نهج البلاغة

وهو مجموعة خطب مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وأوامره وكتبه ورسائله وحكمه ومواعظه تأليف: الشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام

السبت، 30 يونيو 2012

[ 45 ] ومن كتاب له عليه السلام إلى عثمان بن حنيف الأنصاري و كان عامله على البصرة، وقد بلغه أنه دعي إلى وليمة قوم من أهلها، فمضى إليها قوله:

أَمَّا بَعْدُ، يَابْنَ حُنَيْف، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ دَعَاكَ إلى مَأْدُبَة (1) ، فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا، تُسْتَطَابُ (2) لَكَ الْأَلْوَانُ (3) ، وَتُنْقَلُ إِلَيْكَ الْجِفَانُ (4) ، وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلى طَعَامِ قَوْمٍ، عَائِلُهُمْ (5) مَجْفُوٌّ (6) ، وَغَنِيُّهُمْ مَدْعُوٌّ. فَانْظُرْ إِلَى مَا تَقْضَمُهُ (7) مِنْ هذَ الْمَقْضَمِ، فَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ عِلْمُهُ فَالْفِظْهُ (8) ، وَمَا أَيْقَنْتَ بِطِيبِ وُجُوهِهِ فَنَلْ مِنْهُ. أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَأمُومٍ إِمَاماً، يَقْتَدِي بِهِ، وَيَسْتَضِيءُ بِنُورِ عِلْمِهِ. أَلاَ وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ (9) ، وَمِنْ طُعْمِهِ (10) بِقُرْصَيْهِ (11) . أَلاَ وَإِنَّكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ عَلَى ذلِكَ، وَلكِنْ أَعِينُوني بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ، وَعِفَّةٍ وَسَدَادٍ (12) . فَوَاللهِ مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْراً (13) ، وَلاَ ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً (14) ، وَلاَ أَعْدَدْتُ لِبَالِي ثَوْبِي طِمْراً (15) .وَ لاَحُزتُ مِنْ أَرْضِهاَ شِبْراً ،ولاَ أخَذتُ مِنْهُ إلَّا كَقُوتِ أَتَانٍ دَبِرَةٍ (16) ،وَلَهِيَ فِي عَيْنِي أَوْهَي وَ أَهْوَنُ مِنْ عَفْصَةٍ مَقِرَةٍ (17) بَلَى! كَانَتْ في أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّماءُ، فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ، وَسَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ قُوْمٍ آخَرِينَ، وَنِعْمَ الْحَكَمُ اللهُ. وَمَا أَصْنَعُ بِفَدَك (18) وَغَيْرِ فَدَك، وَالنَّفْسُ مَظَانُّهَا (19) فِي غَدٍ جَدَثٌ (20) ، تَنْقَطِعُ فِي ظُلْمَتِهِ آثَارُهَا، وَتَغِيبُ أَخْبَارُهَا، وَحُفْرَةٌ لَوْ زِيدَ فِي زِيدَ فِي فُسْحَتِهَا، وَأَوْسَعَتْ يَدَا حَافِرِهَا،لَأَضْغَطَهَا (21) الْحَجَرُ وَالْمَدَرُ (22) ، وَسَدَّ فُرَجَهَا (23) التُّرَابُ الْمُتَرَاكِمُ، وَإِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا (24) بِالتَّقْوَى لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ الْأَكْبَرِ، وَتَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ الْمَزْلَقِ (25) . وَلَوْ شِئْتُ لاَهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ، إِلَى مُصَفَّى هذَا الْعَسَلِ، وَلُبَابِ هذَا الْقَمْحِ، وَنَسَائِجِ هذَا الْقَزِّ (26) ، وَلكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ، وَيَقُودَنِي جَشَعِي (27) إِلَى تَخَيُّرِ الْأَطْعِمَةِ ـ وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوِ الْيَمَامَةِ مَنْ لاَطَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ (28) ، وَلاَ عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ ـ أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى (29) وَأَكْبَادٌ حَرَّى (30) ، أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ:
وَحَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍ (31) وَحَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدِّ (32) .
أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ: أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ، وَلاَ أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ، أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ (33) الْعَيْشِ! فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ، كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا، أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا (34) ، تَكْتَرِشُ (35) مِنْ أَعْلاَفِهَا (36) ، وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا، أَوْ أُتْرَكَ سُدىً، أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً، أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلاَلَةِ، أَوْ أَعْتَسِفَ (37) طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ (38) ! وَكَأَنِّي بِقَائِلِكُمْ يَقُولُ: إِذَا كَانَ هذَا قُوتُ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَدْ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ عَنْ قِتَالِ الْأَقْرَانِ وَمُنَازَلَةِ الشُّجْعَانِ. أَلاَ وَإِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِّيَّةَ (39) أَصْلَبُ عُوداً، وَالْرَّوَائِعَ الْخَضِرَةَ (40) أَرَقُّ جُلُوداً، وَالنَّابِتَاتِ العِذْيَةَ (41) أَقْوَى وَقُوداً (42) ، وَأَبْطَأُ خُمُوداً، وَأَنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ كَالضَّوءِ مِنَ الضَّوءِ (43) ، وَالذِّرَاعِ مِنَ الْعَضُدِ (44) . وَاللهِ لَوْ تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلَى قِتَالِي لَمَا وَلَّيْتُ عَنْهَا، وَلَوْ أَمْكَنَتِ الْفُرَصُ مِنْ رِقَابِهَا لَسَارَعْتُ إِلَيْهَا،سَأَجْهَدُ (45) فِي أَنْ أُطَهِّرَ الْأَرضَ مِنْ هذَا الشَّخْصِ الْمَعْكُوسِ، وَالْجِسْمِ الْمَرْكُوسِ (46) ، حَتَّى تَخْرُجَ الْمَدَرَةُ (47) مِنْ بَيْنِ حَبِّ الْحَصِيدِ (48) . ومن هذا الكتاب، و هو آخره: إِلَيْكَ عَنِّي (49) يَا دُنْيَا، فَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ (50) ، قَدِ انْسَلَلْتُ مِنْ مَخَالِبِكِ (51) ، وَأَفْلَتُّ مِنْ حَبَائِلِكِ (52) ، وَاجْتَنَبْتُ الذَّهَابَ فِي مَدَاحِضِكِ (53) . أَيْنَ الْقُرُونُ الَّذِينَ غَرَرْتِهِمْ بَمَدَاعِبِكَ (54) ! أَيْنَ الْأَُمَمُ الَّذِينَ فَتَنْتِهِم بِزَخَارِفِكِ! فَهَا هُمْ رَهَائِنُ الْقُبُورِ، وَمَضَامِينُ اللُّحُودِ (55) . وَاللهِ لَوْ كُنْتِ شَخْصاً مَرْئِيّاً، وَقَالَباً حِسِّيّاً، لاََقَمْتُ عَلَيْكِ حُدُودَ اللهِ فِي عِبَاد غَرَرْتِهِمْ بِالْأَمَانِي، وَأُمَم أَلْقَيْتِهِمْ فِي الْمَهَاوِي (56) ، وَمُلُوكٍ أَسْلَمْتِهِمْ إِلَى التَّلَفِ، وَأَوْرَدْتِهِمْ مَوَارِدَ الْبَلاَءِ، إِذْ لاَ وِرْدَ (57) وَلاَ صَدَرَ (58) ! هَيْهَاتَ! مَنْ وَطِىءَ دَحْضَكِ (59) زَلِقَ (60) ، وَمَنْ رَكِبَ لُجَجَكِ غَرِقَ، وَمَنِ ازْوَرَّ (61) عَنْ حَبَائِلِكِ وُفِّقَ، وَالسَّالِمُ مِنْكِ لاَيُبَالِي إِنْ ضَاقَ بِهِ مُنَاخُهُ (62) ، وَالدُّنْيَا عِنْدَهُ كَيَوْم حَانَ (63) انْسِلاَخُهُ (64) . اعْزُبِي (65) عَنِّي! فَوَاللهِ لاَ أَذِلُّ لَكِ فَتَسْتَذِلِّينِي، وَلاَ أَسْلَسُ (66) لَكِ فَتَقُودِينِي. وَايْمُ اللهِ ـ يَمِيناً أسْتَثْنِي فِيهَا بِمَشِيئَةِ اللهِ ـ لَأَرُوضَنَّ نَفْسِي رِيَاضَةً تَهشُّ (67) مَعَها إِلَى الْقُرْصِ إِذَا قَدَرتْ عَلَيْهِ مَطْعُوماً، وَتَقْنَعُ بِالْمِلْحِ مَأْدُوماً (68) ; وَلَأَدَعَنَّ (69) مُقْلَتِي (70) كَعَيْنِ مَاءٍ، نَضَبَ (71) مَعِينُهَا (72) ، مُسْتَفْرِغَةً دُمُوعَهَا. أَتَمْتَلِىءُ السَّائِمَةُ (73) مِنْ رِعْيِهَا (74) فَتَبْرُكَ؟ وَتَشْبَعُ الرَّبِيضَةُ (75) مِنْ عُشْبِهَا فَتَرْبِضَ (76) ؟ وَيَأْكُلُ عَلِيٌّ مِنْ زَادِهِ فَيَهْجَعَ (77) ؟ قَرَّتْ إِذاً عَيْنُهُ (78) إِذَا اقْتَدَى بَعْدَ السِّنِينَ الْمُتَطَاوِلَةِ بِالْبَهِيمَةِ الْهَامِلَةِ (79) ، وَالسَّائِمَةِ الْمَرْعِيَّةِ! طُوبَى لِنَفْس ٍأَدَّتْ إِلَى رَبِّهَا فَرْضَهَا، وَعَرَكَتْ بِجَنْبِهَا بُؤْسَهَا (80) ، وَهَجَرَتْ فِي اللَّيْلِ غُمْضَهَا (81) ، حَتَّى إِذَا غَلَبَ الْكَرَى (82) عَلَيْهَا افْتَرَشَتْ أَرْضَهَا (83) ، وَتَوَسَّدَتْ كَفَّهَا (84) ، فِي مَعْشَرٍ أَسْهَرَ عُيُونَهُمْ خَوْفُ مَعَادِهِمْ، تَجَافَتْ (85) عَنْ مَضَاجِعِهِمْ (86) جُنُوبُهُمْ، وَهَمْهَمَتْ (87) بِذِكْرِ رَبِّهِم شِفَاهُهُمْ، وَتَقَشَّعَتْ (88) بِطُولِ اسْتِغْفَارِهِم ذُنُوبُهُمْ (أُولئِكَ حِزْبُ الله، أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فَاتَّقِ اللهَ يَابْنَ حُنَيْفٍ، وَلْتَكْفُفْ أَقْرَاصُكَ (89) ، لِيَكُونَ مِنْ النَّارِ خَلاَصُكَ.

1. المأدبة ـ بفتح الدال وضمها ـ : الطعام يصنع لدعوة أو عرس.
2. تُستَطاب لك: يطلب لك طيبها.
3. الألوان: المراد هنا أصناف الطعام.
4. الجِفان ـ بكسر الجيم ـ : جمع جفنة وهي القصعة.
5. عائلهم: محتاجهم.
6. مجفو: أي مطرود، من الجفاء.
7. قَضِمَ ـ كسمع ـ : أكل بطرف أسنانه، والمراد الأكل مطلقاً، والمَقْضَم ـ كمقعد ـ : المأكل.
8. ألفظه: أطرحه.
9. الطِمْر ـ بالكسر ـ : الثوب الخلق البالي.
10. طُعْمه ـ بضم الطاءـ : ما يطعمه ويفطر عليه.
11. قُرْصَيْه: تثنية قرص، وهو الرغيف.
12. السداد: التصرف الرشيد، وأصله الثواب والاحتراز من الخطأ.
13. التِبْر ـ بكسر فسكون ـ : فُتات الذهب والفضة قبل أن يصاغ.
14. الوَفْر: المال.
15. الطِمْر: الثوب البالي، وقد سبق قريباً، والثوب هنا عبارة عن الطمرين، فان مجموع الرداء والإزار يعد ثوباً واحداً، فبهما يُكسى البدن لا بأحدهما.
16.أتان دَبِرَة : هي التي عقُرظهرها فقلًّ أكلها.
17. مَقرِة : أي مرة
18. فَدَك ـ بالتحريك ـ : قرية لرسول الله (ص)، وكان صالح أهلها على النصف من نخيلها بعد خيبر; وإجماع الشيعة على أنه كان أعطاها فاطمة (عليها السلام) قبل وفاته، إلاّ أن أبابكر آثر ردها لبيت المال.
19. المظانّ: جمع مظنة وهوالمكان الذي يظنّ فيه وجود الشيء.
20. جَدَث ـ بالتحريك ـ أي: قبر.
21. أضْغَطَها: جعَلها من الضيق بحيث تضغط وتعصر الحال فيها.
22. المَدَر ـ جمع مَدَرة مثل قَصَب وقصبة ـ : وهو التراب المتلبد، أو قطع الطين.
23. فُرَجها ـ جمع فُرْجَة مثال غُرَف و غُرفة ـ : كل منفرج بين شيئين.
24. أرُوضُها: أذلّلها.
25. المزلق ومثله المزلقة: موضع الزلل، وهو المكان الذى يخشى فيه أن تزل القدمان، والمراد هنا الصراط.
26. القزّ: الحرير.
27. الجشع: شدة الحرص.
28. القُرْص: الرغيف.
29. بطون غرثى: جائعة.
30. أكباد حرّى ـ مؤنث حران ـ أي: عطشان.
31. البِطْنَة ـ بكسر الباء ـ : البطر والأشر.
32. القِدّ ـ بالكسر ـ : سير من جلد غير مدبوغ.
33. الجُشوبة: الخشونة، وتقول: جشب الطعام ـ كنصر وسمع ـ فهو جَشْب، وجَشِب كشهم وبطر، وجشيب ومِجْشاب ومجشوب أي غَلُظَ فهو غليظ.
34. تقمّمها: التقاطها للقمامة، أي الكناسة.
35. (تكترش): تملأ كرشها.
36. الأعلاف ـ جمع علف ـ : ما يهيأ للدابة لتأكله.
37. اعْتَسف: ركب الطريق على غير قصد.
38. المَتاهة: موضع الحيرة.
39. الشجرة البريّة: التي تنبت في البر الذي لا ماء فيه.
40. الرَوَائِع الخَضِرة: الأشجار والأعشاب الغضة الناعمة التي تنبت في الأرض الندية.
41. النابتات العِذْية: التي تنبت عذياً، والعِذْي ـ بسكون الذال ـ : الزرع لايسقيه إلاّ ماء المطر.
42. الوَقود: اشتعال النار.
43. (كالضوء من الضوء) الإمام نفسه بالضوء الثاني, وشبه الرسول الله بالضوء الأول, وشبه منبع الأضواء عزوجل بالشمس التي توجب الضوء الأول, ثم الضوء الأول يوجب الضوء الثاني.
44. (الذراع من العضد): شبه الإمام نفسه من الرسول بالذراع الذي أصله العضد، كناية عن شدة الإمتزاج والقرب بينهما.
45. جَهَدَ ـ كمنع ـ : جد.
46. المركوس: من الركس، وهو رد الشيء مقلوباً وقلب آخره على أوله، والمراد مقلوب الفكر.
47. المَدَرَة ـ بالتحريك ـ : قطعة الطين اليابس.
48. حبّ الحصيد: حب النبات المحصود كالقمح ونحوه، والمراد بخروج المدرة من حبّ الحصيد: أنه يطهر المؤمنين من المخالفين.
49. اليْكِ عني: اذهبي عني.
50. الغارِب: مابين السَنام والعنق، وقوله عليه السلام للدنيا: "حبلك على غاربك" والجملة تمثيل لتسريحها تذهب حيث شاءت.
51. انسَلّ من مخالبها: لم يعلق به شيء من شهواتها.
52. الحابئل: جمع حِبالة وهي شبكة الصياد.
53. المداحض: المساقط والمزالق.
54. المَدَاعب ـ جمع مَدْعَبة ـ : من الدعابة، وهي المزاح.
55. مضامين الّحُود: أي الذين تضمنتهم القبور.
56. المهاوي ـ جمع مهوى ـ : مكان السقوط، وهو من هوى يهوي.
57. الوِرْد ـ بكسر الواوـ : ورود الماء.
58. الصَدَر ـ بالتحريك ـ : الصدور عن الماء بعد الشرب.
59. مكان دَحْض ـ بفتح فسكون ـ أي: زلق لا تثبت فيه الأرجل.
60. زلق: زلّ وسقط.
61. (ازوَرّ): مال وتنكب.
62. مُنَاخه: أصله مبرك الإبل، من أناخ يُنِيخ، والمراد به هنا: مُقامه.
63. حان: حضر.
64. انسلاخه: زواله.
65. (عزب يعزب): أي بَعُد.
66. (لا أسلس): أي لا أنقاد.
67. (تهشّ إلى القُرص): تنبسط إلى الرغيف وتفرح به من شدة ما حرمته.
68. (مأدوما)ً: حال من الملح، أي مأدوماً به الطعام.
69. لادَعَنّ: لأتْرُكَنّ.
70. مقلتي: عيني.
71. نَضَب: غار.
72. مَعِينها ـ بفتح فكسر ـ : ماؤها الجاري.
73. السائمة: الأنعام التي تسرح.
74. رِعْيها ـ بكسر الراء ـ : الكلأ.
75. الربيضة: الغنم مع رعاتها إذا كانت في مرابضها.
76. الربوض للغنم: كالبروك للإبل.
77. يهجع: أي يسكن كما سكنت الحيوانات بعد طعامها.
78. قَرّت عينه: دعاء على نفسه ببرود العين ـ أي جمودها ـ من فقد الحياة.
79. الهاملة: المتروكة، والهَمْل من الغنم ترعى نهاراً بلا راع.
80. البؤس: الضر، وعرك البؤس بالجنب: الصبر عليه كأنه شوك فيسحقه بجنبه.
81. الغُمْض ـ بالضم ـ : النوم.
82. الكَرَى ـ بالفتح ـ : النعاس.
83. افْتَرَشَت أرضها: لم يكن لها فراش.
84 توسّدَت كفها: جعلته كالوسادة.
85. تجافت: تباعدت ونأت.
86. مضاجع ـ جمع مضجع ـ : موضع النوم.
87. الهمهمة: الصوت الخفي يتردد في الصدر.
88. تَقَشّعَت جنوبهم: انحلّت وذهبت كما يتقشع الغمام.
89. (وَلْتَكْفُفْ أَقْرَاصُكَ): كأن الإمام يأمر الأقراص ـ أي الأرغفة ـ بالكفّ ـ أي الإنقطاع ـ عن ابن حنيف، والمراد أمر ابن حنيف بالكفّ عنها استعفافاً، ورفع "أقراصك" على الفاعلية أبلغ من نصبها على المفعولية.

[ 44 ] ومن كتاب له عليه السلام إلى زياد بن أبيه وقد بلغه أن معاوية كتب إليه يريد خديعته باستلحاقه

وَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّ مُعَاويَةَ كَتَبَ إِلَيْكَ يَسْتَزِلُّ (1) لُبَّكَ (2) ، وَيَسْتَفِلُّ (3) غَرْبَكَ (4) ، فاحْذَرْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ الشَّيْطَانُ يَأْتِي الْمَرْءَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، وَعَنْ يَمينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، لِيَقْتَحِمَ غَفْلَتَهُ (5) ، وَيَسْتَلِبَ غِرَّتَهُ (6) . وَقَدْ كَانَ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَلْتَهٌ (7) مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ، وَنَزْغَةٌ مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ، لاَ يَثْبُتُ بِهَا نَسَبٌ، وَلاَ يُسْتَحَقُّ بِهَا إِرْثٌ، وَالْمُتَعَلِّقُ بِهَا كَالْوَاغِلِ الْمُدَفَّعِ، وَالنَّوْطِ الْمُذَبْذَبِ. فلمّا قرأ زياد الكتاب قال: شهد بها وربّ الكعبة، ولم يزل في نفسه حتى ادّعاه معاويةُ. قال الرضي: قوله عليه السلام: ِ( الواغل)ُ: هوالذي يهجم على الشّرْب ليشرب معهم وَليس منهم، فلا يزال مُدفّعاً محاجزاً. و"النّوْط المُذَبْذَب": هو ما يناط برحل الراكب من قعب أو قدح أو ما أشبه ذلك، فهو أبداً يتقلقل إذا حث ظهره واستعجل سيره.

1. يَسْتَزِلّ أي: يطلب به الزلل، وهو الخطأ.
2. اللّب: القلب.
3. يَسْتَفِلّ ـ بالفاء ـ : يثلم.
4. الغرْب ـ بفتح فسكون ـ : الحدة والنشاط.
5. يقتحم غفلته: يدخل غفلته بغتة فيأخذه فيها، وتشبيه الغفلة بالبيت يسكن فيه الغافل من أحسن أنواع التشبيه.
6. الغِرّة ـ بالكسر ـ : خلو العقل من ضروب الحيل، والمراد منها العقل الساذج.
7. فلتة أبي سفيان: قوله في شأن زياد: إني أعلم من وضعه في رحم أمه، يريد نفسه.

[ 43 ] ومن كتاب له عليه السلام إلى مصقلة بن هُبَيرة الشيباني وهو عامله على أردشير خُرّة (1)

بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ إِلهَكَ، وَأَغْضَبْتَ إِمَامَكَ: أَنَّكَ تَقْسِمُ فَيْءَ (2) الْمُسْلِمِينَ الَّذِي حَازَتْهُ رِمَاحُهُمْ وَخُيُولُهُمْ، وَأُرِيقَتْ عَلَيْهِ دِمَاؤُهُمْ، فِيمَنِ اعْتَامَكَ (3) مِنْ أَعْرَابِ قَوْمِكَ، فَوَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ (4) ، لَئِنْ كَانَ ذلِكَ حَقّاً لَتَجِدَنَّ لَِكَ عَلَيَّ هَوَاناً، وَلَتَخِفَّنَّ عِنْدِي مِيزَاناً، فَلاَ تَسْتَهِنْ بِحَقِّ رَبِّكَ، وَلاَ تُصلِحْ دُنْيَاكَ بِمَحْقِ دِينِكَ، فَتَكُونَ مِنَ الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً. أَلاَ وَإِنَّ حَقَّ مَنْ قِبَلَكَ (5) وَقِبَلَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي قِسْمَةِ هذَا الْفَيْءِ سَوَاءٌ، يَرِدُونَ عِنْدِي عَلَيْهِ،يَصْدُرُونَ عَنْهُ، والسَّلامُ.

1. أرْدَشير خُرّة ـ بضم الخاء وتشديد الراء ـ : بلدة من بلاد العجم.
2. الفيء: مال الغنيمة والخراج، وأصله ما وقع للمؤمنين صلحاً من غير قتال.
3. اعْتَامَك: اختارك، وأصله أخذ العِيمَة ـ بالكسر ـ وهي خيار المال.
4. النّسَمَة ـ محرّكة ـ : الروح، وهي في البشر أرجح، وبرأها: خلقها.
5. قِبَل ـ بكسر ففتح ـ : ظرف بمعنى عند.

[ 42 ] ومن كتاب له عليه السلام إلى عمر بن أبي سلمة المخزومي وكان عامله على البحرين، فعزله، واستعمل النعمان بن عجلان الزّرقي مكانه

أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي قَدْ وَلَّيْتُ النُعْمَانَ بْنَ عَجْلاَنَ الزُّرَقيَّ عَلَى الْبَحْرَيْنِ، وَنَزَعْتُ يَدَكَ، بِلاَ ذَمٍّ لَكَ، وَلاَ تَثْرِيبٍ (1) عَلَيْكَ، فَلَقَدْ أَحْسَنْتَ الْوِلاَيَةَ، وَأَدَّيْتَ الْأَمَانَةَ، فَأَقْبِلْ غَيْرَ ظَنِينٍ (2) ، وَلاَ مَلُومٍ، وَلاَ مُتَّهَمٍ، وَلاَ مَأْثُومٍ، فَقَدْ أَرَدْتُ الْمَسِيرَ إِلَى ظَلَمَةِ (3) أَهْلِ الشَّامِ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ تَشْهَدَ مَعِي، فَإِنَّكَ مِمَّنْ أَسْتَظْهِرُ بِهِ (4) عَلَى جِهَادِ الْعَدُوِّ، وَإِقَامَةِ عَمُودِ الدِّيِنِ، إِنْ شَاءَ اللهُ.

1. التثريت: اللوم.
2. الظنين: المتهم، وفي التنزيل: (وما هو على الغيب بظنين)
3. الظَلَمَة ـ بالتحريك : جمع ظالم.
4. أستظهر به: أستعين.