نهج البلاغة

وهو مجموعة خطب مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وأوامره وكتبه ورسائله وحكمه ومواعظه تأليف: الشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام

السبت، 9 يونيو 2012

[ 40 ] ومن كتاب له عليه السلام إلى بعض عماله

أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ، إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ رَبَّكَ، وَعَصَيْتَ إِمَامَكَ، وَأَخْزَيْتَ أَمَانَتَكَ (1) . بَلَغَنِي أَنَّكَ جَرَّدْتَ (2) الْأَرْضَ فأَخَذْتَ مَا تَحْتَ قَدَمَيْكَ، وَأَكَلْتَ مَا تَحْتَ يَدَيْكَ، فَارْفَعْ إِلَيَّ حِسَابَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ حِسَابَ اللهِ أَعْظَمُ مِنْ حِسَابِ النَّاسِ، وَالسَّلاَمُ.

1. أخْزَيْت أمانتك: ألصقت بأمانتك خَزْية ـ بالفتح ـ أي رزية أفسدتها وأهانتها.
2. جرّدت الأرض: قشّرتها، والمعنى أنه نسبه إلى الخيانة في المال، وإلى إخراب الضياع.

[ 39 ] ومن كتاب له عليه السلام إلى عمروبن العاص

فَإِنَّكَ جَعَلْتَ دِينَكَ تَبْعاً لِدُنْيَا امْرِىءٍ ظَاهِرٍ غَيُّهُ، مَهْتُوكٍ سِتْرُهُ، يَشِينُ الْكَرِيمَ بِمَجْلِسِهِ، وَيُسَفِّهُ الْحَلِيمَ بِخِلْطَتِهِ، فَاتَّبَعْتَ أَثَرَهُ، وَطَلَبْتَ فَضْلَهُ، اتِّبَاعَ الْكَلْبِ لِلضِّرْغَامِ (1) ، يَلُوذُ إلَى مَخَالِبِهِ، وَيَنْتَظِرُ مَا يُلْقَى إِلَيْهِ مِنْ فَضْلِ فَرِيسَتِهِ، فَأَذْهَبْتَ دُنْيَاكَ وَآخِرَتَكَ! وَلَوْ بِالْحَقِّ أَخَذْتَ أَدْرَكْتَ مَا طَلَبْتَ، فَإِنْ يُمَكِّنِّي اللهُ مِنْكَ وَمِنِ ابْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَجْزِكُمَا بِمَا قَدَّمْتُما، وَإِنْ تُعْجِزَا (2) وَتَبْقَيَا فَمَا أَمَامَكُمَا شَرٌ لَكُمَا، وَالسَّلاَمُ.

1. الضِرْغام: الأسد.
2. إن تُعْجزا: توقعاني في العجز، من أعجز يعجز إعجازاً، والمراد: أن تعجزاني عن الإيقاع بكما فأمامكما حساب الله.

[ 38 ] ومن كتاب له عليه السلام إلى أهل مصر، لما ولّى عليهم الأشتر

مِنْ عَبْدِ اللهِ عَلِيٍّ أَمِيرِالْمُؤْمِنينَ، إِلَى الْقَومِ الَّذِينَ غَضِبُوا لِلَّهِ حِينَ عُصِيَ فِي أَرْضِهِ، وَذُهِبَ بِحَقِّهِ، فَضَرَبَ الْجَوْرُ (1) سُرَادِقَهُ (2) عَلَى الْبَرِّ (3) وَالْفَاجِرِ، وَالْمُقِيمِ وَالظَّاعِنِ (4) ، فَلاَ مَعْرُوفٌ يُسْتَرَاحُ إِلَيْهِ (5) ، وَلاَ مُنْكَرٌ يُتَنَاهَى عَنْهُ. أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ عَبْداً مِنْ عِبَادِاللهِ عَزَّوَجَلَّ، لاَيَنَامُ أَيَّامَ الخَوْفِ، وَلاَ يَنْكُلُ (6) عَنِ الْأَعْدَاءِ سَاعَاتِ الرَّوْعِ (7) ، أَشَدَّ عَلَى الْفُجَّارِ مِنْ حَرَيقِ النَّارِ، وَهُوَ مَالِكُ بْنُ الْحَارِثِ أَخُو مَذْحِجٍ (8) ، فَاسْمَعُوا لَهُ أَطِيعُوا أَمْرَهُ فِيَما طَابَقَ الْحَقَّ، فَإِنَّهُ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ، لاَ كَلِيلُ (9) الظُّبَةِ (10) ، وَلاَ نَابِي (11) الضَّرِيبَةِ (12) : فَإِنْ أَمَرَكُمْ أَنْ تَنْفِرُوا فانْفِرُوا، وَإِنْ أَمَرَكُمْ أَنْ تُقيِمُوا فَأَقِيمُوا، فَإِنَّهُ لاَ يُقْدِمُ وَلاَ يُحْجِمُ، وَلاَ يُؤَخِّرُ وَلاَ يُقَدِّمُ إِلاَّ عَنْ أَمْرِي، وَقَدْ آثَرْتُكُمْ بِهِ (13) عَلَى نَفْسِي لِنَصِيحَتِ هِ لَكُمْ، وَشِدَّةِ شَكِيمَتِهِ (14) عَلَى عَدُوِّكُمْ.

1. الجَوْر: الظلم والبغي.
2. السُرادِق ـ بضم السين ـ : الغطاء الذي يمد فوق صحن البيت.
3. البَرّ ـ بفتح الباء ـ : التقي.
4. الظاعن: المسافر.
5. يستراح إليه: يعمل به، وأصله استراح إليه، بمعنى: سكن واطمأن، والسكون إلى المعروف يستلزم العمل به.
6. نَكَلَ عنه ـ كضرب ونصر وعلم ـ : نكص وجبن.
7. الرّوْع: الخوف.
8. مَذْحِج ـ كمجلس ـ : قبيلة مالك، وأصله اسم أكمة ولد عندها أبو القبيلتين طيّىء ومالك، فسميت قبيلتاهما به.
9. الكليل: الذي لايقطع.
10. الظُّبَة ـ بضم ففتح مخفف ـ : حد السيف والسنان ونحوها.
11. النابي من السيوف: الذي لايقطع.
12. الضريبة: المضروب بالسيف، وإنما دخلت التاء في ضريبة ـ وهي بمعنى المفعول ـ لذهابها مذهب الأسماء كالنطيحة والذبيحة.
13. آثرتكم: خصصتكم به وأنا في حاجة اليه، تقديماً لنفعكم على نفعي.
14. الشكيمة في اللجام: الحديدة المعرضة في فم الفرس، ويعبر بشدتها عن قوة النفس وشدة البأس.

[ 37 ] ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية

فَسُبْحَانَ اللهِ! مَا أَشَدَّ لُزُومَكَ لِلْأَهْوَاءِ الْمُبْتَدَعَةِ، وَالْحَيْرَةِ الْمُتَّبَعَةِ (1) ، مَعَ تَضْيِيعِ الْحَقَائِقِ وَاطِّرَاحِ الْوَثَائِقِ، الَّتِي هِيَ لِلَّهِ طِلْبَةٌ (2) ، وَعَلَى عِبَادِهِ حُجَّةٌ. فَأَمَّا إِكْثَارُكَ الْحِجَاجَ (3) فِي عُثْمانَ وَقَتَلَتِهِ، فَإِنَّكَ إِنَّمَا نَصَرْتَ عُثْمانَ حَيْثُ كَانَ النَّصْرُ لَكَ، وَخَذَلْتَهُ حَيْثُ كَانَ النَّصْرُ لَهُ، وَالسَّلاَمُ.

1. الحَيْرَة المُتّبعة: اسم مفعول من اتّبعه، والحَيْرة هنا بمعنى الهوى الذي يتردد الإنسان في قبوله.
2. طِلْبَة ـ بالكسر وبفتح فكسر ـ : مطلوبة.
3. الحِجاج ـ بالكسر ـ : الجدال.

[ 36 ] ومن كتاب له عليه السلام إلي أخيه عقيل بن أبي طالب، في ذكر جيش أنفذه إلى بعض الأعداء، وهو جواب كتاب كتبه إليه عقيل

فَسَرَّحْتُ إِلَيْهِ جَيْشاً كَثِيفاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا بَلَغَهُ ذلِكَ شَمَّرَ هَارباً، وَنَكَصَ نَادِماً، فَلَحِقُوهُ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، وَقَدْ طَفَّلَتِ (1) الشَّمْسُ لِلْإِِيَابِ (2) ، فَاقْتَتَلُوا شَيْئاً كَلاَ وَلاَ (3) ، فَمَا كَانَ إِلاَّ كَمَوْقِفِ سَاعَةٍ حَتَّى نَجَا جَرِيضاً (4) بَعْدَمَا أُخِذَ مِنْهُ بِالْمُخَنَّقِ (5) ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ غَيْرُ الرَّمَقِ (6) ، فَلَأْْياً بِلَأْيٍ (7) مَا نَجَا. فَدَعْ عَنْكَ قُرَيشاً وَتَرْكَاضَهُمْ (8) فِي الضَّلاَلِ، وَتَجْوَالَهُمْ (9) فِي الشِّقَاقِ (10) ، وَجِمَاحَهُمْ (11) فِي التِّيهِ (12) ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى حَرْبِي كَإِجمَاعِهِمْ عَلَى حَرْبِ رَسوُلِ اللهِ_صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَ سَلّم_َ قَبْلِي، فَجَزَتْ قُرَيْشاً عَنِّي الْجَوَازِي (13) ! فَقَدْ قَطَعُوا رَحِمِي، وَسَلَبُونِي سُلْطَانَ ابْنِ أُمِّي (14) . وَأَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مِنْ رَأيِي فِي الْقِتَالِ، فَإِنَّ رَأْيِي قِتَالُ الْمُحِلِّينَ (15) حَتَّى أَلْقَى اللهَ، لاَ يَزِيدُنِي كَثْرَةُ النَّاسِ حَوْلِي عِزَّةً، وَلاَ تَفَر ُّقُهُمْ عَنِّي وَحْشَةً، وَلاَ تَحْسَبَنَّ ابْنَ أَبِيكَ ـ وَلَوْ أَسْلَمَهُ النَّاسُ ـ مُتَضَرِّعاً مُتَخَشِّعاً، وَلاَ مُقِرّاً لِلضَّيْمِ (16) وَاهِناً (17) ، وَلاَ سَلِسَ (18) الزِّمَامِ (19) لِلْقَائِدِ، وَلاَ وَطِىءَ (20) الظَّهْرِ لِلرَّاكِبِ المُقْتَعِدَ (21) وَلكِنَّهُ كَمَا قَالَ أَخُو بَنِي سُلِيم:
فَإِنْ تَسْأَلِينِي كَيْفَ أَنْتَ فَإِنَّنِي صَبُورٌ عَلَى رَيْبِ الزَّمَانِ صَلِيبُ (22) يَعِزُّ عَلَيَّ (23) أَنْ تُرَى بِي كَآبَةٌ (24) فَيَشْمَتَ عَادٍ (25) أَوْ يُسَاءَ حَبِيبُ.

1. طفّلت تطفيلاً: أي دنت وقربت.
2. الإِياب: الرجوع إلى مغربها.
3. ولا: كناية عن السرعة التامة، فان حرفين ثانيهما حرف لين سريع الانقضاء عند السمع، والمعروف عند أهل اللغة: كلاّ وذا
قال ابن هانىء المغربي:
وأسرع في العين من لحظة وأقصر في السمع من لا وذا
4. نجا جَرِيضاً: أي قد غصّ بريقه من شدة الجهد والكرب، يقال جَرَضَ بريقه يجرِض بالكسر، مثال كسر يكسر.
5. المُخَنَّق ـ بضم ففتح فنون مشددة ـ : موضع الخنق من الحيوان.
6. الرّمَق ـ بالتحريك ـ : بقية الروح.
7. لاياً: مصدر محذوف العامل، ومعناه الشدة والعسر، و"ما" بعده مصدرية; و "نجا" في معنى المصدر، أي عسرت نجاته عسراً بعسر.
8. التركاض: مبالغة في الركض، واستعاره لسرعة خواطرهم في الضلال.
9. التجْوال: مبالغة في الجول والجولان.
10. الشِقاق: الخلاف.
11. جِماحهم: استعصاؤهم على سابق الحق.
12. التيه: الضلال والغواية.
13. الجَوازي: جمع جَازِية وهي النفس التي تجزي، كناية عن المكافأة، وقوله:(جزأتهم الجوازي) دعاء عليهم بالجزاء على أعمالهم.
14. قوله: ابن أمي، يريد رسول الله (ص)، فإن فاطمة بنت أسد أم أميرالمؤمنين ربت رسول الله في حجرها، فقال النبي في شأنها: "فاطمة أمي بعد أمي".
15. المُحِلّون: الذين يحلون القتال ويجوزونه.
16. مُقِرّاً للضيم: راضياً بالظلم.
17. واهناً: ضعيفاً.
18. السَلِس ـ بفتح فكسر ـ : السهل.
19. الزمام: العنان الذي تقاد به الدابة.
20. الوطِىء: اللين.
21. المُتَقَعِد: الذي يتخذ الظهرأي الدابة قعوداً يستعمله للركوب في كل حاجاته.
22. صليب: شديد.
23. يعز عليّ: يشق عليّ.
24. الكآبة: ما يظهر على الوجه من أثر الحزن.
25. عاد: أي عدوّ.

[ 35 ] ومن كتاب له عليه السلام إلى عبدالله بن العباس، بعد مقتل محمّد بن أبي بكر

أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ مِصْرَ قَدِ افْتُتِحَتْ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْر ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ قَدِ اسْتُشْهِدَ، فَعِنْدَ اللهِ نَحْتَسِبُهُ (1) ، وَلَداً نَاصِحاً، وَعَامِلاً كَادِحاً (2) ، وَسَيْفاً قَاطِعاً، وَرُكْناً دَافِعاً. وَقَدْ كُنْتُ حَثَثْتُ النَّاسَ عَلَى لَحَاقِهِ، وَأَمَرْتُهُمْ بِغِيَاثِهِ قَبْلَ الْوَقْعَةِ، وَدَعَوْتُهُمْ سِرّاً وَجَهْراً، وَعَوْداً وَبَدْءاً، فَمِنْهُمُ الْآتِي كَارِهاً، وَمِنْهُمُ الْمُعْتَلُّ كَاذِباً، وَمِنْهُمُ الْقَاعِدُ خَاذِلاً. أَسْأَلُ اللهَ تَعَالى أَنْ يَجْعَلَ لِي مِنْهُمْ فَرَجاً عَاجلاً، فَوَاللهِ لَوْلاَ طَمَعِي عِنْدَ لِقَائِي عَدُوِّي فِي الشَّهَادَةِ، وَتَوْطِينِي نَفْسِي عَلَى الْمَنِيَّةِ، لاََحْبَبْتُ أَلاَّ أَلْقَى مَعَ هؤُلاَءِ يَوْماً وَاحِداً، وَلاَ أَلْتَقِيَ بِهِمْ أَبَداً.

1. احتسبه عندالله: أسأل الأجر على الرزية فيه.
2. الكادح: المبالغ في سعيه.

[ 34 ] ومن كتاب له عليه السلام إلى محمد بن أبي بكر، لما بلغه توجّده (1) من عزله بالاشتر عن مصر، ثم توفي الاشتر في توجهه إلى هناك قبل وصوله إليها

أَمَّا بَعْدُ ،فََقَدْ بَلَغَنِي مَوْجِدَتُكَ (2) مِنْ تَسْرِيحِ (3) الْأَشْتَرِ إِلَى عَمَلِكَ (4) ، وَإِنِّي لَمْ أَفْعَلْ ذلِكَ اسْتِبْطَاءً لَكَ فِي الجَهْدِ، وَلاَ ازدِياداً لَكَ فِي الْجِدِّ، وَلَوْ نَزَعْتُ مَا تَحْتَ يَدِكَ مِنْ سُلْطَانِكَ، لَوَلَّيْتُكَ مَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْكَ مَؤُونَةً، وَأَعْجَبُ إِلَيْكَ وِلاَيَةً. إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي كُنْتُ وَلَّيْتُهُ أَمْرَ مِصْرَ كَانَ رَجُلاً لَنَا نَاصِحاً، وَعَلَى عَدُوِّنَا شَدِيداً نَاقِماً (5) ، فَرَحِمَهُ اللهُ! فَلَقَدِ اسْتَكْمَلَ أَيَّامَهُ، وَلاَقَى حِمَامَهُ (6) ، وَنَحْنُ عَنْهُ رَاضونَ، أَوْلَاهُ اللهُ رِضْوَانَهُ، وَضَاعَفَ الثَّوَابَ لَهُ. فَأَصْحِرْ (7) لِعَدُوِّكَ، وَامْضِ عَلَى بَصيرَتِكَ، وَشَمِّرْ لِحَرْبِ مَنْ حَارَبَكَ، وَادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ، وَأَكْثِرِالْإِسْتِعَانَةَ بِاللهِ يَكْفِكَ مَا أَهَمَّكَ، وَيُعِنْكَ عَلَى مَا يُنْزِلُ بِكَ، إِنْ شَاءَ اللهُ.

1. توجّده: تكدّره.
2. مَوْجِدتك أي: غيظك.
3. التسريح: الاِرسال.
4. العمل هنا : الولاية.
5. ناقماً: أي كارهاً.
6. الحِمام ـ بالكسر ـ : الموت.
7. أصْحِرْ له أي: ابرزْ له، من أصحر: إذا برز للصحراء.

[ 33 ] ومن كتاب له عليه السلام إلى قُثَمَ بن العبّاس، وهو عامله على مكّة

أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ عَيْنِي (1) ـ بِالْمَغْرِبِ (2) ـ كَتَبَ إِلَيَّ يُعْلِمُنِي أَنَّهُ وُجِّهَ إِلَى المَوْسِمِ (3) أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، الْعُمْيِ الْقُلُوبِ، الصُمِّ الْأَسْمَاعِ، الْكُمْهِ (4) الْأَبْصَارِ، الَّذِينَ يَلْبِسُونَ (5) الْحَقَّ بِالبَاطِلِ، وَيُطِيعُونَ الْمَخْلُوقَ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ، وَيَحْتَلِبُونَ (6) الدُّنْيَا دَرَّهَا
(7) بِالدِّينِ، وَيَشْتَرُونَ عَاجِلَهَا بِآجِلِ الْأَبْرَارِ الْمُتَّقِينَ، وَلَنْ يَفُوزَ بِالْخَيْرِ إِلاَّ عَامِلُهُ، وَلاَ يُجْزَى جَزَاءَ الشَّرِّ إِلاَّ فَاعِلُهُ. فَأَقِمْ عَلَى مَا فِي يَدَيْكَ قِيَامَ الْحَازِمِ الصَّلِيبِ (8) ، وَالنَّاصِحِ اللَّبِيبِ، التَّابِعِ لِسُلْطَانِهِ، الْمُطِيعِ لِإِِمَامِهِ. وَإِيَّاكَ وَمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ، وَلاَ تَكُنْ عِنْدَ النَّعْمَاءِ (9) بَطِراً (10) ، وَلاَ عِنْدَ الْبَأْسَاءِ (11) فَشِلاً (12) ، وَالسَّلاَمُ.

1. عَيْنى: أي رقيبي الذي يأتيني بالْأخبار.
2. بالمغرب: بالأقاليم الغربية.
3. يراد بالموسم هنا: الحج.
4. الكُمْه: جمع أكمه، وهو من ولد أعمى.
5. يَلْبِسون: يخلطون.
6. يحتلبون الدنيا: يستخلصون خيرها.
7. الدَرّ ـ بالفتح ـ : اللبن.
8. الصليب: الشديد.
9. النَعْماء: الرخاء والسعة.
10. البَطِر: الشديد الفرح مع ثقة بدوام النعمة.
11. البَأساء: الشدة.
12. فَشِلاً: جباناً ضعيفاً.

[ 32 ] ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية

وَأَرْدَيْتَ (1) جِيلاً مِنَ النَّاسِ كَثِيراً، خَدَعْتَهُمْ بِغَيِّكَ (2) ، وَأَلْقَيْتَهُمْ فِي مَوْجِ بَحْرِكَ، تَغْشَاهُمُ الظُّلُمَاتُ، تَتَلاَطَمُ بِهِمُ الشُّبُهَاتُ، فَجَازُوا (3) عَنْ وِجْهَتِهِمْ (4) ، وَنَكَصُوا (5) عَلَى أَعْقَابِهِمْ، وَتَوَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ، وَعَوَّلُوا (6) عَلَى أحْسَابِهِمْ، إِلاَّ مَنْ فَاءَ (7) مِنْ أَهْلِ الْبَصَائِرِ، فَإِنَّهُمْ فَارَقُوكَ بَعْدَ مَعْرِفَتِكَ، وَهَرَبُوا إِلَى اللهِ سُبحانَهُ مِنْ مُوَازَرَتِكَ (8) ، إِذْ حَمَلْتَهُمْ عَلَى الصَّعْبِ، وَعَدَلْتَ بِهِمْ عَنِ الْقَصْدِ. فَاتَّقِ اللهَ يَا مُعَاوِيَةُ فِي نَفْسِكَ، وَجَاذِبِ الشَّيْطَانَ (9) قيَادَكَ (10) ، فَإِنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ عَنْكَ، وَالْآخِرَةَ قَرِيبَةٌ مِنْكَ، وَالسَّلاَمُ.

1. أرْدَيْت: أهلكت جيلاً، أي قبيلاً وصنفاً.
2. الغَيّ: الضلال، ضد الرشاد.
3. جازوا: بعدوا.
4. وِجهتهم ـ بكسر الواوـ أي: جهة قصدهم.
5. نكصوا: رجعوا.
6. عوّلوا: أي اعتمدوا.
7. فاء: رجع، والمراد هنا الرجوع إلى الحق.
8. المُوازَرَة: المعاضدة.
9. جاذب الشيطان أي: إذا جذبك الشيطان فامنع نفسك من متابعته.
10. القِياد: ما تقاد به الدابة.

[ 31 ] ومن وصيّته له عليه السلام للحسن بن علي عليهما السلام، كتبها إليه "بحاضرين" (1) عند انصرافه من صفّين

مِنَ الْوَالِدِ الْفَانِ، الْمُقِرِّ لِلزَّمَانِ (2) ، الْمُدْبِرِ الْعُمُرِ، الْمُسْتَسْلِمِ ، لِلدُّنْيَا، السَّاكِنِ مَسَاكِنَ الْمَوْتَى، الظَّاعِنِ عَنْهَا غَداً، إِلَى الْمَوْلُودِ الْمُؤَمِّلِ مَا لاَ يُدْرَكُ، السَّالِكِ سَبِيلَ مَنْ قَدْ هَلَكَ، غَرَضِ (3) الْأََسْقَامِ رَهِينَةِ (4) الْأَيَّامِ، وَرَمِيَّةِ (5) الْمَصَائِبِ، وَعَبْدِ الدُّنْيَا، وَتَاجِرِ الْغُرُور,ِ وَغَرِيمِ الْمَنَايَا، وَأَسِيرِ الْمَوْتِ، وَحَلِيفِ الْهُمُومِ،قَرِينِ الْأَحْزَانِ، وَنُصْبِ الْآفَاتِ (6) ، وَصَرِيعِ (7) الشَّهَوَاتِ، وَخَلِيفَةِ الْأَمْوَاتِ. أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ فِيَما تَبَيَّنْتُ مِنْ إِدْبَارِ الدُّنْيَا عَنِّي، وَجُمُوحِ الدَّهْرِ (8) عَلَيَّ، وَإِقْبَالِ الْآخِرَةِ إِلَيَّ، مَا يَزَعُنِي (9) عَنْ ذِكْرِ مَنْ سِوَايَ، وَالْإِهْتَِمامِ بِمَا وَرَائِي (10) ، غَيْرَ أَنِّي حَيْثُ تَفَرَّدَ بِي دُونَ هُمُومِ النَّاسِ هَمُّ نَفْسِي، فَصَدَفَنِي (11) رَأْيِي، وَصَرَفَنِي عَنْ هَوَايَ، وَصَرَّحَ لِي مَحْضُ أَمْرِي (12) ، فَأَفْضَى بِي إِلَى جِدٍّ لاَ يَكُونُ فِيهِ لَعِبٌ، وَصِدْق لا َ يَشُوبُهُ كَذِبٌ. وَوَجَدْتُكَ بَعْضِي، بَلْ وَجَدْتُكَ كُلِّي، حَتَّى كَأَنَّ شَيْئاً لَوْ أَصَابَكَ أَصَابَنِي، وَكَأَنَّ الْمَوْتَ لَوْ أَتَاكَ أَتَانِي، فَعَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِيني مِنْ أَمْرِ نَفْسِي، فَكَتَبْتُ إِليْكَ كِتَابِي هَذا، مُسْتظْهِراً بِهِ (13) إِنْ أَنا بَقِيتُ لَكَ أَوْ فَنِيتُ. فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ ـ أَيْ بُنيَّ ـ وَلُزُومِ أَمْرِهِ، وَعِمَارَةِ قَلْبِكَ بِذِكْرِهِ، وَالْإِعْتِصَامِ بِحَبْلِهِ، وَأَيُّ سَبَب أَوْثقُ مِنْ سَبَب بَيْنكَ وَبَيْنَ اللهِ عَزّوَجَلَّ إِنْ أَنْتَ أَخَذْتَ بِهِ! أَحْيِ قَلْبَكَ بِالْمَوْعِظَةِ، وَأَمِتْهُ بِالزَّهَادَةِ، وَقَوِّهِ بِالْيَقِينِ، وَنَوِّرْهُ بِالْحِكْمَةِ، وَذَلِّلْهُ بِذِكْرِ الْمَوْتِ، وَقَرِّرْهُ بِالْفَنَاءِ (14) ، وَبَصِّرْهُ (15) فَجَائِعَ (16) الدُّنْيَا، وَحَذِّرْهُ صَوْلَةَ الدَّهْرِ وَفُحْشَ تَقَلُّبِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ، وَاعْرِضْ عَلَيْهِ أَخْبَارَ الْمَاضِينَ، وَذَكِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَسِرْ فِي دِيَارِهِمْ وَآثَارِهِمْ، فَانْظُرفيْمَا ف َعَلُواعَمَّا انْتَقَلُوا، وَأَيْنَ حَلُّوا وَنَزَلُوا! فَإِنَّكَ تَجِدُهُمْ قَدِ انْتَقَلُوا عَنِ الْأََحِبَّةِ، وَحَلُّوا دِيَار َالْغُرْبَةِ، وَكَأَنَّكَ عَنْ قَلِيلٍ قَدْ صِرْتَ كَأَحَدِهِمْ. فَأَصْلِحْ مَثْوَاكَ، وَلاَ تَبِعْ آخِرَتَكَ بِدُنْيَاكَ، وَدَعِ الْقَوْلَ فِيَما لاَ تَعْرِفُ، وَالْخِطَابَ فِيَما لَمْ تُكَلَّفْ، وَأَمْسِكْ عَنْ طَرِيقٍ إِذَا خِفْتَ ضَلاَلَتَهُ، فَإِنَّ الْكَفَّ عِنْدَ حَيْرَةِ الضَّلاَلِ خَيْرٌ مِنْ رُكُوبِ الْأَهْوَالِ، وَأْمُرْ بالْمَعْرُوفِ تَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ، وَأَنْكِرِ المُنكَرَ بِيَدِكَ وَلِسَانِكَ، وَبَايِنْ (17) مَنْ فَعَلَهُ بِجُهْدِكَ، وَجَاهِدْ فِي اللهِ حَقَّ جَهَادِهِ، وَلاَ تَأْخُذْكَ فِي اللهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ، وَخُضِ الْغَمَرَاتِ (18) لِلحَقِّ حَيْثُ كَانَ، وَتَفَقَّهُ فِي الدِّينِ، وَعَوِّدْ نَفْسَكَ التَّصَّبْرَ عَلَى الْمَكْرُوهِ، وَنِعْمَ الْخُلُقُ التَّصَبُّرُفي الْحَقِّ ! وَأَلْجِىءْ نَفْسَكَ فِي أُمُوركَِ كُلِّهَا إِلَى إِلهِكَ، فَإِنَّكَ تُلجِئُهَا إِلَى كَهْفٍ (19) حَرِيز (20) ، وَمَانِعٍ عَزِيزٍ، وَأَخْلِصْ فِي الْمَسْأَلَةِ لِرَبِّكَ، فَإِنَّ بِيَدِهِ الْعَطَاءَ وَالْحِرْمَانَ، وَأَكْثِرِ الْاِسْتِخَارَةَ (21) ، وَتَفَهَّمْ وَصِيَّتِي، وَلاَ تَذْهَبَنَّ عَنْكَ صَفْحاً (22) ، فَإِنَّ خَيْرَ الْقَوْلِ مَا نَفَعَ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ، وَلاَ يُنْتَفَعُ بِعِلْمٍ لاَ يَحِقُّ (23) تَعَلُّمُهُ. أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُنِي قَدْ بَلَغْتُ سِنّاً (24) ، وَرَأَيْتُنِي أَزْدَادُ وَهْناً (25) ، بَادَرْتُ بِوَصِيَّتِي إِلَيْكَ، وَأَوْرَدْتُ خِصَالاً مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَعْجَلَ بِي أَجَلِي دُونَ أَنْ أُفْضِيَ (26) إِلَيْكَ بِمَا فِي نَفْسِي، أَوْ أَنْ أَنْقُصَ فِي رَأْيِي كَمَا نُقِصْتُ فِي جسْمِي، أَوْ يَسْبِقَنِي إِلَيْكَ بَعْضُ غَلَبَاتِ الْهَوَى وَفِتَنِ الدُّنْيَا، فَتَكُونَ كَالصَّعْبِ (27) النَّفُورِ (28) . وَ إنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كَالَْأَرْضِ الْخَالِيَةِ مَا ألْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيءٍ قَبِلَتْهُ. فَبَادَرْتُكَ بِالْأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُو قَلْبُكَ، وَيَشْتَغِلَ لُبُّكَ، لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأْيِكَ (29) مِنَ الْأَمْرِ مَا قَدْ كَفَاكَ أَهْلُ التَّجَارِبِ بُغْيَتَهُ (30) وَتَجْرِبَتَهُ، فَتَكُونَ قَدْ كُفِيتَ مَؤُونَةَ الطَّلَبِ، وَعُوفِيتَ مِنْ عِلاَجِ التَّجْرِبَةِ، فَأَتَاكَ مِنْ ذلِكَ مَا قَدْ كُنَّا نَأْتِيهِ، وَاسْتَبَانَ (31) لَكَ مَا رُبَّمَا أَظْلَمَ عَلَيْنَا مِنْهُ. أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي وَإِنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي، فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَفَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ، وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ، حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ، بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إِلَيَّ مِنْ أُمُورِهِمْ قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ، فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذلِكَ مِنْ كَدَرِهِ، وَنَفْعَهُ مِنْ ضَرَرِهِ، فَاسْتَخْلَصْتُ لَكَ مِنْ كُلِّ أَمْر نَخِيلَتَهُ (32) ،تَوَخَّيْتُ (33) لَكَ جَمِيلَهُ، وَصَرَفْتُ عَنْكَ مَجْهُولَهُ، وَرَأَيْتُ حَيْثُ عَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِي الْوَالِدَ الشَّفِيقَ، وَأَجْمَعْتُ عَلَيْهِ (34) مِنْ أَدَبِكَ أَنْ يَكُونَ ذلِكَ وَأَنْتَ مُقْبِلُ الْعُمُرِ مُقْتَبَلُ (35) الدَّهْرِ، ذُونِيَّة سَلِيمَة، وَنَفْس صَافِيَة، وَأَنْ أَبْتَدِئَكَ بِتَعْلِيمِ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَج َلَّ وَتَأْوِيلِهِ، وَشَرَائِعِ الْإِسْلاَمِ وَأَحْكَامِهِ، وَحَلاَلِهِ وَحَرَامِهِ، لاَ أُجَاوُِز (36) ذلِكَ بَكَ إِلَى غَيْرِهِ. ثُمَّ أَشْفَقْتُ (37) أَنْ يَلْتَبِسَ عَلَيْكَ مَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ مِنْ أَهْوَائِهِمْ وَآرَائِهِمْ مِثْلَ الَّذِي الْتَبَسَ (38) عَلَيْهِمْ، فَكَانَ إِحْكَامُ ذلِكَ عَلَى مَا كَرِهْتُ مِنْ تَنْبِيهِكَ لَهُ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ إِسْلاَمِكَ إِلَى أَمْرٍ لاَ آمَنُ عَلَيْكَ بِهِ الْهَلَكَةَ (39) ، وَرَجَوْتُ أَنْ يُوَفِّقَكَ اللهُ فِيهِ لِرُشْدِكَ، وَأَنْ يَهْدِيَكَ لِقَصْدِكَ، فَعَهِدْتُ إِلَيْكَ وَصِيَّتِي هذِهِ. وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ، أَنَّ أَحَبَّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِهِ إِلَيَّ مِنْ وَصِيَّتِي تَقْوَى اللهِ، وَالْإِقْتِصَارُ عَلَى مَا فَرَضَهُ اللهُ عَلَيْكَ، وَالْأََخْذُ بِمَا مَضَى عَلَيْهِ الْأَوَّلُونَ مِنْ آبَائِكَ، وَالصَّالِحُونَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَدَعُوا (40) أَنْ نَظَرُوا لِأَنْفُسِهِمْ كَمَا أَنْتَ نَاظِرٌ، وَفَكَّرُوا كَمَا أَنْتَ مُفَكِّرٌ، ثُمَّ رَدَّهُمْ آخِرُ ذلِكَ إِلَى الْأَخْذِ بِمَا عَرَفُوا، والْإِمْسَاك ِ عَمَّا لَمْ يُكَلَّفُوا، فَإِنْ أَبَتْ نَفْسُكَ أَنْ تَقْبَلَ ذلِكَ دُونَ أَنْ تَعْلَمَ كَمَا عَلِمُوا فَلْيَكُنْ طَلَبُكَ ذلِكَ بَتَفَهُّمٍ وَتَعَلُّمٍ، لاَبِتَوَرُّطِ الشُّبُهَاتِ، وَعُلَقِ الْخُصُومَاتِ. وَابْدَأْ قَبْلَ نَظَرِكَ فِي ذلِكَ بِالْإِسْتِعَانَةِ بِإِلهِكَ، وَالرَّغْبَةِ إِلَيْهِ فِي تَوْفِيقِكَ، وَتَرْكِ كُلِّ شَائِبَة (41) أَوْلَجَتْكَ (42) فِي شُبْهَة، أَوْ أَسْلَمَتْكَ إِلَى ضَلاَلَة. فَإنَّ أَيْقَنْتَ أَنْ قَدْ صَفَا قَلْبُكَ فَخَشَعَ، وَتَمَّ رَأْيُكَ وَاجْتَمَعَ، وَكَانَ هَمُّكَ فِي ذلِكَ هَمّاً وَاحِداً، فَانْظُرْ فِيَما فَسَّرْتُ لَكَ، وَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعْ لَكَ مَا تُحِبُّ مِنْ نَفْسِكَ، وَفَرَاغِ نَظَرِكَ وَفِكْرِكَ، فَاعْلَمْ أَنَّكَ إِنَّمَا تَخْبِطُ الْعَشْوَاءَ (43) ]، وَتَتَوَرَّطُ (44) الظَّلْمَاءَ، وَلَيْسَ طَالِبُ الدِّينِ مَنْ خَبَطَ أَوْ خَلَّطَ، والْإِمْسَاكُ (45) عَنْ ذلِكَ أَمْثَلُ (46) . فَتَفَهَّمْ يَا بُنَيَّ وَصِيَّتِي، وَاعْلَمْ أَنَّ مَالِكَ الْمَوْتِ هُوَ مَالِكُ الحَيَاةِ، وَأَنَّ الْخَالِقَ هُوَ الْمُمِيتُ، وَأَنَّ الْمُفْنِيَ هُوَ
الْمُعِيدُ، وَأَنَّ الْمُبْتَلِيَ هُوَ الْمُعَافِي، وَأَنَّ الدُّنْيَا لَمْ تَكُنْ لِتَسْتَقِرَّ إِلاَّ عَلَى مَا جَعَلَهَا اللهُ عَلَيْهِ مِنْ النَّعْمَاءِ، وَالْاِبْتِلاَءِ، وَالْجَزَاءِ فِي الْمَعَادِ، أَوْ مَاشَاءَ مِمَّا لاَ تعْلَمُ، فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْكَ شَيْءٌ مِنْ ذلِكَ فَاحْمِلْهُ عَلَى جَهَالَتِكَ ، فَإِنَّكَ أَوَّلُ مَا خُلِقْتَ جَاهِلاً ثُمَّ عَلِمْتَ، وَمَا أَكْثَرَ مَا تَجْهَلُ مِنَ الْأَمْرِ، وَيَتَحَيَّرُ فِيهِ رَأْيُكَ، وَيَضِلُّ فِيهِ بَصَرُكَ ثُمَّ تُبْصِرُهُ بَعْدَ ذلِكَ ! فَاعْتَصِمْ بِالَّذِي خَلَقَكَ وَرَزَقَكَ وَسَوَّاكَ، وَلْيَكُنْ لَهُ تَعَبُّدُكَ، وَإِلَيْهِ رَغْبَتُكَ، وَمِنْهُ شَفَقَتُكَ (47) . وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ أَحَداً لَمْ يُنْبِىءْ عَنِ اللهِ سُبْحَانَهُ كَمَا أَنْبَأَ عَنْهُ الرَّسُولُ _ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ_ فَارْضَ بِهِ رَائِداً (48) ، وَإِلَى النَّجَاةِ قَائِدَاً، فَإِنِّي لَمْ آلُك (49) نَصِيحَةً. وَإِنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ فِي النَّظَرِ لِنَفْسِكَ ـ وَإِنِ اجْتَهَدْتَ ـ مَبْلَغَ نَظَرِي لَكَ. وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ، أَنَّهُ لَوْ ك َانَ لِرَبِّكَ شَرِيكٌ لأََتَتْكَ رُسُلُهُ، وَلَرَأَيْتَ آثَارَ مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ، وَلَعَرَفْتَ أَفْعَالَهُ وصِفَاتِهِ، وَلكِنَّهُ إِلهٌ وَاحدٌ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ، لاَ يُضَادُّهُ فِي مُلْكِهِ أَحَدٌ، وَلاَ يَزُولُ أَبَداً وَلَمْ يَزَلْ، أَوَّلٌ قَبْلَ الْأََشْيَاءِ بِلاَ أَوَّلِيَّة، وَآخِرٌ بَعْدَ الْأَشْيَاءِ بِلاَ نِهَايَةٍ. عَظُمَ عَنْ أَنْ تَثْبُتَ رُبُوبِيَّتُهُ بَإحَاطَةِ قَلْبٍ أَوْ بَصَرٍ. فَإِذَا عَرَفْتَ ذلِكَ فَافْعَلْ كَمَا يَنْبَغِي لِمِثْلِكَ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي صِغَرِ خَطَرِهِ (50) ، وَقِلَّةِ مَقْدِرَتِهِ، وَكَثْرَةِ عَجْزِهِ، عَظِيمِ حَاجَتِهِ إِلَى رَبِّهِ، فِي طَلَبِ طَاعَتِهِ، وَالْخَشْيَةِ مِنْ عُقُوبَتِهِ، وَالشَّفَقَةِ مِنْ سُخْطِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَأْمُرْكَ إِلاَّ بِحَسَنٍ، وَلَمْ يَنْهَكَ إِلاَّ عَنْ قَبِيحٍ. يَا بُنَيَّ، إِنِّي قَدْ أَنْبَأْتُكَ عَنِ الدُّنْيَا وَحَالِهَا، وَزَوَالِهَا وَانْتِقَالِهَا، وَأَنْبَأْتُكَ عَنِ الْآخِرَةِ وَمَا اُعِدَّ لِأََهْلِهَا فِيهَا، وَضَرَبْتُ لَكَ فِيهِمَا الْأَمْثَالَ، لِتَعْتَبِرَ بِهَا، وَتَحْذُوَ عَلَيْهَا. إِن َّمَا مَثَلُ مَنْ خَبَرٍ (51) الدُّنْيَا كَمَثَلِ قَوْمٍ سَفْرٍ (52) ، نَبَا (53) بِهِمْ مَنْزِلٌ جَدِيبٌ (54) ، فأَمُّوا (55) مَنْزِلاً خَصِيباً وَجَنَاباً (56) مَرِيعاً (57) ، فَاحْتَمَلُوا وَعْثَاءَ (58) الطَّرِيقِ، وَفِرَاقَ الصَّدِيقِ، وَخُشُونَةَ السَّفَرِ، وَجُشُوبَةَ (59) الْمَطْعَمِ، لِيَأتُوا سَعَةَ دَارِهِمْ، وَمَنْزِلَ قَرَارِهِمْ، فَلَيْسَ يَجِدُونَ لِشَيْءٍ مِنْ ذلِكَ أَلَماً، وَلاَ يَرَوْنَ نَفَقَةً مَغْرَماً، وَلاَ شَيْءَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِمَّا قَرَّبَهُمْ مِنْ مَنْزِلِهِمْ، وَأَدْنَاهُمْ مِنْ مَحَلِّهِمْ. وَمَثَلُ مَنِ اغْتَرَّ بِهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ كَانُوا بِمَنْزِلٍ خَصِيبٍ، فَنَبا بِهِمْ إِلَى مَنْزِلٍ جَدِيب، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِمْ وَلاَ أَفْظَعَ عِنْدَهُمْ مِنْ مُفَارَقَةِ مَا كَانُوا فيِهِ، إِلَى مَا يَهْجُمُونَ عَلَيْهِ (60) ، وَيَصِيرُونَ إِلَيْهِ. يَا بُنَيَّ اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيَما بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ، فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا، وَلاَ تَظْلمِْ كَمَا لاَ تُحِبُّ أَنْ ت ُظْلَمَ، وَأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ، وَ اسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُهُ مِنْ غَيْرِكَ، وَارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ وَإِنْ قَلَّ مَا تعْلَمُ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ. وَاعْلَمْ، أَنَّ الْإِعْجَابَ (61) ضِدُّ الصَّوَابِ، وَآفَة ُالْأَلْبَابِ (62) . فَاسْعَ فِي كَدْحِكَ (63) ، وَلاَ تَكُنْ خَازِناً لِغَيْرِكَ (64) ، وَإِذَا أَنْتَ هُدِيتَ لِقَصْدِكَ فَكُنْ أَخْشَعَ مَا تَكُونُ لِرَبِّكَ. وَاعْلَمْ، أَنَّ أَمَامَكَ طَرِيقاً ذَا مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ، وَمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ، وَأَنَّهُ لاَ غِنَى بِكَ فِيهِ عَنْ حُسْنِ الْإِرْتِيَادِ (65) ، وَقَدْرِ بَلاَغِكَ (66) مِنَ الزَّادِ، مَعَ خِفَّةِ الظَّهْرِ، فَلاَ تَحْمِلَنَّ عَلَى ظَهْرِكَ فَوْقَ طَاقَتِكَ، فَيَكُونَ ثِقْلُ ذلِكَ وَبَالاً عَلَيْكَ، وَإِذَا وَجَدْتَ مِنْ أَهْلِ الْفَاقَةِ (67) مَنْ يَحْمِلُ لَكَ زَادَكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَيُوَافِيكَ بِهِ غَداً حَيْثُ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَاغْتَنِمْهُ وَحَمِّلْهُ إِيَّاهُ، وَأَكْثِرْ مِنْ تَزْوِيدِهِ وَأَنْتَ قَادِرٌ عَلَيْهِ، فَلَعَلَّكَ تَطْلُبُهُ فَلاَ تَجِدُهُ، وَاغْتَنِمْ مَنِ اسْتَقْرَضَكَ في حَالِ غِنَاكَ، لِيَجْعَلَ قَضَاءَهُ لَكَ في يَوْمِ عُسْرَتِكَ. وَاعْلَمْ، أَنَّ أمَامَكَ عَقَبَةً كَؤوداً (68) ، الْمُخِفُّ (69) فِيهَا أَحْسَنُ حَالاً مِن الْمُثْقِلِ (70) ، وَالْمُبْطِىءُ عَلَيْهَا أَقْبَحُ حَالاً مِنَ الْمُسْرِعِ، وَأَنَّ مَهْبِطَك بِهَا لاَمَحَالَةََ إِمَّا عَلَى جَنَّة أَوْ عَلَى نَارٍ، فَارْتَدْ (71) لِنَفْسِكَ قَبْلَ نُزُولِكَ، وَوَطِّىءِ الْمنْزِلَ قَبْلَ حُلُولِكَ، فَلَيْسَ بَعْدَ الْمَوْتِ مُسْتَعْتَبٌ (72) ، وَلاَ إِلَى الدُّنْيَا مُنْصَرَفٌ (73) . وَاعْلَمْ، أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ خَزَائِنُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ أَذِنَ لَكَ فِي الدُّعَاءِ، وَتَكفَّلَ لَكَ بِالْإِِجَابَةِ، أَمَرَكَ أَنْ تَسْأَلَهُ لِيُعْطِيَكَ، وَتَسْتَرْحِمَهُ لِيَرْحَمَكَ، وَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ مَنْ يَحْجُبُكَ عَنْهُ، وَلَمْ يُلْجِئْكَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكَ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَمْنَعْكَ إِنْ أَسَأْتَ مِنَ التَّوْبَةِ، وَلَمْ يُعَاجِلْكَ بَ النِّقْمَةِ، وَلَمْ يُعَيِّرْكَ بِالْإِنَابَةِ (74) ، وَلَمْ يَفْضَحْكَ حَيْثُ الْفَضِيحَةُ بِكَ أَوْلَى، وَلَمْ يُشدِّدْ عَلَيْكَ فِي قَبُولِ الْإِنَابَةِ، وَلَمْ يُنَاقِشْكَ بِالْجَرِيمَةِ، وَلَمْ يُؤْيِسْكَ مِنَ الرَّحْمَةِ، بَلْ جَعَلَ نُزُوعَكَ (75) عَنِ الذَّنْبِ حَسَنةً، وَحَسَبَ سَيِّئَتَكَ وَاحِدَةً، وَحَسَبَ حَسَنَتَكَ عَشْراً، وَفَتحَ لَكَ بَابَ الْمَتَابِ،بَابَ الْاِسْتِعتَابِ؛ فَإِذَا نَادَيْتَهُ سَمِعَ نِدَاك، وَإِذَا نَاجَيْتَهُ عَلِمَ نَجْوَاكَ (76) ، فَأَفْضَيْتَ (77) إِلَيْهِ بِحَاجَتِكَ، وَأَبْثَثْتَهُ (78) ذَاتَ نَفْسِكَ (79) ، وَشَكَوْتَ إِلَيْهِ هُمُومَك، وَاسْتَكْشَفْتَهُ كُرُوبَكَ (80) ، وَاسْتَعَنْتَهُ عَلَى أُمُورِكَ، وَسَأَلْتَهُ مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِهِ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَى إِعْطَائِهِ غيْرُهُ، مِنْ زِيَادَةِ الْأََعْمَارِ، وَصِحَّةِ الْأَبْدَانِ، وَسَعَةِ الْأَرْزَاقِ. ثُمَّ جَعَلَ فِي يَدَيْكَ مَفاتِيحَ خَزَائِنِهِ بِمَا أَذِنَ لَكَ فِيهِ مِنْ مَسْأَلتِهِ، فَمَتَى شِئْتَ اسْتَفْتَحْتَ بِالدُّعَاءِ أَبْوَابَ نِعَمِهِ، وَاسْتَمْطَرْتَ شآبِيبَ (81) رَحْمَتِهِ، فَلاَ يُقَنِّطَنَّكَ (82) إِبْطَاءُ إِجَابَتِهِ، فَإِنَّ الْعَطِيَّةَ عَلَى قَدْرِ النِّيَّةِ، وَرُبَّمَا أُخِّرَتْ عَنْكَ الْإِجَابَةُ، لِيَكُونَ ذلِكَ أَعْظمَ لِأَجْرِ السَّائِلِ، وَأَجْزَلَ لِعَطَاءِ الْآمِلِ. وَرُبَّمَا سَأَلْتَ الشَّيْءَ فَلاَ تُؤْتاهُ، وَأُوتِيتَ خَيْراً مِنْهُ عَاجِلاً أَوْ آجِلاً، أَوْ صُرِفَ عَنْكَ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ، فَلَرُبَّ أَمْرٍ قَدْ طَلَبْتَهُ فِيهِ هَلاَكُ دِينِكَ لَوْ أُوتِيتَهُ، فَلْتَكُنْ مَسَأَلَتُكَ فِيَما يَبْقَى لَكَ جَمَالُهُ، وَيُنْفَى عَنْكَ وَبَالُهُ، فَالْمَالُ لاَ يَبْقَى لَكَ وَلاَ تَبْقَى لَهُ. وَاعْلَمْ يَا بُنيَّ أَنَّكَ إِنَّمَا خُلِقْتَ لِْآخِرِةِ لاَ لِلدُّنْيَا، وَلِلْفَنَاءِ لاَ لِلْبَقَاءِ، وَلِلْمَوْت لاَ لِلْحَيَاةِ، وَأَنَّكَ فِي قُلْعَةٍ (83) ، وَدَارِ بُلْغَةٍ (84) ، وَطرِيقٍ إِلَى الْآخِرَةِ، وَأَنَّكَ طَريدُ الْمَوْتِ الَّذِي، لاَ يَنْجُو مِنْهُ هَارِبُهُ، وَلاَ يَفُوتُةُ طَالِبُهُ ،وَلاَ بُدَّ أَنَّهُ مُدْرِكُهُ، فَكُنْ مِنْهُ عَلَى حَذرِ أَنْ يُدْرِكَكَ وَأَنْتَ عَلَى حَال سَيِّئَةٍ، قَدْ كُنْتَ تُحَدِّثُ نفْسَكَ مِنْهَا بِالتَّوْبَةِ، فَيَحُولَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذلِكَ، فَإِذَا أَنْتَ قَدْ أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ.
ذكر الموت
يَا بُنَيَّ، أَكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ، وَذِكْرِ مَا تَهْجُمُ عَلَيْهِ، وَتُفْضِي بَعْدَ الْمَوْتِ إِلَيْهِ، حَتَّى يَأْتِيَكَ وَقَدْ أَخَذْتَ مِنْهُ حِذْرَكَ (85) ، وَشَدَدْتَ لَهُ أَزْرَكَ (86) ، وَلاَ يَأْتِيَكَ بَغْتَةً فَيَبْهَرَكَ (87) . وَإِيَّاكَ أَنْ تَغْتَرَّ بِمَا تَرَى مِنْ إِخْلاَدِ أَهْلِ الدُّنْيَا (88) إِلَيْهَا، وَتَكَالُبِهِمْ (89) عَلَيْهَا، فَقَدْ نَبَّأَكَ اللهُ عَنْهَا، وَنَعَتْ (90) لَكَ نَفْسَهَا، وَتَكَشَّفَتْ لَكَ عَنْ مَسَاوِيهَا، فَإِنَّمَا أَهْلُهَا كِلاَبٌ عَاوِيَةٌ، وَسِبَاعٌ ضَارِيَةٌ (91) ، يَهِرُّ (92) بَعْضُهَا بَعْضاً،يَأْكُلُ عَزِيزُهَا ذَلِيلَهَا، وَيَقْهَرُ كَبِيرُهَا صَغِيرَهَا، نَعَمٌ (93) مُعَقَّلَةٌ (94) ، وَأُخْرَى مُهْمَلَةٌ، قَدْ أَضَلَّتْ (95) عُقُولَهَا،رَكِبَتْ مَجْهُولَهَا (96) ، سُرُوحُ (97) عَاهَةٍ (98) بِوَادٍ وَعْثٍ (99) ، لَيْسَ لَهَا رَاع يُقيِمُهَا، وَلاَ مُسِيمٌ (100) يُسِيمُهَا، سَلَكَتْ بِهِِمُ الدُّنْيَا طَرِيقَ الْعَمَى، وَأخَذَتْ بِأَبْصَارِهِمْ عَنْ مَنَارِ الْهُدَى، فَتاهُوا فِي حَيْرَتِهَا، وَغَرِقُوا فِي ن ِعْمَتِهَا، وَاتَّخَذُواهَا رَبّاً، فَلَعِبَتْ بِهِمْ وَلَعِبُوا بِهَا، وَنَسُوا مَا وَرَاءَهَا.
الترفق في الطلب
رُوَيْداً يُسْفِرُ (101) الظَّلاَمُ، كَأَنْ قَدْ وَرَدَتِ الْأَظْعَانُ (102) ، يُوشِكُ مَنْ أَسْرَعَ أَنْ يَلْحَقَ! وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ مَنْ كَانَتْ مَطِيَّتُهُ اللَّيْلَ والنَّهَارَ، فَإِنَّهُ يُسَارُ بِهِ وَإِنْ كَانَ وَاقِفاً، وَيَقْطَعُ الْمَسَافَةَ وَإِنْ كَانَ مُقِيماً وَادِعاً (103) . وَاعْلَمْ يَقِيناً، أَنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ أَمَلَكَ، وَلَنْ تَعْدُوَ أَجَلَكَ، وَأَنَّكَ فِي سَبِيلِ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ، فَخَفِّضْ (104) فِي الطَّلَبِ، وَأَجْمِلْ (105) فِي الْمُكْتَسَبِ، فَإِنَّهُ رُبَّ طَلَب قَدْ جَرَّ إِلَى حَرَبٍ (106) ، فَلَيْسَ كُلُّ طَالِبٍ بِمَرْزُوقٍ، وَلاَ كُلُّ مُجْمِلٍ بِمَحْروُمٍ. وَأَكْرِمْ نَفْسَكَ عَنْ كُلِّ دَنِيَّةٍ (107) وَإِنْ سَاقَتْكَ إِلَى الرَّغَائِبِ (108) ، فَإِنَّكَ لَنْ تَعْتَاضَ بِمَا تَبْذُلُ مِنْ نَفْسِكَ عِوَضاً (109) . وَلاَ تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَقَدْ جَعَلَكَ اللهُ حُرّاً. وَمَا خَيْرُ خَيْرٍ لاَ يُنَالُ إِلاَّ بِشَرٍّ، ويُسْرٍ (110) لاَ يُنَالُ إِلاَّ بِعُسْرٍ (111) ؟! وَإِيَّاكَ أَنْ تُوجِفَ (112) بِكَ مَطَايَا (113) الطَّمَعِ، فَتُورِدَكَ مَنَاهِلَ (114) الْهَلَكَةِ (115) ، وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلاَّ يَكُونَ بَيْنَكَ بَيْنَ اللهِ ذُونِعْمَة فَافْعَلْ، فإِنَّكَ مُدْرِكٌ قِسْمَكَ، وَآخِذٌ سَهْمَكَ، وَإِنَّ الْيَسِيرَ مِنَ اللهِ سُبْحَانَهُ أَعْظَمُ وَ أَكْرَمُ مِنَ الْكَثِيرِ مِنْ خَلْقِهِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُ.
وصايا شتّى
وَتَلاَفِيكَ (116) مَا فَرَطَ (117) مِنْ صَمْتِكَ أَيْسَرُ مِنْ إِدْرَاكِكَ مَا فَاتَ (118) مِنْ مَنْطِقِكَ، وَحِفْظُ مَا فِي الْوِعَاءِ بِشَدِّ الْوِكَاءِ (119) ، وَحِفْظُ مَا فِي يَدَيْكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ طَلَبِ مَا فِي يَدَيْ غَيْرِكَ. وَمَرَارَةُ الْيَأْسِ خَيْرٌ مِنَ الطَّلَبِ إِلَى النَّاسِ، وَالْحِرْفَةُ مَعَ الْعِفَّةِ خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى مَعَ الْفُجُورِ، وَالْمَرْءُ أَحْفَظُ لِسِرِّهِ (120) ، وَرُبَّ سَاعٍِ فِيَما يَضُرُّهُ! مَنْ أَكْثَرَ أَهْجَرَ (121) ، وَمَنْ تَفَكَّرَ أَبْصَرَ، قَارِنْ أهْلَ الْخَيْرِ تَكُنْ مِنْهُمْ، وَبَايِنْ أَهْلَ الشَّرِّ تَبِنْ عَنْهُمْ، بِئْسَ الطَّعَامُ الْحَرَامُ! وَظُلْمُ الضَّعِيفِ أَفْحَشُ الظُّلْمِ، إِذَا كَانَ الرِّفْقُ خُرْقاً (122) كَانَ الْخُرْقُ رِفْقاً. رُبَّمَا كَانَ الدَّوَاءُ دَاءً، وَالدَّاءُ دَوَاءً، وَرُبَّمَا نَصَحَ غَيْرُ النَّاصِحِ، وَغَشَّ الْمُسْتَنْصَحُ (123) . وَإِيَّاكَ وَالْاِتِّكَالَ عَلَى الْمُنَى (124) ، فَإِنَّهَا بَضَائِعُ النَّوْكَى (125) ، وَالْعَقْلُ حِفْظُ التَّجَارِبِ، وَخَيْرُ مَا جَرَّبْتَ مَا وَعَظَكَ . بَادِرِ الْفُرْصَةَ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ غُصَّةً، لَيْسَ كُلُّ طَالِبٍ يُصِيبُ، وَلاَ كُلُّ غَائِب يَؤُوبُ، وَمِنَ الْفَسَادِ إِضَاعَةُ الزَّادِ، وَمَفْسَدَةُ الْمَعَادِ، وَلِكُلِّ أَمْر عَاقِبَةٌ، سَوْفَ يَأْتيِكَ مَا قُدِّرَ لَكَ. التَّاجِرُ مُخَاطِرٌ، وَرُبَّ يَسِيرٍ أَنْمَى مِنْ كَثِيرٍ! لاَ خَيْرَ فِي مُعِينٍ مَهِينٍٍ (126) ، وَلاَ فِي صَدِيقٍ ظَنِينٍ (127) ، سَاهِلِ الدَّهْرَ (128) مَا ذَلَّ لَكَ قَعُودُهُ (129) ، وَلاَ تُخَاطِرْ بِشَيءٍ رَجَاءَ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَإِيَّاك أَنْ تَجْمَحَ بِكَ مَطِيَّةُ اللَّجَاجِ (130) . احْمِلْ نَفْسَكَ مِنْ أَخِيكَ عِنْدَ صَرْمِهِ (131) عَلَى الصِّلَةِ (132) ، وَعِنْدَ صُدُودِهِ (133) عَلَى اللَّطَفِ (134) وَالْمُقَارَبَةِ، وَعِنْدَ جُمُودِهِ (135) عَلَى الْبَذْلِ (136) ، وَعِنْدَ تَبَاعُدِهِ عَلَى الدُّنُوِّ، وَعِنْدَ شِدَّتِهِ عَلَى اللِّينِ، وَعِنْدَ جُرْمِهِ عَلَى الْعُذْرِ، حَتَّى كَأَنَّكَ لَهُ عَبْدٌ، وَكَأَنَّهُ ذُونِعْمَة عَلَيْكَ. وَإِيَّاكَ أَنْ تَضَعَ ذلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، أَوْ أَنْ تَفْعَلَهُ بِغَيْرِ أَهْلِهِ، لاَ تَتَّ خِذَنَّ عَدُوَّ صَدِيقِكَ صَدِيقاً فَتُعَادِيَ صَدِيقَكَ، وَامْحَضْ أَخَاكَ النَّصِيحَةَ، حَسَنةً كَانَتْ أَمْ قَبِيحَةً، وَتَجَرَّعِ الْغَيْظَ (137) ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ جُرْعَةً أَحْلَى مِنْهَا عَاقِبَةً، وَلاَ أَلَذَّ مَغَبَّةً (138) ، وَلِنْ (139) لِمَنْ غَالَظَكَ (140) ، فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَلِينَ لَكَ، وَخُذْ عَلَى عَدُوِّكَ بِالْفَضْلِ فإِنَّهُ أَحْلَى الظَّفَرَيْنِ، وَإِنْ أَرَدْتَ قَطِيعَةَ أَخِيكَ فَاسْتَبْقِ لَهُ مِنْ نَفْسِكَ بَقِيَّةً يَرْجِعُ إِلَيْهَا إِنْ بَدَا لَهُ ذلِكَ يَوْماً مَّا، وَمَنْ ظَنَّ بِكَ خَيْراً فَصَدِّقْ ظَّنهُ، وَلاَ تُضِيعَنَّ حَقَّ أَخِيكَ اتِّكَالاً عَلَى مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكَ بِأَخٍ مَنْ أَضَعْتَ حَقَّه، وَلاَ يكُنْ أَهْلُكَ أَشْقَى الْخَلْقِ بِكَ، وَلاَ تَرْغَبَنَّ فِيمَنْ زَهِدَ فِيكَ، وَلاَ يَكُونَنَّ أَخُوكَ أَقْوَى عَلَى قَطِيعَتِكَ مِنْكَ عَلَى صِلَتِهِ، وَلاَ تكُونَنَّ عَلَىالْإِسَاءَةِ أَقْوَى مِنْكَ عَلَى الْإِحْسَانِ. وَلاَ يَكْبُرَنَّ عَلَيْكَ ظُلْمُ مَنْ ظَلَمَكَ، فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي مَضَرَّتِهِ وَنَفْعِك َ، وَلَيْسَ جَزَاءُ مَنْ سَرَّكَ أَنْ تَسُوءَهُ. وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ، أَنَّ الرِّزْقَ رِزْقَانِ: رِزْقٌ تَطْلُبُهُ، وَرِزْقٌ يَطْلُبُكَ، فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَأْتِهِ أَتَاكَ، مَا أَقْبَحَ الْخُضُوعَ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَالْجَفَاءَ عِنْدَ الْغِنَى! إِنَّمَا لَكَ مِنْ دُنْيَاكَ، مَا أَصْلَحْتَ بِهِ مَثْوَاكَ (141) ، وَإِنْ كُنْتَ جَازِعاً عَلَى مَا تَفَلَّتَ (142) مِنْ يَدَيْكَ، فَاجْزَعْ عَلَى كُلِّ مَا لَمْ يَصِلْ إِلَيْكَ. اسْتَدِلَّ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ بِمَا قَدْ كَانَ، فَإِنَّ الْأُمُورَ أَشْبَاهٌ، وَلاَ تَكُونَنَّ مِمَّنْ لاَ تَنْفَعُهُ الْعِظَةُ إِلاَّ إِذَا بَالَغْتَ فِي إِيلاَمِهِ، فَإِنَّ الْعَاقِلَ يَتَّعِظُ بِالْآدَبِ، وَالْبَهَائِمَ لاَ تَتَّعِظُ إِلاَّ بِالضَّرْبِ. اطْرَحْ عَنْكَ وَارِدَاتِ الْهُمُومِ بِعَزَائِمِ الصَّبْرِ وَحُسْنِ الْيَقِينِ، مَنْ تَرَكَ الْقَصْدَ (143) جَارَ (144) ، وَالصَّاحِبُ مُنَاسِبٌ (145) ، وَالصَّدِيقُ مَنْ صَدَقَ غَيْبُهُ (146) ، وَالْهَوَى (147) شَرِيكُ الْعَمَى، رُبَّ بَعِيدٍ أَقْرَبُ مِنْ قَرِيبٍ، وَقَرِيبٍ أَبْعَدُ مِنْ بَعِيدٍ، وَالْغَر ِيبُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَبِيبٌ، مَنْ تَعَدَّى الْحَقَّ ضَاقَ مَذْهَبُهُ، وَمَنِ اقْتَصَرَ عَلَى قَدْرِهِ كَانَ أَبْقَى لَهُ، وَأوْثَقُ سَبَب أَخَذْتَ بِهِ سَبَبٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللهِ سُبْحَانَهُ، وَمَنْ لَمْ يُبَالِكَ (148) فَهُوَ عَدُوُّكَ، قَدْ يَكُونُ الْيَأْسُ إِدْرَاكاً، إِذَا كَانَ الطَّمَعُ هَلاَكاً، لَيْسَ كُلُّ عَوْرَةٍ تَظْهَرُ، وَلاَ كُلُّ فُرْصَةٍ تُصَابُ، وَرُبَّمَا أَخْطَأَ الْبَصِيرُ قَصْدَهُ،أَصَابَ الْأَعْمَى رُشْدَهُ. أَخِّرِ الشَّرَّ، فَإِنَّكَ إِذَا شِئْتَ تَعَجَّلْتَهُ (149) ، وَقَطِيعَةُ الْجَاهِلِ تَعْدِلُ صِلَةَ الْعَاقِلِ، مَنْ أَمِنَ الزَّمَانَ خَانَهُ، وَمَنْ أَعْظَمَهُ (150) أَهَانَهُ، لَيْسَ كُلُّ مَنْ رَمَى أَصَابَ، إِذَا تَغَيَّرَ السُّلْطَانُ تَغَيَّرَ الزَّمَانُ. سَلْ عَنِ الرَّفِيقِ قَبْلَ الطَّرِيقِ، وَعَنِ الْجَارِ قَبْلَ الدَّارِ. إِيَّاكَ أَنْ تَذْكُرَ مِنَ الْكَلاَمِ مَا يَكُونُ مُضْحِكاً، وَإِنْ حَكَيْتَ ذلِكَس عَنْ غَيْرِكَ.
الرأي في المرأة
وَإِيَّاكَ وَمُشَاوَرَةَ النِّسَاءِ، فَإِنَّ رَأَيَهُنَّ إِلَى أَفْنٍ (151) ، وَعَزْمَهُنَّ إِلَى وَهْنٍ (152) . وَاكْفُفْ عَلَيْهِنَّ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ بِحِجَابِكَ إِيَّاهُنَّ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحِجَابِ أَبْقَى عَلَيْهِنَّ، وَلَيْسَ خُرُوجُهُنَّ بِأَشَدَّ مَنْ إِدْخَالِكَ مَنْ لاَيُوثَقُ بِهِ عَلَيْهِنَّ، وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلاَّ يَعْرِفْنَ غَيْرَكَ فَافْعَلْ. وَلاَ تُمَلِّكِ الْمَرْأَةَ مِنْ أَمْرِهَا مَا جَاوَزَ نَفْسَهَا، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ رَيْحَانَةٌ، وَلَيْسَتْ بِقَهْرَمَانَةٍ (153) . وَلاَ تَعْدُ (154) بِكَرَامَتِهَا نَفْسَهَا، وَلاَ تُطْمِعْهَا أَنْ تَشْفَعَ لِغَيْرِهَا. وَإِيَّاكَ وَالتَّغايُرَ (155) فِي غَيْرِ مَوْضِعِ غَيْرَةٍ، فَإِنَّ ذلِكَ يَدْعُوالصَّحِيحَةَ إِلَى السَّقَمِ، وَالْبَرِيئَةَ إِلَى الرِّيَبِ. وَاجْعَلْ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْ خَدَمِكَ عَمَلاً تَأْخُذُهُ بِهِ، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَلاَّ يَتَوَاكَلُوا (156) فِي خِدْمَتِكَ. وَأَكْرِمْ عَشِيرَتَكَ، فَإِنَّهُمْ جَنَاحُكَ الَّذِي بِهِ تَطِيرُ، وَأَصْلُكَ الَّذِي إِلَيْهِ تَصِيرُ، وَيَدُكَ الَّتي بِهَا تَصُول ُ.
دعاء
أسْتَوْدِعِ اللهَ دِينَكَ وَدُنْيَاكَ، وَأسْأَلُهُ خَيْرَ الْقَضَاءِ لَكَ فِي الْعَاجِلَةِ وَالْآجِلَةِ، وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْسَّلامُ .

1. حاضرين: اسم بلدة في نواحي صفّين.
2. المقرّ للزمان: المعترف له بالشدة.
3. غرض الأقام: هدف الأمراض ترمي إليه سهامها.
4. الرهينة: المرهونة، أي أنه في قبضة الأيام وحكمها.
5. الرَمِيّة: ما أصابه السهم.
6. نُصب الآفات: لا تفارقه العلل، وهو من قولهم: فلان نصب عيني ـ بالضم ـ أي لا يفارقني.
7. الصريع: الطريح.
8. جُموح الدهر: استقصاؤه وتغلّبه.
9. يَزَعُني: يكفّني ويصدّني.
10. ماورائي: كناية عن أمر الآخرة.
11. صَدَفَه: صرفه.
12. محض الأمر: خالصه.
13. مستظهراً به: أي مستعيناً به.
14. قَرِّرْه بالفناء: اطلب منه الْإِقرار بالفناء.
15. بَصِّرْه: اجعله بصيراً.
16. الفجائع: جمع فجيعة وهي المصيبة تفزع بحلولها.
17. باينْ: أي باعدْ وجانبْ.
18. الغَمَرات: الشدائد.
19. الكهف: الملجأ.
20. الحريز: الحافظ
21. الاستخارة: إجالة الرأي في الأمر قبل فعله لاختيار أفضل وجوهه.
22. صَفْحاً: جانباً.
23. لايحق ـ بكسر الحاء وضمها ـ : أي لا يكون من الحق.
24. بَلَغْتُ سناً: أي وصلت النهاية من جهة السن.
25. الوَهْن: الضعف.
26. أفضي: ألقي إليك.
27. الفرس الصعب: غير المذلل.
28. النّفُور: ضدالآنس.
29. جدّ رأيك: أي محقَّقُه وثابته.
30. كفاه بُغْية الشيء: أغناه عن طلبه.
31. استبان: ظهر.
32. النَخِيل: المختار المصفى.
33. تَوَخّيت: أي تحرّيت.
34. أجمعت عليه: عزمت.
35. مُقْتَبَل ـ بالفتح ـ من اقتبل الغلام فهو مقتبَل، وهو من الشواذ، والقياس مُقْتبِل بكسر الباء لأنه اسم فاعل، ومُقْتبَل الْإِنسان: أول عمره.
36. لا أجاوز ذلك: لاأتعدى بك.
37. أشفقت: أي خشيت وخفت.
38. التبس: غمض.
39. الهَلَكَة: الهَلاك.
40. لم يَدَعوا: لم يتركوا.
41. الشائِبة: ما يشوب الفكر من شك وحيرة.
42. أوْلجَتْك: أدخلتك.
43. العَشْواء: الضعيفة البصر، أي تخبط خبط الناقة العشواء لا تأمن أن تسقط فيما لاخلاص منه.
44. تورّط الأمر: دخل فيه على صعوبة في التخلص منه.
45. الإمساك عن الشيء: حبس النفس عنه.
46. أمثل: أفضل.
47. شفقتك: خوفك.
48. الرائد: من ترسله في طلب الكلا ليتعرف موقعه، والرسول قد عرف عن الله وأخبرنا فهو رائد سعادتنا.
49. لم آلُكَ نصيحةً: أي لم أقصّر في نصيحتك.
50. خطره: أي قدره.
51. خَبَرَ الدنيا: عرفها كما هي بامتحان أحوالها.
52. السَفْر ـ بفتح فسكون ـ : المسافرون.
53. نَبَا المنزل بأهله: لم يوافقهم المقام فيه لوخامته.
54. الجَدِيب: المُقْحِط لاخير فيه.
55. أمّوا: قصدوا.
56. الجَناب: الناحية.
57. المَرِيع ـ بفتح فكسر ـ : كثير العشب.
58. وَعْثاء السفر: مشقته.
59. الجُشُوبة ـ بضم الجيم ـ : الغِلَظ.
60. هجم عليه: انتهى إليه بغتة.
61. الإعجاب: استحسان ما يصدر عن النفس مطلقاً.
62. آفة: علّة. والألباب: العقول.
63. الكَدْح: أشد السعي.
64. خازناً لغيرك: تجمع المال ليأخذه الوارثون بعدك.
65. الارتياد: الطلب. وحسنه: إتيانه من وجهه.
66. البَلاَغ ـ بالفتح ـ : الكِفاية.
67. الفاقة: الفقر.
68. كؤوداً: صعبة المرتقى.
69. المُخِفّ ـ بضم فكسر ـ : الذي خفف حمله.
70. المُثْقِل: هو من أثقل ظهره بالأوزار.
71. ارْتَدِهِ: ابعث رائداً من طيبات الأعمال توقفك الثقة به على جودة المنزل.
72. المُسْتَعْتَب: مصدر ميمي من استعتب، والاستعتاب: الاسترضاء، والمراد أن الله لا يسترضي بعد إغضابه إلا باستئناف العمل.
73. المُنْصَرَف: مصدر ميمي من انصرف، والمراد لا انصراف إلى الدنيا بعد الموت.
74. الإنابة: الرجوع إلى الله.
75. نُزوعك: رجوعك.
76. المُنَاجاة: المكالمة سراً.
77. أفْضَيْت: ألقيت.
78. أبثثته: كاشفته.
79. ذات النفس: حالتها.
80. اسْتَكْشَفْته كروبك: طلبت كشف غمومك.
81. شآبيب: جمع الشؤبوب بالضم، وهو الدفعة من المطر، وما أشبه رحمة الله بالمطر ينزل على الأرض الموات فيحييها.
82. القنوط: اليأس.
83. قُلْعة ـ بضم القاف وسكون اللام وبضمتين وبضم ففتح ـ : يقال منزل قلعة أي لايُمْلَك لنازله، أولا يدري متى ينتقل عنه.
84. البُلْغة: الكفاية وما يتبلغ به من العيش.
85. الحِذْر ـ بالكسر ـ : الاحتراز والاحتراس.
86. الأزْر ـ بالفتح ـ : القوة.
87. بَهَرَ ـ كمنع ـ : غلب، أي يغلبك على أمرك.
88. إخلاد أهل الدنيا: سكونهم إليها.
89. التكالب: التواثب.
90. نعاه: أخبر بموته، والدنيا تخبر بحالها عن فنائها.
91. ضارية: مولعة بالافتراس.
92. يهِرّ ـ بكسر الهاء ـ : يعوي وينبح، وأصلها هَرِير الكلب، وهو صوته دون حاجة من قلة صبره على البرد، فقد شبه الإمام أهل الدنيا بالكلاب العاوية.
93. النّعَم ـ بالتحريك ـ : الإبل.
94. مُعَقّلَة ـ من عَقّل البعير بالتشديد ـ : شدّ وَظِيفَهُ إلى ذراعه.
95. أضلّت: أضاعت.
96. مجهولها: طريقها المجهول لها.
97. السُروح ـ بالضم ـ : جمع سَرْح ـ بفتح فسكون ـ وهو المال السارح السائم من إبل ونحوها.
98. العاهة: الآفة، فالمراد بقوله:( سروح عاهة) أنهم يسرحون لرعي الآفات.
99. الوَعْث: الرخو يصعب السير فيه.
100. مُسيم: من أسام الدابة يسيمها: سرحها إلى المرعى.
101. يُسْفِر: يكشف.
102. الأظْعان: جمع ظعينة، وهي الهودج تركب فيه المرأة، عبر به عن المسافرين في طريق الدنيا إلى الآخرة.
103. الوادع: الساكن المستريح.
104. خَفِّضْ: أمر من خَفّضَ ـ بالتشديد ـ أي ارفق.
105. اجمل في كَسْبِه: أي سعى سعياً جميلاً، لا يحرص فيمنع الحق، ولا يطمع فيتناول ما ليس بحق.
106. الحَرَب ـ بالتحريك ـ : سلب المال.
107. الدَنِيّة: الشيء الحقير المبتذل.
108. الرغائب: جمع رغيبة، وهي ما يرغب في اقتنائه من مال وغيره.
109. عِوَضاً: بدلاً.
110. اليُسْر: السهولة، والمراد سعة العيش.
111. العُسْر: الصعوبة، والمراد ضيق العيش.
112. تُوجِف: تسرع.
113. المَطَايَا: جمع مطية، وهي ما يركب ويمتطى من الدواب ونحوها.
114. المَناهل: ما تردهالإبل ونحوها للشرب.
115. الهلكة: الهلاك والموت.
116. التلافي: التدارك لا صلاح ما فسد أو كاد.
117. ما فرط أي: قصر عن إفادة الغرض أوإنالة الوطَر.
118. إدراك ما فات: هو اللحاق به لأجل استرجاعه، وفات: أي سبق إلى غير عودة.
119. بشدّ وكائها: أي رباطها.
120. أحْفَظُ لسرّه: أشد صوناً له وحرصاً على عدم البوح به.
121. أهجرَ إهجاراً وهُجْراً ـ بالضم ـ : هذى يهذي في كلامه.
122. الخُرْق ـ بالضم ـ : العنف.
123. المُسْتَنْصَح ـ اسم مفعول ـ : المطلوب منه النصح.
124. المُنى ـ جمع منية بضم فسكون ـ : ما يتمناه الشخص لنفسه ويعلل نفسه باحتمال الوصول إليه.
125. النّوكى: جمع أنوّك، وهو كالأحمق وزناً ومعنى.
126. مَهِين ـ بفتح الميم ـ : بمعنى حقير، والحقير لا يصلح أن يكون مُعيناً.
127. الظَنِين ـ بالظاء ـ : المتهم.
128. ساهِلِ الدهر: خذ حظك منه بسهولة ويسر.
129. القَعُود ـ بفتح أوله ـ : الجمل الذي يقتعده الراعي في كل حاجته، وللفصيل، أي: ساهل الدهر ما دام منقاداً وخذ حظك من قياده.
130. المَطِيّة: ما يركب ويمتطي. واللَجاج ـ بالفتح ـ : الخصومة.
131. صَرْمِهِ: قطيعته.
132. الصِلَة: الوصال، وهو ضد القطيعة.
133. الصُدود: الهجر.
134. اللّطَف ـ بفتح اللام والطاء ـ : الاسم من ألطفه بكذا أي برّه به.
135. جموده: بخله.
136. البَذْل: العطاء.
137. الغيظ: الغضب الشديد.
138. المَغَبّة ـ بفتحتين ثم باء مشددة ـ : بمعنى العاقبة.
139. لِنْ: أمر من اللين ضد الغلظ والخشونة.
140. غالظلك: عاملك بغلظ وخشونة.
141. مثواك: مُقامك، من ثوى يثوي: أقام يقيم، والمراد هنا منزلتك من الكرامة.
142. تفلّت ـ بتشديد اللام ـ أي: تملّص من اليد فلم تحفظه.
143. القصد: الاعتدال.
144. جار: مال عن الصواب.
145. الصاحِب مناسب: أي يراعى فيه ما يراعى في قرابة النسب.
146. الغيْب: ضد الحضور، أي من حفظ لك حقك وهو غائب عنك.
147. الهوى: شهوة غير منضبطة ولا مملوكة بسلطان الشرع والأدب.
148. لم يُبَالِكَ أي: لم يهتم بأمرك، باليته وباليت به أي: راعيته واعتنيت به.
149. تَعَجّلْتَه: استبقت حدوثه.
150. أعظمه: هابَهُ وأكبر من قدره.
151. الافْن ـ بالسكون ـ : النقص.
152. الوَهْن: الضعف.
153. القَهْرَمان: الذي يحكم في الأمور ويتصرف فيها بأمره.
154. لاتَعْدُ ـ بفتح فسكون ـ أي: لا تجاوز بإكرامها نفسها فتكرم غيرها بشفاعتها.
155. التغاير: إظهار الغيرة على المرأة بسوء الظن في حالها من غير موجب.
156. يتواكلوا: يتكل بعضهم على بعض.