَّبْتُ جِيَادِي (8) ، وَرَحَلْتُ (9) رِكَابِي (10) . وَلَئِنْ أَلْجَأْتُمُونِي إِلَى الْمَسِيرِ إِلَيْكُمْ، لَأُوقِعَنَّ بِكُمْ وَقْعَةً لاَ يَكُونُ يَوْمُ الْجَمَلِ إِلَيْهَا إِلاَّ كَلَعْقَةِ (11) لاَعِقٍ، مَعَ أَنِّي عَارِفٌ لِذِي الطَّاعَةِ مِنْكُمْ فَضْلَهُ، وَلِذِي النَّصِيحَةِ حَقَّهُ، غَيْرُ مُتَجَاوِزٍ مُتَّهَماً إِلَى بَرِيٍّ، وَلاَ ناكِثاً (12) إِلَى وَفيٍّ.

1. انتشار الحبل: تفرق طاقاته وانحلال فتله، مجاز عن التفرق.
2. غبا عنه: جهله.
3. خَطَتْ: تجاوزت.
4. المُرْدِية: المهلكة.
5. سَفه الآراء: ضعفها.
6. الجائرة: المائلة عن الحق.
7. المُنابذة: المخالفة.
8. قرّب خيله: أدناها منه ليركبها.
9. رَحَل ركابه: شد الرحال عليها.
10. الركاب: الإبل.
11. اللَعْقة: اللحسة، وقد شبه الوقعة باللَعْقة في السهولة وسرعة الانتهاء.
12. الناكث: ناقض العهد.

[ 28 ] ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية جواباً، قال الشريف: وهو من محاسن الكتب.

أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ أَتَانِي كِتَابُكَ تَذْكُرُ فِيهِ اصْطِفَاءَ اللهِ مُحَمَّداً صَلََّى الله ُعَلَيْهِ وَآلِهِ لِدِينِهِ، وَتَأْيِيدَهُ إِيَّاهُ بِمَنْ أَيَّدَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَقَدْ خَبَّأَ لَنَا الدَّهْرُ مِنْكَ عَجَباً (1) ، إِذْ طَفِقْتَ (2) تُخْبِرُنَا بِبَلاَءِ اللهِ (3) تَعَاَلي عِنْدَنَا. وَنِعْمَتِهِ عَلَيْنَا فِي نَبِيِّنَا، فَكُنْتَ فِي ذلكِ كَنَاقِلِ الَّتمْرِ إِلَى هَجَرَ (4) ، أَوْ دَاعِي مُسَدِّدِهِ (5) إِلَى النِّضَالِ (6) . وَزَعَمْتَ أَنَّ أَفْضَلَ النَّاسِ فِي الْإِسْلاَمِ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، فَذَكَرْتَ أَمْراً إِنْ تَمَّ اعْتَزَلَكَ (7) كُلُّهُ، وَإِنْ نَقَصَ لَمْ يَلْحَقْكَ ثَلْمُهُ (8) ، وَمَا أَنْتَ وَالْفَاضِلَ وَالْمَفْضُولَ، وَالسَّائِسَ وَالْمَسُوسَ! وَمَا لِلطُّلَقَاءِ (9) وَأَبْنَاءِ الطُّلَقَاءِ، وَالتَّمْييزَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، وَتَرْتِيبَ دَرَجَاتِهِمْ، وَتَعْرِيفَ طَبَقَاتِهِمْ! هَيْهَاتَ لَقَدْ حَنَّ (10) قِدْحٌ لَيْسَ مِنْهَا، وَطَفِقَ يَحْكُمُ فِيهَا مَنْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ لَهَا! أَلاَ تَرْبَعُ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ عَلَى ظَلْعِكَ (11) ، وَتَعْرِفُ قُصُورَ ذَرْعِكَ (12) ، وَتَتَأَخَّرُ حَيْثُ أَخَّرَكَ الْقَدَرُ! فَمَا عَلَيْكَ غَلَبَةُ الْمَغْلُوبِ، وَلاَ لَكَ ظَفَرُ الظَّافِرِ! وَإِنَّكَ لَذَهّابٌ (13) فِي التِّيهِ (14) ، رَوَّاغٌ (15) عَنِ الْقَصْدِ (16) . أَلاَ تَرَى ـ غَيْرَ مُخْبِر لَكَ، لكِنْ بِنِعْمَةِ اللهِ أُحَدِّثُ ـ أَنَّ قَوْماً اسْتُشْهِدُوا في سَبِيلِ اللهِ تَعَالَي مِنَ الْمُهاجِرينَ وَالْأَنْصَارِ, ولِكُلٍّ فَضْلٌ، حَتَّى إِذَا اسْتُشْهِدَ شَهِيدُنَا (17) قِيلَ: سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ، وَخَصَّهُ رَسُولُ اللهِ_ صَلَّى الله ُعَلَيْهِ وَآلِهِ_ بِسَبْعِينَ تَكْبِيرَةً عِنْدَ صَلاَتِهِ عَلَيْهِ! أَوَلاَ تَرَى أَنَّ قَوْماً قُطِّعَتْ أَيْديِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ـ وَلِكُلّ فَضْلٌ ـ حَتَّى إذَا فُعِلَ بِوَاحِدِنَا (18) كمَا فُعِلَ بِوَاحِدِهِمْ، قِيلَ: الطَّيَّارُ فِي الْجَنَّةِ وَذُوالْجَنَاحَيْنِ! وَلَوْ لاَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ مِنْ تَزْكِيَةِ الْمَرْءِ نَفْسَهُ، لَذَكَرَ ذَاكِرٌ فَضَائِلَ جَمَّةً (19) ، تَعْرِفُهَا قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلاَ تَمُجُّهَا (20) آذَانُ السَّامِعِينَ. فَدَع ْ عَنْكَ مَنْ مَالَتْ بِه الرَّمِيَّةُ (21) ، فَإِنَّا صَنَائِعُ رَبِّنَا (22) ، وَالنَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا. لَمْ يَمْنَعْنَا قَدِيمُ عِزِّنَا وَلاَ عَادِيُّ طَوْلِنَا (23) عَلَى قَوْمِكَ أَنْ خَلَطْنَاكُمْ بَأَنفُسِنَا، فَنَكَحْنَا وَأَنْكَحْنا، فِعْلَ الأََكْفَاءِ (24) ، وَلَسْتُمْ هُنَاكَ! وَأَنَّى يَكُونُ ذلِكَ كَذَلِكَ وَمِنَّا النَّبِيُّ وَمِنْكُمُ الْمُكَذِّبُ (25) ، وَمِنَّا أَسَدُ اللهِ (26) وَمِنْكُمْ أَسَدُ الْأََحْلاَفِ (27) ، وَمِنَّا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ (28) وَمِنْكُمْ صِبْيَةُ النَّارِ (29) ، وَمِنَّا خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينِ (30) وَمِنْكُمْ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ (31) ، فِي كَثِيٍر مِمَّا لَنَا وَعَلَيْكُمْ! فَإِسْلاَمُنَا مَا قَدْ سُمِعَ، وَجَاهِلِيَّتُنَا لاَ تُدْفَعُ (32) ، وَكِتَابُ اللهِ يَجْمَعُ لَنَا مَا شَذَّ عَنَّا، وَهُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَي ( وَأُولُو الاَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْض فِي كِتَابِ اللهِ)، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤمِنِينَ)، فَنَحْنُ مَرَّةً أوْلَى بِالْقَرَابَةِ، وَتَارَةً أَوْلَى بِالطَّاعَةِ. وَلَمَّا احْتَجَّ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى الْأَنْصَارِ يَوْمَ السَّقِيفَةِ (33) بِرَسُولِ الله _ صَلَّى الله ُعَلَيْهِ وَآلِهِ_ فَلَجُوا (34) عَلَيْهِمْ, فَإِنْ يَكُنِ الْفَلَجُ بِهِ فَالْحَقُّ لَنَا دُونَكُمْ، وَإِنْ يَكُنْ بِغَيْرِهِ فَالْأَنْصَارُ عَلَى دَعْوَاهُمْ. وَزَعَمْتَ أَنِّي لِكُلِّ الْخُلَفَاءِ حَسَدْتُ، وَعَلَى كُلِّهِمْ بَغَيْتُ، فَإِنْ يَكُنْ ذلِكَ كَذلِكَ فَلَيْستَ الْجِنَايَةُ عَلَيْكَ، فَيَكُونَ الْعُذْرُ إِلَيْكَ.وَتِلْكَ شَكَاةٌ (35) ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا (36) وَقُلْتَ: إِنِّي كُنْتُ أُقَادُ كَمَا يُقَادُ الْجَمَلُ الْمَخْشُوشُ (37) حَتَّى أُبَايِعَ، وَلَعَمْرُ اللهِ لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تَذُمَّ فَمَدَحْتَ، وَأَنْ تَفْضَحَ فَافْتَضَحْتَ! وَمَا عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ غَضَاضَة (38) فِي أَنْ يَكُونَ مَظْلُوماً مَا لَمْ يَكُنْ شَاكّاً فِي دِينِهِ، وَلاَ مُرْتَاباً بِيَقِينِهِ! وَهذِهِ حُجَّتِي إِلَى غَيْرِكَ قَصْدُهَا، وَلكِنِّي أَطْلَقْتُ لَكَ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا سَنَحَ (39) مِنْ ذِكْرِهَا. ثُمَّ ذَكَرْتَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِي وَأَمْرِعُثْمانَ، فَلَكَ أَنْ تُجَابَ عَنْ هذِهِ لِرَحِمِكَ منْهُ (40) ، فَأَيُّنَا كَانَ أَعْدَى لَهُ (41) ، أَ هْدَى إِلَى مَقَاتِلِهِ (42) ! أَمَنْ بَذَلَ لَهُ نُصْرَتَهُ فَاسْتَقْعَدَهُ (43) وَاسْتَكَفَّهُ (44) ، أَمْ مَنِ اسْتَنْصَرَهُ فَتَرَاَخى عَنْهُ بَثَّ الْمَنُونَ إِلَيْهِ (45) ، حَتَّى أَتَى قَدَرُهُ عَلَيْهِ، كَلاَّ وَاللهِ لَقَد يَعْلِمَ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ (46) مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِِِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأَتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَليلاً. وَمَا كُنْتُ لاَِعْتَذِرَ مِنْ أَنِّي كُنْتُ أَنْقِمُ (47) عَلَيْهِ أَحْدَاثاً (48) ، فَإِنْ كَانَ الذَّنْبُ إِلَيْهِ إِرْشَادِي وَهِدَايَتِي لَهُ، فَرُبَّ مَلُومٍ لاَ ذَنْبَ لَهُ. وَقَدْ يَسْتَفِيدُ الظِّنَّةَ (49) الْمُتَنَصِّحُ (50) وَمَا أَرَدْتُ (إِلاَّ الْإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ و إلَيْهِ أُنِيبُ) وَذَكَرْتَ أَنَّهُ لَيْسَ لِي وَلِأَصْحَابِي عِنْدَكَ إِلاَّ السَّيْفُ، فَلَقَدْ أَضْحَكْتَ بَعْدَ اسْتِعْبَار (51) ! مَتَى أُلْفِيَتْ (52) بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنِ الْأَعْدَاءِ نَاكِلِينَ (53) ، وبِالسُّيُوفِ مُخَوَّفِينَ؟! فَـ لَبِّثْ (54) قَلِيلاً يَلْحَقِ الْهَيْجَا (55) حَمَلْ (56) فَسَيَطْلُبُكَ مَنْ تَطْلُبُ، وَيَقْرُبُ مِنْكَ مَا تَسْتَبْعِدُ، وَأَنَا مُرْقِلٌ (57) نَحْوَكَ فِي جَحْفَل (58) مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، شَدِيدٍ زِحَامُهُمْ، سَاطِعٍ (59) قَتَامُهُمْ (60) ، مُتَسَرْبِلِينَ (61) سَرَابِيلَ الْمَوْتِ، أَحَبُّ اللِّقَاءِ إِلَيْهِمْ لِقَاءُ رَبِّهِمْ، قَدْ صَحِبَتْهُمْ ذُرِّيَّةٌ بَدْرِيَّةٌ (62) ، وَسُيُوفٌ هَاشِمِيَّةٌ، قَدْ عَرَفْتَ مَوَاقِ عَ نِصَالِهَا فِي أَخِيكَ وَخَالِكَ وَجَدِّكَ وَأَهْلِكَ (63) ، (وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيد)

1. حَبّأَ عجباً: أخفى أمراً عجيباً ثم أظهره.
2. طفقت ـ بفتح فكسر ـ : أخذت.
3. بَلاء الله: إنعامه وإحسانه.
4. ناقِل التّمر إلى هَجَر: مثل قديم. وهَجَر: مدينة بالبحرين كثيرة النخيل.
5. المُسَدّد: معلم رمي السهام.
6. النضال: الترامي بالسهام.
7. اعتزلك: جعلك بمعزل عنه.
8. ثَلْمه: عيبه.
9. الطُلَقاء: الذين أُسروا في الحرب ثم أُطلقوا، وكان منهم أبو سفيان ومعاوية.
10. حَنّ: صوّت. والقِدْح ـ بالكسر ـ : السهم، وإذا كان سهم يخالف السهام كان له عند الرمي صوت يخالف أصواتها، مثلٌ يضرب لمن يفتخر بقوم ليس منهم, وأصل المثل لعمر بن الخطاب,قال له عُقْبَة بن أبي مُعيَطْ:أأقتل من بين قريش ؟ فأجابه : (حَنّ قدْحُ ليس منها )
11. الظّلْع: مصدر ظَلَعَ البعير بظلع إذا غمز في مشيته، يقال اربع على ظلعك، أي قف عند حدّك.
12. الذرع ـ بالفتح ـ : بسط اليد، ويقال للمقدار.
13. ذهّاب ـ بتشديد الهاء ـ : كثير الذهاب.
14. التيه: الضلال.
15. الرَوّاغ: المَيّال.
16. القصد: الإعتدال.
17. شهيدنا: هو حمزة بن عبدالمطلب استشهد في أُحد.
18. واحدنا: هو جعفر بن أبي طالب أخو الإمام.
19. جَمّة: أي كثيرة.
20. تمجّها: تقذفها.
21. الرَمِيّة: الصيد يرميه الصائد. ومالت به الرَمِيّة: خالفت قصده فاتبعها، مثل يضرب لمن اعوج غرضه فمال عن الإستقامة لطلبه.
22. صنائع: جمع صَنِيعة، وصنيعة الملك: من يصطنعه لنفسه ويرفع قدره، وآل النبي أسراء إحسان الله عليهم، والناس أسراء فضلهم بعد ذلك.
23. العادي: الإعتيادي المعروف.
24. الاكْفَاء ـ جمع كُفْؤ بالضم ـ : النظير في الشرف.
25. يريد بالمكذّب هنا: أباجهل.
26. أسد الله: حمزة.
27. أسد الأحلاف: أبوسفيان، لأنه حزّب الأحزاب وحالفهم على قتال النبي في غزوة الخندق.
28. سيداشباب أهل الجنة: الحسن والحسين بنص قول الرسول.
29. صبية النار: قيل هم أولاد مروان ابن الحكم، أخبر النبي عنهم وهم صبيان بأنهم من أهل النار، ومرقوا عن الدين في كبرهم.
30. خير النساء: فاطمة.
31. حَمّالة الحطب: أم جميل بنت حرب، عمة معاوية وزوجة أبي لهب.
32. جاهليتنا لا تُدْفَع: شرفنا في الجاهلية لا ينكره أحد.
33. يوم السَقِيفَة: هو يوم اجتماع في سقيفة بني ساعدة لاختيار خليفه لرسول الله.
34. فَلَجوا عليهم: أي ظفروا بهم.
35. شَكاة ـ بالفتح ـ أي نقيصة، وأصلها المرض.
36. ظاهرٌ عنكَ عارها: أي بعيد، وأصلة من ظهر إذا صار ظهراً أي خلفاً.
37. الجمل المخشوش: هو الذي جُعِل في أنفه الخِشاش ـ بكسر الخاء ـ وهو ما يدخل في عظم أنف البعير من خسشب لينقاد.
38. الغَضاضة: النقص.
39. سنح: أي ظهر وعرض.
40. لِرَحِمِكَ منه: لقرابتك منه يصح الجدال معك فيه.
41. أعدى: أشد عدواناً.
42. المَقاتل: وجوه القتال ومواضعه.
43. استقعده: طلب قعوده ولم يقبل نصره.
44. اسْتَكَفّه: طلب كفّه عن الشيء.
45. بثّوا المَنُون إليه: أفضَوْا بها إليه.
46. المعوِّقون: المانعون من النصرة.
47. نَقَمَ عليه ـ كضرب ـ : عاب عليه.
48. الأحداث ـ جمع حدث ـ : البدعة.
49. الظِنّة ـ بالكسر ـ : التهمة.
50. المتنصح: المبالغ في النصح.
51. الاستعبار: الكباء.
52. ألفيْت: وجدت.
53. ناكلين: متأخرين.
54. لَبِّث ـ بتشديد الباء ـ : فعل أمر من لبثه إذا استزاد لبثه، أي مكثه، يريد امهل.
55. الهَيْجاء: الحرب.
56. حَمَل ـ بالتحريك ـ : هو ابن بدر، رجل من قشير أغير على إبله في الجاهلية فاستنقذها.
57. مُرْقِل: مسرع.
58. الجَحْفَل: الجيش العظيم.
59. الساطع: المنتشر.
60. القَتام ـ بالفتح ـ : الغبار.
61. متسربلين: لابسين لباس الموت كأنهم في أكفانهم.
62. بَدْرِيّة: من ذراري أهل بدر.
63. سأخوه حنظلة، وخاله الوليد بن عتبة، وجده عتبة بن ربيعة.

[ 27 ] ومن عهد له عليه السلام إلى محمد بن أبي بكر - رضي الله عنه - حين قلّده مصر:

فَاخْفِضْ لَهُمْ جَنَاحَكَ، وَأَلِنْ لَهُمْ جَانِبَكَ، وَابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَكَ، وَآسِ (1) بَيْنَهُمْ فِي اللَّحْظَةِ وَالنَّظْرَةِ، حَتَّى لاَ يَطْمَعَ الْعُظَمَاءُ فِي حَيْفِكَ لَهُمْ (2) ، وَلاَ يَيْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ. فَإنَّ اللهَ تَعَالَى يُسَائِلُكُمْ مَعْشَرَ عِبَادِهِ عَنِ الصَّغِيرَةِ مِنْ أَعْمَالِكُمْ وَالْكَبِيرَةِ، وَالظَّاهِرَةِ وَالْمَسْتُورَةِ، فَإِنْ يُعَذِّبْ فَأَنْتُمْ أَظْلَمُ، وَإِنْ يَعْفُ فَهُوَ أَكْرَمُ. وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللهِ، أَنَّ الْمُتَّقِينَ ذَهَبُوا بِعَاجِلِ الدُّنْيَا وَآجِلِ الْآخِرَةِ، فَشَارَكُوا أَهْلَ الدُّنْيَا فِي دُنْيَاهُمْ، وَلَمْ يُشَارِكُو أَهْلُ الدُّنْيَا فِي آخِرَتِهِمْ; سَكَنُوا الدُّنْيَا بَأَفْضَلِ مَا سُكِنَتْ، وَأَكَلُوهَا بِأَفْضَلِ مَا أُكِلَتْ، فَحَظُوا مِنَ الدُّنْيَا بِمَا حَظِيَ بِهِ الْمُتْرَفُونَ (3) ، وَأَخَذُوا مِنْهَا مَا أَخَذَهُ الْجَبَابِرَةُ الْمُتَكَبِّرُونَ، ثُمَّ انْقَلَبُوا عَنْهَا بِالزَّادِ الْمُبَلِّغِ، وَالْمَتْجَرِ الرَّابِحِ، أَصَابُوا لَذَّةَ زُهْدِ الدُّنْيَا فِي دُنْيَاهُمْ، وَت َيَقَّنُوا أَنَّهُمْ جِيرَانُ اللهِ غَداً فِي آخِرَتِهِمْ، لاَ تُرَدُّ لَهُمْ دَعْوَةٌ، وَلاَ يَنْقُصُ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ لَذَّة. فَاحْذَرُوا عِبَادَ اللهِ الْمَوْتَ وَقُرْبَهُ، وَأَعِدُّوا لَهُ عُدَّتَهُ، فَإِنَّهُ يَأْتِي بِأَمْرٍ عَظِيم، وَخَطْبٍ جَلِيلٍ، بِخَيْرٍ لاَ يَكُونُ مَعَهُ شَرٌّ أَبَداً، أَوْ شَرٍّ لاَ يَكُونُ مَعَهُ خَيْرٌ أَبَداً، فَمَنْ أَقْرَبُ إِلَى الْجَنَّةِ مِنْ عَامِلِهَا! وَمَنْ أَقْرَبُ إِلى النَّارِ مِنْ عَامِلِهَا! وَأَنْتُمْ طُرَدَاءُ الْمَوْتِ، إِنْ أَقَمْتُمْ لَهُ أَخْذَكُمْ، وَإِنْ فَرَرْتُمْ مِنْهُ أَدْرَككُمْ، وَهُوَ أَلْزَمُ لَكُمْ مِنْ ظِلِّكُمْ، الْمَوْتُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيكُمْ (4) ، وَالدُّنْيَا تُطْوَى مِنْ خَلْفِكُمْ. فَاحْذَرُوا نَاراً قَعْرُهَا بَعِيدٌ، وَحَرُّهَا شَدِيدٌ، وَعَذَابُهَا جَدِيدٌ، دَارٌ لَيْسَ فِيها رَحْمَةٌ، وَلاَ تُسْمَعُ فِيهَا دَعْوَةٌ، وَلاَ تُفَرَّجُ فِيهَا كُرْبَهٌ. وَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ يَشْتَدَّ خَوْفُكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنْ يَحْسُنَ ظَنُّكُمْ بِهِ، فَاجْمَعُوا بيْنَهُمَا، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِنَّمَا يَكُونُ حُسْنُ ظَ نِّهِ بِرَبِّهِ عَلَى قَدْرِ خَوْفِهِ مِنْ رَبِّهِ، وَإِنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ ظَنّاً بِاللهِ أَشَدُّهُمْ خَوْفاً لله. وَاعْلَمْ ـ يَا مُحَمَّدُ بْنَ أَبِي بَكْرٍ ـ أَنِّي قَدْ وَلَّيْتُكَ أَعْظَمَ أَجْنَادِي فِي نَفْسِي أَهْلَ مِصْرَ، فَأَنْتَ مَحْقُوقٌ أَنْ تُخَالِفَ عَلَى نَفْسِكَ (5) ، وَأَنْ تُنَافِحَ (6) عَنْ دِينِكَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَكَ إِلاَّ سَاعَةٌ مِنَ الدَّهْرِ، وَلاَ تُسْخِطِ اللهَ بِرِضَى أَحَد مِنْ خَلْقِهِ، فَإِنَّ فِي اللهِ خَلَفاً مِنْ غَيْرِهِ (7) ، وَلَيْسَ مِنَ اللهِ خَلَفٌ فِي غَيْرِهِ. صَلِّ الصَّلاَةَ لِوَقْتِهَا الْمُوَقَّتِ لَهَا، وَلاَ تُعَجِّلْ وَقْتَهَا لِفَرَاغ، وَلاَ تُؤْخِّرْهَا عَنْ وَقْتِهَا لِإِشْتِغَالٍ، وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ عَمَلِكَ تَبَعٌ لِصَلاَتِكَ. ومنه: فَإِنَّهُ لاَ سَوَاءَ، إِمَامُ الْهُدَى وَإِمَامُ الرَّدَى، وَوَلِيُّ النَّبِىِّ وَعَدُوُّ النَّبِيِّ، وَلَقَدْ قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: (إِنِّي لاَ أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي مُؤْمِناً وَلاَ مُشْرِكاً، أَمَّا الْمُؤمِنُ فَيَمْنَعُهُ اللهُ بِإِيمَانِهِ، وَأَمَّا الْمُشْرِكُ فَيَقْمَعُهُ (8) اللهُ بِشِرْكِهِ. لكِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ كُلَّ مَنَافِقِ الْجَنَانِ (9) ، عَالِمِ اللِّسَانِ (10) ، يَقُولُ مَا تَعْرِفُونَ،وَيَفْعَلُ مَا تُنْكِرُونَ).

1. آسِ: أمر من آسى ـ بمد الهمزة ـ أي سَوّى، يريد: اجعلْ بعضهم أُسوة بعض أي مستوين.
2. حَيْفك لهم: أي ظلمك لأجلهم.
3. المترفون: المنعمون.
4. النَوَاصي ـ جمع ناصية ـ : مُقَدّم شعر الرأس.
5. تخالف على نفسك: أي تخالف شهوة نفسك.
6. المنافحة: المدافعة والمجالدة.
7. إنّ في الله خَلَفاً من غيره: أي عِوَضاً.
8. يَقْمَعه: يقهره.
9. منافق الجَنان: من أسرّ النفاق في قلبه.
10. عالم اللسان: من يعرف أحكام الشريعة ويسهل عليه بيانها فيقول حقاً يعرفه المؤمنون ويفعل منكراً ينكرونه.

[ 26 ] ومن عهد له عليه السلام إلى بعض عمّاله، وقد بعثه على الصدقة

أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللهِ فِي سَرَائِرِ أُمُورِهِ وَخَفِيَّاتِ عَمَلِهِ، حَيْثُ لاَ شَهِيدَ غَيْرُهُ، وَلاَ وَكِيلَ دُونَهُ. وَ أَمَرَهُ أَلاَّ يَعْمَلَ بَشَيْءٍ مِنْ طَاعَةِ اللهِ فِيما ظَهَرَ فَيُخَالِفَ إِلَى غَيْرِهِ فِيَما أَسَرَّ، وَمَنْ لَمْ يَخْتَلِفْ سِرُّهُ عَلاَنِيَتُهُ، وَفِعْلُهُ وَمَقَالَتُهُ، فَقَدْ أَدّى الْأَمَانَةَ، وَأَخْلَصَ الْعِبَادَةَ. وَأَمَرَهُ أَلاَّ يَجْبَهَهُمْ (1) ، وَلاَ يَعْضَهَهُمْ (2) ، وَلاَ يَرْغَبَ عَنْهُمْ (3) تَفَضُّلاً بِالْإِمَارَةِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُمُ الْإِخْوَانُ فِي الدِّينِ، وَ الْأَعْوَانُ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الْحُقُوقِ. وَإِنَّ لَكَ فِي هذِهِ الصَّدَقَةِ نَصِيباً مَفْرُوضاً، وَحَقّاً مَعْلُوماً، وَشُرَكَاءَ أَهْلَ مَسْكَنَة، وَضَعَفَاءَ ذَوِي فَاقَةٍ، إِنَّا مُوَفُّوكَ حَقَّكَ، فَوَفِّهِمْ, حُقُوقَهُمْ، وَإِلاَّ تَفْعَلْ فَإِنَّكَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ خُصُوماً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَبُؤْسي (4) لِمَنْ -خَصْمُهُ عِنْدَ اللهِ - الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ وَالسَّائِلُونَ وَالْمَدْفُوعُونَ وَالْغَارِمُونَ وَابْنُ السَّبِيلِ! وَمَنِ اسْتَهَ انَ بِالْأَمَانَةِ، وَرَتَعَ فِي الْخِيَانَةِ، وَلَمْ يُنَزِّهَ نَفْسَهُ وَدِينَهُ عَنْهَا، فَقَدْ أَحَلَّ بِنَفْسِهِ الْذُّلَّ وَالْخِزْيَ (5) فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَذَلُّ وَأَخْزَى. وَإِنَّ أَعْظَمَ الْخِيَانَةِ خِيَانَةُ الْأُمَّةِ، وَأَفْظَعَ الْغِشِّ غِشُّ الْأَئِمَّةِ، وَالسَّلاَم.

1. جَبَهَهُ ـ كمنعه ـ : أصله ضرب جَبْهته، والمراد: واجهه بما يكره.
2. عَضِهَ فلاناً ـ كفرح ـ : بهته.
3. لا يرغب عنهم: لايتجافى.
4. بوسَي علي وزن (فُعْلي):اي عذاب وشدة.
5. الخِزْي ـ بكسر الخاء وسكون الزاي ـ : أشد الذل.

[ 25 ] ومن وصية له عليه السلام كان يكتبها لمن يستعمله على الصدقات قال الشريف: و إنما ذكرنا هنا جملاً ليُعلَمَ بها أنه عليه السلام كان يقيم عماد الحق، ويشرع أمثلة العدل، في صغير الأمور وكبيرها، ودقيقها وجليلها.

انْطَلِقْ عَلَى تَقْوَى اللهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَلاَ تُرَوِّعَنَّ (1) مُسْلِماً، وَلاَ تَجْتَازَنَّ (2) عَلَيْهِ كَارِهاً، وَلاَ تَأْخُذَنَّ مِنْهُ أَكثَرَ مِنْ حَقِّ اللهِ فِي مَالِهِ. فَإِذَا قَدِمْتَ عَلَى الْحَيِّ فَانْزِلْ بِمَائِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخَالِطَ أَبْيَاتَهُمْ، ثُمَّ امْضِ إِلَيْهِمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، حَتَّى تَقوُمَ بَيْنَهُمْ فَتُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ، وَلاَ تُخْدِجْ بِالتَّحِيَّةِ لَهُمْ (3) ، ثُمَّ تَقُولَ: عِبَادَ اللهِ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ وَلِيُّ اللهِ وَخَلِيفَتُهُ،لآخُذََ مِنْكُمْ حَقَّ اللهِ فِي أَمْوَالِكُمْ، فَهَلْ لِلَّهِ فِي أَمْوَالِكُمْ مِنْ حَقّ فَتُؤَدُّوهُ إِلَى وَلِيِّهِ؟ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لاَ، فَلاَ تُرَاجِعْهُ، وَإِنْ أَنْعَمَ (4) لَكَ مُنْعِمٌ فَانْطَلِقْ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخِيفَهُ أَوْ تُوعِدَهُ أَوْ تَعْسِفَهُ (5) أَوْ تُرْهِقَهُ (6) ، فَخُذْ مَا أَعْطَاكَ مِنْ ذَهَب أَ وْ فِضَّة، فَإنْ كَانَ لَهُ مَاشِيَةٌ أَوْ إِبِلٌ فَلاَ تَدْخُلْهَا إِلاَّ بِإِذْنِهِ، فَإِنَّ أَكْثَرَهَا لَهُ، فَإِذَا أَتَيْتَهَا فَلاَ تَدْخُلْ عَلَيْهَا دُخُولَ مُتَسَلِّط عَلَيْهِ وَلاَ عَنِيف بِهِ، وَلاَ تُنَفِّرَنَّ بَهِيمَةً وَلاَ تُفْزِعَنَّهَا،وَلاَ تَسُوءَنَّ صَاحِبَهَا فِيهَا، وَاصْدَعِ (7) الْمَالَ صَدْعَيْنِ، ثُمَّ خَيِّرْهُ (8) ، فَإِذَا اخْتَارَ فَلاَ تَعْرِضَنَّ لِمَا اخْتَارَهُ، ثُمَّ اصْدَعِ الْبَاقيَ صَدْعَيْنِ، ثُمَّ خَيِّرْهُ، فَإِذَا اخْتَارَ فَلاَ تَعْرِضَنَّ لِمَا اخْتَارَ. فَلاَ تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَبْقَى مَا فِيهِ وَفَاءٌ لِحَقِّ اللهِ فِي مَالِهِ، فَاقْبِضْ حَقَّ اللهِ مِنْهُ. فَإِنِ اسْتَقَالَكَ فَأَقِلْهُ (9) ، ثُمَّ اخْلِطْهُمَا، ثُمَّ اصْنَعْ مِثْلَ الَّذِي صَنَعْتَ أَوَّلاً حَتَّى تَأْخُذَ حَقَّ اللهِ فِي مَالِهِ. وَلاَ تَأْخُذَنَّ عَوْداً (10) ، وَلاَ هَرِمَةً (11) ، وَلاَ مَكْسُورَةً، وَلاَ مَهْلُوسَةً (12) ، وَلاَ ذَاتَ عَوَارٍ (13) وَلاَ تَأْمَنَنَّ عَلَيْهَا إِلاَّ مَنْ تَثِقُ بِدِينِهِ، رَافِقاً بِمَالِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يُوَصِّلَهُ إِلَ ى وَلِيِّهِمْ فَيَقْسِمَهُ بَيْنَهُمْ, وَلاَ تُوَكِّلْ بِهَا إِلاَّ نَاصِحاً شَفِيقاً وَأَمِيناً حَفِيظاً، غَيْرَ مُعَنِّفٍ وَلاَ مُجْحِفٍ (14) ، وَلاَ مُلْغِبٍ (15) وَلاَ مُتْعِبٍ. ثُمَّ احْدُرْ (16) إِلَيْنَا مَا اجْتَمَعَ عِنْدَكَ، نُصَيِّرْهُ حَيْثُ أَمَرَ اللهُ بِهِ, فَإِذَا أَخذَهَا أَمِينُكَ فَأَوْعِزْ إِلَيْهِ أَلاَّ يَحُولَ بَيْنَ نَاقَةٍ وَبَيْنَ فَصِيلِهَا (17) ، وَلاَ يَمْصُرَ (18) لَبَنَهَا فَيَضُرَّ ذَلِكَ بِوَلَدِهَا، وَلاَ يَجْهَدَنَّهَا رُكُوباً، وَلْيَعْدِلْ بَيْنَ صَوَاحِبَاتِهَا فِي ذَلِكَ وَبَيْنَهَا، وَلْيُرَفِّهْ عَلَى اللاَّغِبِ (19) ، وَلْيَسْتَأْنِ (20) بِالنَّقِبِ (21) وَالظَّالِعِ (22) ، وَلْيُورِدْهَا مَا تَمُرُّ بِهِ مِنَ الْغُدُرِ (23) ، وَلاَ يَعْدِلْ بِهَا عَنْ نَبْتِ الْأَرْضِ إِلَى جَوَادِّ الطُّرُقِ (24) ، وَ لْيُرَوِّحْهَا فِي السَّاعَاتِ، وَلْيُمْهِلْهَا عِنْدَ النِّطَافِ (25) وَالْأَعْشَابِ، حَتَّى تَأْتِيَنَا بِإِذْنِ اللهِ بُدَّناً (26) مُنْقِيَاتٍ (27) ، غَيْرَ مُتْعَبَاتٍ وَلاَ مَجْهُودَاتٍ (28) ، لِنَقْسِمَهَا عَلَى كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّي عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ لِأَجْرِكَ، وَأَقْرَبُ لِرُشْدِكَ، إِنْ شَاءَ اللهُ.

1. رَوّعه ترويعاً: خوّفه.
2. الاجتياز: المرور.
3. أخْدَجَتِ السحابةُ: قَلّ مطرها، والمراد من قوله: "لاتخْدِج بالتحية لهم": لا تبخل بها عليهم.
4. أنْعَمَ لك: أي قال لك نعم.
5. تعْسِفه: تأخذه بشدة.
6. تُرْهِقه: تكلّقُهُ ما يصعب عليه.
7. صدع المال: قسمه قسمين.
8. خيّره في الأشياء: ترك له أن يختار منها ما يشاء.
9. إن استقالكَ فأقِلْهُ: أي إن ظن في نفسه سوء الاختيار وطلب الإعفاء من هذه القسمة فأعفه منها.
10. العَوْد ـ بفتح فسكون ـ : المسنة من الإبل.
11. الهَرِمة من الابل: أسنّ من العَوْد.
12. المهلوسة: الضعيفة، هَلَسَهُ المرض: أضعفه.
13. العَوار ـ بفتح العين ـ : العيب.
14. المُجْحِف: من يشتد في سَوْق الإبل حتى تهزل.
15. الملغب: الذي يعيي غيره ويتعبد، وهو من اللغوب: الإعياء.
16. حَدَرَ يَحْدرُ ـ كينصر ويضرب ـ : أسرع، والمراد سُقْ إلينا سريعاً.
17. فَصِيل الناقة: ولدها وهو رضيع.
18. مَصْر اللبن: حلب مافي الضرْع جميعه.
19. (ليرفّه عن اللاّغب): أي ليرح ما أُلْغِبَ أي أعياه التعب.
20. ليستأن: أي يرفق من الإناة بمعنى الرفق.
21. النَّقِب ـ بفتح فكسر ـ : ما نَقِبَ خُفّهُ ـ كفرح ـ أي: تَخَرَّق.
22. ظَلَعَ البعيرُ: غمز في مشيته.
23. الغُدُر ـ جمع غدير ـ : ما غادره السيل من المياه.
24. جوَادّ الطرق: يريد بها هنا الطرق التي لا مرعى فيها.
25. النِّطاف ـ جمع نُطْفة ـ : المياه القليلة، أي يجعل لها مهلة لتشرب وتأكل.
26. البُدّن ـ بضم الباء وتشديد الدال ـ : السمينة.
27. المُنْقِيات: اسم فاعل من أنْقَتِ الإبلُ إذا سمنت، وأصله صارت ذات نِقْي ـ بكسر فسكون ـ أي: مُخّ.
28. مجهودات: بلغ منها الجهد والعناء مبلغاً عظيماً.

[ 24 ] ومن وصية له عليه السلام بما يُعمل في أمواله، كتبها بعد منصرفه من صفين:

هذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُاللهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أمِيرُالْمُؤْمِنِينَ فِي مَالِهِ، ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ، لِيُولِجَهُ (1) بِهِ الْجَنَّةَ، وَيُعْطِيَهُ الْأََمَنَةَ (2) . منها: فَإِنَّهُ يَقُومُ بِذلِكَ الْحَسنُ بْنُ علِيّ، يأْكُلُ مِنْهُ بِالْمعْروفِ، وَيُنْفِقُ مِنْهُ بِالمَعْروُفِ، فَإِنْ حَدَثَ بِحَسَنٍ حَدَثٌ (3) وَحُسَيْنٌ حَيٌّ، قَامَ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ، وَأَصْدَرَهُ (4) مَصْدَرَهُ. وَإِنَّ لِإِبْنَيْ فَاطِمَةَ مِنْ صَدَقَةِ عَلِيٍّ مِثْلَ الَّذِي لِبَنِي عَلِيٍّ، وَإِنِّي إِنَّمَا جَعَلْتُ الْقِيَامَ بِذلِكَ إِلَى ابْنَيْ فَاطِمَةَ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ، وَقُرْبَةً إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَتَكْرِيماً لِحُرْمَتِهِ، وَتَشْرِيفاً لِوُصْلَتِهِ (5) . وَيَشْتَرِطُ عَلَى الَّذِي يَجْعَلُهُ إِلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ الْمَالَ عَلَى أُصُولِهِ (6) ، وَيُنْقفِقَ مِنْ ثَمَرِهِ حَيْثُ أُمِرَ بِهِ وَهُدِيَ لَهُ، أَلاَّ يَبِيعَ مِنْ أَوْلَادِ نَخِيلَ هذِهِ الْقُرَى وَدِيَّةً (7) حَتَّى تُشْكِلَ أَرْضُهَا غِرَاساً. وَمَنْ كَانَ مِنْ إِمَائِي ـ اللاَّتِي أَطُوفُ عَلَيْهِنَّ (8) ـ لَهَا وَلَدٌ، أَوْهِيَ حَامِلٌ، فَتُمْسَكُ عَلَى وَلَدِهَا وَهِيَ مِنْ حَظِّهِ، فَإِنْ مَاتَ وَلَدُهَا وَهِيَ حَيَّةٌ فَهِيَ عَتِيقَةٌ، قَدْ أَفْرَجَ عَنْهَا الرِّقُّ، وَحَرَّرَهَا الْعِتْقُ. قال الشريف: قوله عليه السلام في هذه الوصية: "وألا يبيع من نخلها وَدِيَّةً"، الوَدِيَّةُ: الفَسِيلَةُ، وجمعها وَدِيٌّ. وَقوله عليه السلام: "حتى تشكل أرضها غراساً" هو من أفصح الكلام، والمراد به: أن الأرض يكثر فيها غراس النخل حتّى يراها الناظر على غير تلك الصفة التي عرفها بها فيشكل عليه أمرها ويحسبها غيرها.

1. يُولِجُهُ: يُدْخله.
2. الأمَنَةُ ـ بالتحريك ـ : الأمن.
3. الحَدَث ـ بالتحريك ـ : الحادث، أي الموت.
4. أصدره: أجراه كما كان يجري على يد الحسن.
5. الوُصْلة ـ بالضم ـ : الصلة وهي هنا القرابة.
6. ترك المال على أصوله: أن لا يباع منه شيء ولا يقطع منه غرس.
7. الوَدِيّة ـ كهديّة ـ : واحدة الودي أي صغار النخل، وهو هنا الفَسِيل.
8. أطوف عليهن: كناية عن غشيانهن.

[ 23 ] ومن كلام له عليه السلام قاله قبل شهادته علي سبيل الوصية لمّا ضربه ابن ملجم لعنة الله عليه:

وَصِيَّتِي لَكُمْ: أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئاً، وَمُحَمَّدٌ - صَلَّى اللهٌ عَلَيْهِ وَآلِهِ- فَلاَ تُضَيِّعُوا سُنَّتَهُ، أَقِيمُوا هذَيْنِ الْعَمُودَينِ، وأَوْقِدُوا هذَيْنِ الْمِصْبَاحَيْنِ وَخَلاَكُمْ ذَمَّ (1) أَنَا بِالْأََمْسِ صَاحِبُكُمْ، وَالْيَوْمَ عِبْرَةٌ لَكُمْ، وَغَداً مُفَارِقُكُمْ، إِنْ أَبْقَ فَأَنَا وَلِيُّ دَمِي، وَإِنْ أَفْنَ فَالْفَنَاءُ مِيعَادِي، وَإِنْ أَعْفُ فَالْعَفْوُ لِي قُرْبَةٌ، وَهُوَ لَكُمْ حَسَنَةٌ، فَاعْفُوا (أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) وَاللهِ مَا فَجَأَنِي مِنَ الْمَوْتِ وَارِدٌ كَرِهْتُهُ، وَلاَ طَالِعٌ أَنْكَرْتُهُ، وَمَا كُنْتُ إِلاَّ كَقَارِب (2) وَرَدَ، وَطَالِبٍ وَجَدَ، (وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأََبْرَارِ). قال السيد الشريف رضي اللهُ عنه: أقول: وقد مضى بعض هذا الكلام فيما تقدّم من الخطب، إلاّ أنّ فيه هاهنا زيادة أوجبت تكريره.

1. خلاكم ذمّ: عداكم وجاوزكم اللوم بعد قيامكم بالوصية.
2. القارِبُ: طالب الماء ليلاً، ولايقال لطالبه نهاراً.

[ 22 ] ومن كتاب له عليه السلام إلى عبدالله بن العباس رحمه الله تعالي ، وكان عبدالله يقول: (ما انتفعت بكلام بعد كلام رسول الله كانتفاعي بهذا الكلام!)

أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْمَرْءَ قَدْ يَسُرُّهُ دَرَكُ مَا لَمْ يَكُنْ لِيَفُوتَهُ (1) ، وَيَسُوؤُهُ فَوْتُ مَا لَمْ يَكُنْ لِيُدْرِكَهُ (2) ، فَلْيَكُنْ سُرُورُكَ بِمَا نِلْتَ مِنْ آخِرَتِكَ، وَلْيَكُنْ أَسَفُكَ عَلَى مَا فَاتَكَ مِنْهَا، وَمَا نِلْتَ مِنْ دُنْيَاكَ فَلاَ تُكْثِرْ بِهِ فَرَحاً، وَمَا فَاتَكَ مِنْهَا فَلاَ تَأْسَ عَلَيْهِ جَزَعاً، وَلْيَكُنْ هَمُّكَ فِيَما بَعْدَ الْمَوْتِ.

1. يفوته الشيء: يذهب عنه إلى غير رجعة.
2. يدركه: يناله ويصيبه.

[ 21 ] ومن كتاب له عليه السلام إلي زياد أيضاً

فَدَعِ الْإِسْرَافَ مُقْتَصِداً، وَاذْكُرْ فِي الْيَوْمِ غَداً، وَأَمْسِكْ مِنَ الْمَالِ بِقَدْرِ ضَرُورَتِكَ، وَقَدِّمِ الْفَضْلَ (1) لِيَوْمِ حَاجَتِكَ. أَتَرْجُوا أَنْ يُعْطِيَكَ اللهُ أَجْرَ الْمُتَوَاضِعِينَ وَأَنْتَ عِنْدَهُ مِنَ الْمُتَكَبِّرِينَ! وَتَطْمَعُ ـ وَأَنْتَ مُتَمَرِّغٌ فِي النَّعِيمِ (2) ، تَمْنَعُهُ الضَّعِيفَ والْأََرْمَلَةَ ـ أَنْ يُوجِبَ لَكَ ثَوَابَ الْمتَصَدِّقِينَ؟ وَإِنَّمَا الْمَرْءُ مَجْزِيٌ بَمَا أَسْلَفَ (3) ، وَقَادِمٌ عَلَى مَا قَدَّمَ، وَالسَّلاَمُ.

1. الفضل: ما يفضل من المال.
2. المتمرّغ في النعم: المتقلب في الترف.
3. أسلف: قدم في سالف أيامه.

[ 70 ] وقال عليه السلام في سحرة (1) اليوم الذي ضرب فيه

مَلَكَتْنِي عَيْنِي (2) وَأَنَا جَالِسٌ، فَسَنَحَ (3) لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: فَقُلْتَ يَا رَسُولَ اللهِ، مَاذَا لَقِيتُ مِنْ أُمَّتِكَ مِنَ الْأُوَدِ وَاللَّدَدِ؟ فَقَالَ: «ادْعُ عَلَيْهِمْ»، فَقُلْتُ: أَبْدَلَنِي اللهُ بِهمْ خَيْراً مِنْهُمْ، وَأَبْدَلَهُمْ بِي شَرّاً لَهُمْ مِنِّي. قال الشريف: يعني بالأود: الاعوجاج، وباللدد: الخصام. وهذا من أفصح الكلام.

1. السُّحْرة ـ بالضم ـ : السّحَر الأعلى من آخر الليل.
2. مَلَكَتْني عَيْني: غلبني النوم.
3. سنح لي رسول الله: مرّ بي كما تسنح الظباء والطير.

[ 69 ] ومن كلام له عليه السلام في توبيخ بعض أصحابه


كَمْ أُدَارِيكُمْ كَمَا تُدَارَى الْبِكَارُ الْعَمِدَةُ (1) ، وَالثِّيَابُ الْمتَدَاعِيَةُ (2) ! كُلَّما حِيصَتْ (3) مِنْ جَانِبٍ تَهَتَّكَتْ (4) مِنْ آخَرَ، كُلَّما أَطَلَّ عَلَيْكُمْ مَنْسِرٌ (5) مِنْ مَنَاسِرِ أَهْلِ الشَّامِ أَغْلَقَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بَابَهُ، وَانْجَحَرَ (6) انْجِحَارَ الضَّبَّةِ في جُحْرِهَا، وَالضَّبُعِ فِي وِجَارِهَا (7) . الذَّلِيلُ وَاللهِ مَنْ نَصَرْتُمُوهُ! وَمَنْ رُمِيَ بِكُمْ فَقَدْ رُمِيَ بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ (8) . إِنَّكُمْ ـ وَاللهِ ـ لَكَثِيرٌ فِي الْبَاحَاتِ (9) ، قَليِلٌ تَحْتَ الرَّايَاتِ، وَإِنِّي لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ، وَيُقِيمُ أَوَدَكُمْ (10) ، وَلكِنِّي واللهِ لَا أَرَى إِصْلاَحَكُمْ بَإِفْسَادِ نَفْسِي. أَضْرَعَ اللهُ خُدُودَكُمْ (11) , وَأَتْعَسَ جُدُودَكُمْ (12) ! لَا تَعْرِفُونَ الْحَقَّ كَمَعْرِفَتِكُمُ الْبَاطِلَ،وَلاَ تُبْطِلُونَ الْبَاطِلَ كَإِبطَالِكُمُ الْحَقَّ!

1. البِكار ـ ككتاب ـ جمع بكر: الفتيّ من الابل. العَمِدة ـ بفتح فكسر ـ : التي انفضح داخلُ سنَامِها من الركوب، وظاهُرهُ سليم.
2. الثياب المُتداعية: الخَلقَةُ المُتَخَرّقة. ومُدَاراتها: استعمالها بالرفق التام.
3. حيصَتْ: خِيطَتْ.
4. تَهَتّكَتْ: تَخَرّقَتْ.
5. المَنْسر ـ كمجلس ومنبر ـ : القطعة من الجيش تمر أمام الجيش الكثير. وأطلّ: أشرف.
6. إنْجَحَرَ: دخَلَ الجُحْرَ.
7. الوِجار ـ بالكسر ـ : جُحْرُ الضّبُع وغيرها.
8. الافْوَق من السهام: ما كُسر فُوقُهُ، أي موضع الوتر منه. والناصل: العاري من النصل. والسهم إذا كان مكسور الفُوقِ عارياً عن النصل لم يؤثّر في الرمية.
9. الباحات: الساحات.
10. أوَدَكم ـ بالتحريك ـ : اعوجاجكم.
11. أضْرَعَ الله خُدُودَكم: أذلّ الله وجوهكم.
12. وأتْعَسَ جُدُودَكم، أي: حط من حظوظكم. والتّعَسَ: الانحطاط والهلاك والعثار.

[ 68 ] ومن كلام له عليه السلام لمّا قلد محمّد بن أبي بكر مصر فملكت عليه وقتل


وَقَدْ أَرَدْتُ تَوْلِيَةَ مِصْرَ هَاشِمَ بْنَ عُتْبَةَ، وَلَوْ وَلَّيْتُهُ إِيَّاهَا لَمَّا خَلَّى لَهُمُ الْعَرْصَةَ (1) ، وَلاَ أَنْهَزَهُمُ الْفُرْصَةَ، بَلاَ ذَمٍّ لَمُحَمَّدِ بْنِ أَبي بَكْر، فَلَقَدْ كَانَ إِلَيَّ حَبِيباً، وَكَانَ لي رَبِيباً.

1. العَرْصَة: كل بقعة واسعة بين الدّور. والمراد ما جعل لهم مجالاً للمغالبة. وأراد بالعرصة عَرْصَةَ مصر، وكان محمد قد فرّ من عدوّه ظنّاً منه أنه ينجو بنفسه، فأدركوه وقتلوه.

[ 66 ] ومن كلام له عليه السلام في تعليم الحرب والمقاتلة والمشهورأنه قاله لأصحابه ليلة الهرير أو أول اللقاء بصفين


مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: اسْتَشْعِرُوا الْخَشْيَةَ (1) ، وَتَجَلْبَبُوا (2) السَّكِينَةَ، وَعَضُّوا عَلَى النَّوَاجِذِ (3) ، فَإِنَّهُ أَنْبَى (4) لِلْسُّيُوفِ عَنِ الْهَامِ (5) . وَأَكْمِلُوا اللَّأْمَةَ (6) ، وَقَلْقِلُوا (7) السُّيُوفَ فِي أَغْمَادِهَا (8) قَبْلَ سَلِّهَا. وَالْحَظُوا الْخَزْرَ (9) ، وَاطْعُنُوا الشَّزْرَ (10) ، وَنَافِحُوا بِالظُّبَا (11) ، وَصِلُوا السُّيُوفَ بَالْخُطَا (12) ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ بِعَيْنِ اللهِ، وَمَعَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللهِ. فَعَاوِدُوا الْكَرَّ، وَاسْتَحْيُوا مِنَ الْفَرِّ (13) ، فَإِنَّهُ عَارٌ فِي الْأَعْقَابِ (14) ، وَنَارٌ يَوْمَ الْحِسَابِ، وَطِيبُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ نَفْساً، وَامْشُوا إِلَى الْمَوْتِ مَشْياً سُجُحاً (15) ، وَعَلَيْكُمْ بِهذَا السَّوَادِ الْأَعْظَمِ، وَالرِّوَاقِ المُطَنَّبِ (16) ، فَاضْرِبُوا ثَبَجَهُ (17) ، فإِنَّ الشَّيْطَانَ كَامِنٌ فِي كِسْرِهِ (18) ، قَدْ قَدَّمَ لِلْوَثْبَةِ يَداً، وَأَخَّرَ لِلْنُّكُوصِ رِجْلاً; فَصَمْداً صَمْداً! (19) حَتَّى يَنْجَلِيَ لَكُمْ عَمُودُ الْحَقِّ (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) (20)

1. اسْتَشْعِرُوا الخَشْيَةَ: اجعلوها من شِعاركم. والشعار هو ما يلي البدنَ من الثياب.
2. تَجَلْببَ: لبِسَ الجِلْبَابَ، وهو ما تغطي به المرأة ثيابها من فوق.
3. النواجذ: جمع ناجذ، وهو أقصى الاضراس. ولكلّ إنسان أربعة نواجذ وهي بعد الارْحاءِ. ويسمى الناجذ ضرْسَ العقل. وإذا عضضت على ناجِذك تصلّبَتْ أعصابك وعضلاتك المتصلة بدماغك.
4. أنْبَى للسيوف: أبعد عنها.
5. الهام: جمع هامة، وهي الرأس.
6. اللاْمَة: الدّرع. وإكمالها أن يُزَاد عليها البَيْضَةُ ونحوها. وقد يراد من اللامة آلات الحرب والدفاع، وإكمالها على هذا استيفاؤها.
7. قَلْقِلُوا السيوف: حرّكوها في أغمادها.
8. الاغْماد: جمع غمد وهو بيت السيف.
9. الخزَر ـ محركةً، وسكّنها مراعاةً للسجعة الثانية ـ : النظر من أحد الشقّين، وهو علامة الغضب.
10. الشّزْر ـ بفتح الشين ـ : الطعن في الجوانب يميناً وشمالاً.
11. نافحوا بالظّبا; نافحوا: كافحوا وضاربوا، والظّباـ بالضم ـ : جمع ظبة، وهي طرف السيف وحدّه.
12. صِلُوا السّيوفَ بالخُطَا: صِلوا من الوصل أي: اجعلوا سيوفكم متصلةً بخطا أعدائكم، جمع خطوة.
13. الفَرّ: الفرار.
14. (عَارٌ في الاعْقاب): هنا الاولاد، لانهم يُعْيّرُون بفرار آبائهم.
15. السُجُح ـ بضمتين ـ : السهل.
16. الرِّوَاق المُطَنّب; الرواق ـ ككتاب وغراب ـ : الفسطاط، والمُطَنّب: المشدود بالاطْنَاب جمع طُنُب ـ بضمتين ـ وهو حبل يشدّ به سُرَادِقُ البيت.
17. الثَبَجَ ـ بالتحريك ـ : الوسط.
18. كِسْرُه ـ بالكسر ـ : شِقّه الاسفل، كناية عن الجوانب التي يفر إليها المنهزمون.
19. الصَّمْد: القصد، أي: فاثبتوا على قصدكم.
20. (لن يَتِرَكُم أعمالكم): لن ينقصكم شيئاً من جزائها.

[ 67 ] ومن كلام له عليه السلام قالوا: لمّا انتهت إلى أميرالمؤمنين عليه السلام أنباء السقيفة (1) بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله، قال عليه السلام : ما قالت الانصار؟ قالوا: قالت: منا أمير ومنكم أمير، قال عليه السلام:


فَهَلاَّ احْتَجَجْتُمْ عَلَيْهِمْ: بِأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَّى بِأَنْ يُحْسَنَ إِلَىمُحْسِنِهمْ، وَيُتَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ؟ قالوا: وما في هذا من الحجّة عليهم؟ فقال عليه السلام: لَوْ كَانَتِ الْإِمَامَةُ فِيهِمْ لَمْ تَكُنِ الْوَصِيَّةُ بِهِمْ. ثم قال: عليه السلام: فَمَاذَا قَالَتْ قُرَيْشٌ؟ قالوا: احتجت بأَنها شجرة الرسول صلى الله عليه وآله. فقال عليه السلام: احْتَجُّوا بِالشَّجَرَةِ، وَأَضَاعُوا الَّثمَرَةَ.

1. سقيفة بني ساعدة: اجتمع فيها بعض الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لاختيار خليفة له.

[ 65 ] ومن خطبة له عليه السلام وفيها مباحث لطيفة من العلم الالهي


الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ تَسْبِقْ لَهُ حَالٌ حالاً، فَيَكُونَ أَوَّلاً قَبْلَ أَنْ يَكُونَ آخِراً، وَيَكُونَ ظَاهِراً قَبْلَ أَنْ يَكُونَ بَاطِناً. كُلُّ مُسَمّىً بِالْوَحْدَةِ غَيْرَهُ قَلِيلٌ، وَكُلُّ عَزِيز غَيْرَهُ ذَلِيلٌ، وَكُلُّ قَوِيٍّ غَيْرَهُ ضَعِيفٌ، وَكُلُّ مَالِكٍ غَيْرَهُ مَمْلُوكٌ، وَكُلُّ عَالِمٍ غَيْرَهُ مُتَعَلِّمٌ، وَكُلُّ قَادِرٍ غَيْرَهُ يَقْدِرُ وَيَعْجَزُ، وَكُلُّ سَمِيعٍ غَيْرَهُ يَصَمُّ (1) عَنْ لَطِيفِ الْأَصْوَاتِ، ويُصِمُّهُ كَبِيرُهَا، وَيَذْهَبُ عَنْهُ مَا بَعُدَ مِنْهَا، وَكُلُّ بَصِيٍر غَيْرَهُ يَعْمَى عَنْ خَفِيِّ الْأَلْوَانِ وَلَطِيفِ الْأَجْسَامِ، وَكُلُّ ظَاهِرٍغَيْرَهُ غَيْرُ بَاطِنٌ، وَكُلُّ بَاطِنٍ غَيْرَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ. لَمْ يَخْلُقْ مَا خَلَقَهُ لِتَشْدِيدِ سُلْطَانٍ، وَلاَ تَخْوُّفٍ مِنْ عَوَاقِبِ زَمَانٍ، وَلاَ اسْتِعَانَةٍ عَلَى نِدٍّ (2) مُثَاوِرٍ (3) ، وَلاَ شَرِيكٍ مُكَاثِرٍ (4) ، وَلاَ ضِدٍّ مُنَافِرٍ (5) ; وَلكِنْ خَلاَئِقُ مَرْبُوبُونَ (6) ، وَعِبَادٌ دَاخِرُونَ (7) ، لَمْ يَحْلُلْ فِي الْأَشْيَاءِ فَيُقَالَ: هُوَ فِيَها كَائِنٌ، وَلَمْ يَنْأَ (8) عَنْهَا فَيُقَالَ: هُوَ مِنْهَا بَائِنٌ (9) . لَمْ يَؤُدْهُ (10) خَلْقُ مَا ابْتَدَأَ، وَلاَ تَدْبِيرُ مَا ذَرَأَ (11) ، وَلاَ وَقَفَ بِهِ عَجْرٌ عَمَّا خَلَقَ، وَلاَ وَلَجَتْ (12) عَلَيْهِ شُبْهُةٌ فِيَما قَضَى وَقَدَّرَ، بَلْ قَضَاءٌ مُتْقَنٌ، وَعِلْمٌ مُحْكَمٌ، وَأَمْرٌ مُبْرَمٌ (13) . الْمَأْمُولُ مَعَ النِّقَمِ، الْمَرْهُوبُ مَعَ النِّعَمِ!

1. يَصَمّ ـ بفتح الصاد ـ : مضارع «صَمّ» ـ من باب علم ـ إذا أصيب بالصمم وفقد السمع; وما عظم من الاصوات حتى فات المألوف الذي يستطيع احتماله يحدث فيها الصمم بصدعه لها.
2. النِّد ـ بكسر النون ـ : النظير والمثل، ولا يكون إلاّ مخالفاً، وجمعه أنداد مثل حِمْل وأحْمال.
3. المثاور: المُوَاثِب والمُحارِب.
4. الشريك المكاثرِ: المُفاخِرُ بالكثرة، هذا إذا قرىء بالثاء المثلثة، ويروى «المكابر» ـ بالباء الموحدة ـ أي: المفاخر بالكِبْر والعظمة.
5. الضّدّ المُنافِر: الذي يحاكي ضده في الرفعة والنسب فيغلبه.
6. مَرْبُوبُون: أي مملوكون.
7. داخِرون: أذِلاّء، من دخر.
8. «لم ينأ عنها» أي: لم ينفصل انفصالَ الجسم.
9. بائن: منفصل.
10. لم يَؤدْه: لم يُثْقِلْهُ، آدَهُ الامرُ; يَأوده: أثقله وأتعبه.
11. ذرأ: خلق.
12. وَلَجَتْ عليه: دَخَلَتْ.
13. مُبْرَم: محتوم، وأصله من «أبْرَمَ الحبلَ» جعله طاقَيْن، ثم فتله، وبهذا أحكمه.

[ 64 ] ومن خطبة له عليه السلام في المبادرة إلى صالح الاعمال

اتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَبَادِرُوا آجَالَكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ (1) ، وَابْتَاعُوا (2) مَا يَبْقَى لَكُمْ بِمَا يَزُولُ عَنْكُمْ، وَتَرَحَّلُوا (3) فَقَدْ جُدَّ بِكُمْ (4) ، وَاسْتَعِدُّوا لِلْمَوْتِ فَقَدْ أَظَلَّكُمْ (5) ، وَكُونُوا قَوْماً صِيحَ بِهمْ فَانْتَبَهُوا، وَعَلِمُوا أَنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ لَهُمْ بِدَارٍ فَاسْتَبْدَلُوا; فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثاً، وَلَمْ يَتْرُكْكُمْ سُدىً (6) ، وَمَا بَيْنَ أَحَدِكُمْ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ إِلاَّ الْمَوْتُ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ. وَإِنَّ غَايَةً تَنْقُصُهَا اللَّحْظَةُ، وَتَهْدِمُهَا السَّاعَةُ، لَجَدِيرَةٌ بِقِصَرِالْمُدَّةِ، وَإِنَّ غَائِباً يَحْدُوهُ (7) الْجَدِيدَانِ: اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، لَحَرِيٌّ (8) بِسُرْعَةِ الْأَوْبَةِ (9) ، وَإِنَّ قَادِماً يَقْدُمُ بِالفَوْزِ أَوالشِّقْوَةِ لَمُسْتَحِقٌّ لِأَفْضَلِ الْعُدَّةِ، فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنيَا, مِنَ الدُّنْيَا, مَا تَحْرُزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ (10) غَداً. فَاتَّقَى عَبْدٌ رَبِّهُ، نَصَحَ نَفْسَهُ، قَدَّمَ تَوْبَتَهُ، غَلَبَ شَهْوَتَهُ، فَإِنَّ أَجَلَهُ مَسْتُورٌ عَنْهُ، وَأَمَلَهُ خَادِعٌ لَهُ، والشَّيْطَانُ مُوَكَّلٌ بِه، يُزَيِّنُ لَهُ الْمَعْصِيَةَ لِيَرْكَبَهَا، وَيُمَنِّيهِ التَّوْبَةَ لِيُسَوِّفَهَا (11) ، إَذَا هَجُمَتْ مَنِيَّتُهُ عَلَيْهِ أَغْفَلَ مَا يَكُونُ عَنْهَا. فَيَا لَهَا حَسْرَةً عَلَى كُلِّ ذِي غَفْلَةٍ أَنْ يَكُونَ عُمُرُهُ عَلَيْهِ حُجَّةً، وَأَنْ تُؤَدِّيَهُ أَيَّامُهُ إِلَى الشِّقْوَةِ! نَسْأَلُ اللهَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِمِّنْ لاَ تُبْطِرُهُ نَعْمَةٌ (12) ، وَلاَ تُقَصِّرُ بِهِ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ غَايَةٌ، وَلاَ تَحُلُّ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ نَدَامَةٌ وَلاَ كَآبَةٌ.

1. (بَادِرُوا آجالَكُمْ بأعمالِكُم) أي: سابقوها وعاجلوها بها.
2. ابتاعوا: اشتروا ما يبقى من النعيم الابدي، بما يفنى من لذة الحياة الدنيا وشهواتها المنقضية.
3. الترحّل: الانتقال، والمراد هنا لازمه، وهو: إعداد الزاد الذي لابدّ منه للراحل.
4. جُدّ بكم: أي حُثِثْتم وأُزْعجتم إلى الرحيل.
5. أظَلّكم: قرب منكم من كأنّ له ظّلاً قد ألقاه عليكم.
6. سُدى: مهملين.
7. يحدوه: يسوق،والجديدان: الليل والنهار.
8. حَرِيّ: جدير.
9. الاوْبَة: الرجعة.
10. (ما تَحْرُزُون به انفسكم) أي: تحفظونها به.
11. يُسَوّفها: يؤجّلها ويؤخرها.
12. لا تُبْطِرُهُ النعمة: لا تطغيه، ولا تسدل على بصيرته حجاب الغفلة عما هو صائر إليه.

[ 63 ] ومن خطبة له عليه السلام يحذر من فتنة الدنيا


أَلاَ وإنَّ الدُّنْيَا دَارٌ لاَ يُسْلَمُ مِنْهَا إِلاَّ فِيهَا، وَلاَ يُنْجَى بِشَيْءٍ كَانَ لَهَا، ابْتُلِيَ النَّاسُ بِهَا فِتْنَةً، فَمَا أَخَذُوهُ مِنْهَا لَهَا أُخْرِجُوا مِنْهُ وَحُوسِبُوا عَلَيْهِ، وَمَا أَخَذُوهُ مِنْهَا لِغَيْرِهَا قَدِمُوا عَلَيْهِ وَأَقَامُوا فِيهِ; فَإِنَّهَا عِنْدَ ذَوِي الْعُقُولِ كَفَيْءِ الظِّلِّ، بِيْنَا تَرَاهُ سَابِغاً (1) حَتَّى قَلَصَ (2) ، وَزَائِداً حَتَّى نَقَصَ.

1. سابغاً: ممتداً ساتراً للارض.
2. قَلَصَ: انقبض.

[ 62 ] ومن كلام له عليه السلام لمّا خُوِّف من الغيلة (1)


وَإِنَّ عَلَيَّ مِنَ اللهِ جُنَّةً (2) حَصِينةً، فَإِذَا جَاءَ يَوْمِي انْفَرَجَتْ عَنِّي وَأَسْلَمَتْنِي; فَحِينَئِذٍ لاَ يَطِيشُ السَّهْمُ (3) ، وَلاَ يَبْرَأُ الْكَلْمُ (4) .

1. الغَيْلة: القتل على غِرّة بغير شعور من المقتول كيف يأتيه القاتل.
2. الجُنّة ـ بالضم ـ : الوقاية والملجأ والحصن، وقد سبقت.
3. طاش السهم عن الهدف ـ من باب باع ـ أي: جاوره ولم يصبه.
4. الكَلْمُ ـ بالفتح ـ : الجرح.

[ 61 ] وقال عليه السلام

لاَ تُقَاتِلُوا الْخَوَارِجَ بَعْدِي، فَلَيْسَ مَنْ طَلَبَ الْحَقَّ فَأَخْطَأَهُ، كَمَنْ طَلَبَ الْبَاطِلَ فَأَدْرَكَهُ. قال الشريف: يعني معاوية وأصحابه.