نهج البلاغة

وهو مجموعة خطب مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وأوامره وكتبه ورسائله وحكمه ومواعظه تأليف: الشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام

السبت، 30 يونيو 2012

[ 41 ] ومن كتاب له عليه السلام إلى بعض عماله

أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي كُنْتُ أَشْرَكْتُكَ فِي أَمَانَتِي (1) ، وَجَعَلْتُكَ شِعَارِي وَبِطَانَتِي، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِي رَجُلٌ أَوْثَقَ مِنْكَ فِي نَفَسِي، لِمُوَاسَاتِي (2) وَمُوَازَرَتِي (3) وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ إِلَيَّ. فَلَمَّا رَأَيْتَ الزَّمَانَ عَلَى ابْنِ عَمِّكَ قَدْ كَلِبَ (4) ، وَالْعَدُوَّ قَدْ حَرِبَ (5) ، وَأَمَانَةَ النَّاسِ قَدْ خَزِيَتْ (6) ، وَهذهِ الْأَُمَّةَ قَدْ فَنَكَتْ (7) وَشَغَرَتْ (8) ، قَلَبْتَ لِإِبْنِ عَمِّكَ ظَهْرَ الِْمجَنِّ (9) ، فَفَارَقْتَهُ مَعَ الْمُفَارِقِينَ، وَخَذَلْتَهُ مَعَ الْخَاذِلِينَ، وَخُنْتَهُ مَعَ الْخَائِنِينَ، فَلاَ ابْنَ عَمِّكَ آسَيْتَ (10) ، وَلاَ الْأَمَانَةَ أَدَّيْتَ. وَكَأَّنكَ لَمْ تَكُنِ اللهَ تُرِيدُ بِجِهَادِكَ، وَكَأَنَّكَ لَمْ تَكُنْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكَ، وَكَأَنَّكَ إِنَّمَا كُنْتَ تَكِيدُ (11) هذِهِ الْأُمَّةَ عَنْ دُنْيَاهُمْ، وَتَنْوِي غِرَّتَهُمْ (12) عَنْ فَيْئِهِمْ (13) ! فَلَمَّا أَمْكَنَتْكَ الشِّدَّةُ فِي خِيَانَةِ الْأُمَّةِ، أَسْرَعْتَ الْكَرَّةَ، وَعَاجَلْتَ الْوَثْبَةَ، وَاخْتَطَفْتَ مَا قَدَ رْتَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِهِمُ الْمَصُونَةِ لِأَرَامِلِهِمْ وَأَيْتَامِهِمُ، اخْتِطَافَ الذِّئْبِ الْأَزَلِّ (14) دَامِيَةَ (15) الْمِعْزَى (16) الْكَسِيرَةَ (17) ، فَحَمَلْتَهُ إِلَى الْحِجَازِ رَحيِبَ الصَّدْرِ بِحَمْلِهِ، غَيْرَ مُتَأَثِّمٍ (18) مِنْ أَخْذِهِ، كَأَنَّكَ ـ لاَ أَبَا لِغَيْرِكَ (19) ـ حَدَرْتَ (20) إِلَى أَهْلِكَ تُرَاثَكَ (21) مِنْ أَبِيكَ وَأُمِّكَ، فَسُبْحَانَ اللهِ! أَمَا تُؤْمِنُ بِالْمَعَادِ؟ أَوَ مَا تَخَافُ نِقَاشَ (22) الْحِسَابِ! أَيُّهَا الْمَعْدُودُ ـ كَانَ ـ عِنْدَنَا مِنْ أُولِي الْأَلْبَابَ، كَيْفَ تُسِيغُ (23) شَرَاباً وَطَعَاماً، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ تَأْكُلُ حَرَاماً، وَتَشْرَبُ حَرَاماً، وَتَبْتَاعُ الْإِمَاءَ وَتَنْكِحُ النِّسَاءَ مِنْ مَالِ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدِينَ، الَّذِينَ أَفَاءَ اللهُ عَلَيْهِمْ هذِهِ الْأَمْوَالَ، وَأَحْرَزَ بِهِمْ هذِهِ الْبِلاَدَ! فَاتَّقِ اللهَ، وَارْدُدْ إِلَى هؤُلاَءِ الْقَوْمِ أمَوَالَهُمْ، فإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ ثُمَّ أَمْكَنَنِي اللهُ مِنْكَ لَأُعْذِرَنَّ إِلَى اللهِ فِيكَ (24) ، وَلاََضْرِبَنَّكَ بِسَيْفِي الَّذِي مَا ضَرَبْتُ بِهِ أَحَداً إِلاَّ دَخَلَ النَّارَ! وَ وَاللهِ لَوْ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فعَلاَ مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتَ، مَا كَانَتْ لَهُمَا عِنْدِي هَوَادَةٌ (25) ، وَلاَ ظَفِرَا مِنِّي بَإِرَادَة، حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُمَا، وَأُزِيحَ الْبَاطِلَ عَنْ مَظْلَمَتِهِمَا. وَأُقْسِمُ بِاللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَا أَخَذْتَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ حَلاَلٌ لِي، أَتْرُكُهُ مِيرَاثاً لِمَنْ بَعْدِي، فَضَحِّ رُوَيْداً (26) ، فَكَأنَّكَ قَدْ بَلَغَتَ الْمَدَى (27) ، وَدُفِنْتَ تَحْتَ الثَّرَى (28) ، وَعُرِضَتْ عَلَيْكَ أَعْمَالُكَ بِالْمَحَلِّ الَّذِي يُنَادِي الظَّالِمُ فِيهِ بِالْحَسْرَةِ، وَيَتَمَنَّى الْمُضَيِّعُ الرَّجْعَةَ، (وَلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ) (29) ! وَالسَّلامُ.

1. أشركتك في أمانتي: جعلتك شريكاً فيما قمتُ فيه من الأمر.
2. المُواساة: من آساه: إذا أناله من ماله عن كفاف لا عن فضل، أو مطلقاً، وقالوا: ليست مصدراً لواساه فانه غير فصيح، وتقدم للإمام استعماله، وهو حجة.
3. الموازرة: المناصرة.
4. كَلِب ـ كفرح ـ : اشتد وخشن.
5. حَرِبَ ـ كفرح ـ : اشتد غضبه واستأسد في القتال.
6. خزيت ـ كرضيت ـ : ذلت وهانت.
7. من فَنَكَت الجاريه : إذا صارت ماجنة،ومجون الأمة أخذها بغير الحزم في أمرها كانها هازلة.
8. شَغَرَت: لم يبق فيها من يحميها.
9. المِجَنّ: الترس، وقلب ظهر المجن: مثلٌ يضرب لمن يخالف ما عهد فيه.
10. آسَيْت: ساعدت وشاركت فى الملمات.
11. كادَه عن الأمر: خدعه حتى ناله منه.
12. الغرّة: الغفلة.
13. الفيء: مال الغنيمة والخراج، وأصله ما وقع للمؤمنين صلحاً من غير قتال.
14. الأزَلّ ـ بتشديد اللام ـ : السريع الجرْي.
15. الدامية: المجروحة.
16. المِعْزَى: أُختُ الضأن، اسم الجنس كالمعز والمعيز.
17. الكسيرة: المكسورة.
18. التأثّم: التحرّز من الإثم، بمعنى الذنب.و حدرت :أسرعت اليهم بتراث أو ميراث أو هو من (حدره) بمعني حطه من أعلي. لأسفل
19. لاأبَا لغيرك: عبارة تقال للتوبيخ مع التحامي من الدعاء على من يناله التقريع.
20. حَدَرْتَ اليهم: أسرعت إليهم.
21. تراث: ميراث.
22. النقاش ـ بالكسر ـ : المناقشة، بمعنى الاستقصاء في الحساب.
23. تُسيغ: تبلع بسهولة.
24. لأعْذرنّ إلى الله فيك: أي لأعاقبنك عقاباً يكون لي عذراً عندالله من فعلتك هذه.
25. الهَوَادَة ـ بالفتح ـ : الصلح واختصاص شخص ما بميلٍ اليه وملاطفة له.
26. ضَحِِّ: من ضحيت الغنم: إذا رعيتها في الضحى، أي فارعَ نفسك على مهل.
27. المَدَى ـ بالفتح ـ : الغاية.
28. الثرى: التراب.
29. (لاتَ حين مناص) أي: ليس الوقت وقت فرار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق