نهج البلاغة

وهو مجموعة خطب مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وأوامره وكتبه ورسائله وحكمه ومواعظه تأليف: الشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام

الأربعاء، 14 مارس 2012

[ 20 ] ومن كتاب له عليه السلام إلى زياد بن أبيه وهو خليفة عامله عبدالله بن العباس على البصرة، وعبد الله عامل أميرالمؤمنين عليه السلام يومئذ عليها وعلى كور الأهواز (1) وفارس وكرمان و غيرها:

وَإِنِّي أُقْسِمُ بِاللهِ قَسَماً صَادِقاً، لَئِنْ بَلَغَني أَنَّكَ خُنْتَ مِنْ فَيْءِ (2) الْمُسْلِمِينَ شَيْئاً صَغِيراً أَوْ كَبِيراً، لَأَََشُدَّنَّ عَلَيْكَ شَدَّةً تَدَعُكَ قَلِيلَ الْوَفْرِ (3) ، ثَقِيلَ الظَّهْرِ (4) ، ضَئِيلَ الْأَمْرِ (5) ، وَالسَّلاَمُ.

1. كُوَر: جمع كُورة وهي الناحية المضافة إلى أعمال بلد من البلدان. والأهواز: تسع كُوَر بين البصرة وفارس.
2. فيئهم: ما لهم من غنيمة أو خراج.
3. الوَفْر: المال.
4. ثقيل الظهر: أي مسكين لا تقدر على مؤونة عيالك.
5. الضَئِيل: الضعيف النحيف. وضئيل الأمر: الحقير.

[ 19 ] ومن كتاب له عليه السلام إلى بعض عماله

أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ دَهَاقِينَ (1) أهْلِ بَلَدِكَ شَكَوْا مِنْكَ غِلْظَةً وَقَسْوَةً، وَاحْتِقَاراً وَجَفْوَةً، وَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَهُمْ أَهْلاً لِأََََنْ يُدْنَوْا (2) لِشِرْكِهِمْ، وَلاَ أَنْ يُقْصَواْ (3) وَيُجْفَوْا (4) لِعَهْدِهِمْ، فَالْبَسْ لَهُمْ جِلْبَاباً مِنَ اللِّينِ تَشُوبُهُ (5) بِطَرَفٍ مِنَ الشِّدَّةِ، وَدَاوِلْ (6) لَهُمْ بَيْنَ الْقَسْوَةِ وَالرَّأْفَةِ، وَامْزُجْ لَهُمْ بَيْنَ التَّقْرِيبِ وَالْإِدْنَاءِ، وَالْإِبْعَادِ وَالْإِقْصَاءِ، إِنْ شَاءَ اللهُ.

1. الدَهَاقين: الأكابر، الزعماء أرباب الأملاك بالسواد، واحدهم دِهقان ـ بكسر الدال ـ ولفظه معرّب.
2. يُدْنَوا: يقرّبوا.
3. يُقْصَوْا: يبعدوا.
4. يُجْفَوا: يعاملوا بخشونة.
5. تشوبه: تخلطه.
6. داول: اسلك فيهم منهجاً متوسطاً.

[ 18 ] ومن كتاب له عليه السلام إلى عبد الله بن العباس وهو عامله على البصرة

وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَصْرَةَ مَهْبِطُ إِبْلِيسَ، وَمَغْرِسُ الْفِتَنِ، فَحَادِثْ أَهْلَهَا بِالْإِِحْسَانِ إِلَيْهِمْ، وَاحْلُلْ عُقْدَةَ الْخَوْفِ عَنْ قُلُوبِهِمْ. وَقَدْ بَلَغَنِي تَنَمُّرُكَ (1) لِبَنِيٍ تَمِيم، وَغِلْظَتُكَ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّ بَنِي تَمِيم لَمْ يَغِبْ لَهُمْس نَجْمٌ (2) إِلاَّ طَلَعَ لَهُمْ آخَرُ (3) ، وَإِنَّهُمْ لَمْ يُسْبَقُوا بِوَغْمٍ (4) فِي جَاهِلِيَّة وَلاَ
إِسْلاَمٍ، وَإِنَّ لَهُمْ بِنَا رَحِماً مَاسَّةً، وَقَرَابَةً خَاصَّةً، نَحْنُ مَأْجُورُونَ عَلَى صِلَتِهَا، وَمَأزُورُونَ عَلَى قَطِيعَتِهَا. فَارْبَعْ (5) أَبَا الْعَبَّاسِ، رَحِمَكَ اللهُ، فِيَما جَرَى عَلَى َلِسَانِكَ وَ يَدَكَ مِنْ خَيْر وَشَرّ! فَإِنَّا شَرِيكَانِ فِي ذلِكَ،كُنْ عِنْدَ صَالِحِ ظَنِّي بِكَ، وَلاَ يَفِيلَنَّ (6) رَأَيِي فِيكَ، وَالسَّلاَمُ.

1. تَنَمّرُكَ: أي تنكّر أخلاقك.
2. غَيْبُوبة النجم: كناية عن الضعف.
3. طلوع النجم: كناية عن القوة.
4. الوَغْم ـ بفتح فسكون ـ : الحرب والحقد.
5. اربَعْ: الرفُقْ وقف عند حد ما تعرف.
6. فالَ رأيُهُ: ضعف.

[ 17 ] ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية، جواباً عن كتابٍ منه إليه

وَأَمَّا طَلَبُكَ إِلَيَّ الشَّامَ، فَإِنِّي لَمْ أَكُنْ لِأُعْطِيَكَ الْيَوْمَ مَا مَنَعْتُكَ أَمْسِ. وَأَمَّا قَوْلُكَ: إِنَّ الْحَرْبَ قَدْ أَكَلَتِ الْعَرَبَ إِلاَّ حُشَاشَاتِ أَنْفُسٍ بَقِيَتْ، أَلَا وَمَنْ أَكَلَهُ الْحَقُّ فَإِلَى الْجَنَّةِ،مَنْ أَكَلَهُ الْبَاطِلُ فَإِلَى النَّارِ. وَأَمَّا اسْتِوَاؤُنَا فِي الْحَرْبِ والرِّجَالِ، فَلَسْتَ بِأَمْضَى عَلَى الشَّكِّ مِنِّي عَلَى الْيَقِينِ، وَلَيْسَ أَهْلُ الشَّامِ بِأَحْرَصَ عَلَى الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ عَلَى الْآخِرَةِ. وَأَمَّا قَوْلُكَ: إِنَّا بَنُوعَبْدِ مَنَافٍ، فَكَذلِكَ نَحْنُ، وَلكِنْ لَيْسَ أُمَيَّةُ كَهَاشِمَ، وَلاَ حَرْبٌ كَعَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَلاَ أَبُوسُفْيَانَ كَأَبِي طَالِبٍ، وَلاَ المُهَاجرُ (1) كَالطَّلِيقِ (2) ، وَلاَ الصَّرِيحُ (3) كَاللَّصِيقِ (4) ، وَلاَ الْمُحِقُّ كَالْمُبطِلِ، وَلاَ الْمُؤْمِنُ كَالْمُدْغِلِ (5) . وَلَبِئْسَ الْخَلَفُ خَلَفٌ يَتْبَعُ سَلَفاً هَوَى فِي نَارِ جَهَنَّمَ. وَفِي أَيْدِينَا بعْدُ فَضْلُ النُّبُوَّةِ الَّتِي أَذْلَلْنَا بِهَا الْعَزِيزَ، وَنَعَشْنَا (6) بِهَا الذَّل ِيلَ. وَلَمَّا أَدْخَلَ اللهُ الْعَرَبَ فِي دِينِهِ أَفْوَاجاً، وَأَسْلَمَتْ لَهُ هذِهِ الْأُمَّةُ طَوْعاً وَكَرْهاً، كُنْتُمْ مِمَّنْ دَخَلَ فِي الدِّينِ: إِمَّا رَغْبَةً وَإِمَّا رَهْبَةً، عَلَى حِينَ فَازَ أَهْلُ السَّبْقِ بِسَبْقِهِمْ، وَذَهَبَ الْمُهَاجِرُونَ الْأََوَّلُونَ بِفَضْلِهِمْ. فَلاَ تَجْعَلَنَّ لِلشَّيْطَانِ فِيكَ نَصِيباً، وَلاَ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلاً، وَالسَّلاَمُ.

1. المُهَاجِر: من آمن في المخافة وهاجر تخلصاً منها.
2. الطّليِق: الذي أسر فأطلق بالمن عليه أو الفدية، وأبوسفيان ومعاوية كانا من الطلقاء يوم الفتح.
3. الصريح: صحيح النسب في ذوي الحسب.
4. اللَصِيق: من ينتمي إليهم وهو أجنبي عنهم.
5. المُدْغِل: المفسد.
6. نَعَشْنا: رَفَعْنا.

[ 16 ] وكان يقول عليه السلام لأصحابه عند الحرب:

لاَ تَشْتَدَّنَّ عَلَيْكُمْ فَرَّةٌ بَعْدَهَا كَرَّةٌ (1) ، وَلاَ جَوْلَةٌ بَعْدَهَا حَمْلَةٌ، وَأَعْطُوا السُّيُوفَ حُقُوقَهَا، وَوَطِّئُوا لِلْجُنُوبِ مَصَارِعَهَا (2) ، وَاذْمُرُوا (3) أَنْفُسَكُمْ عَلَى الطَّعْنِ الْدَّعْسِيِّ (4) ، وَالضَّرْبِ الطِّلَحْفِيِّ (5) ، وَأَمِيتُوا الْأََصْوَاتَ (6) ، فإِنَّهُ أَطْرَدُ لِلْفَشَلِ، فَوَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، مَا أَسْلَمُوا وَلَكِنِ اسْتَسْلَمُوا، وَأَسَرُّوا الْكُفْرَ، فَلَمَّا وَجَدُوا أَعْوَاناً عَلَيْهِ أَظْهَرُوهُ.

1. لا تشتدنّ عليكم فَرّة بعدها كرّة: لايشق عليكم الأمر إذا انهزمتم متى عدتم للكَرّة، ولا تثقل عليكم الدورة من وجه العدوإذا كانت بعدها حملة وهجوم عليه.
2. وَطّئوا: مهّدوا للجُنوب، جمع جَنْب. مَصارِعها: أماكن سقوطها، أي اذا ضربتم فأحكموا الضرب ليصيب، فكأنكم مهدتم للمضروب مصرعه.
3. اذْمُرُوا ـ على وزن اكتبوا ـ أي: حرضوا.
4. الدَعْسيّ: اسم من الدَعْس أي الطعن الشديد.
5. الطِّلَحْفِيّ ـ بكسر الطاء وفتح اللام ـ : أَشد الضرب.
6. إماتة الاصوات: انقطاعها بالسكوت.

[ 15 ] و من دعاء له عليه السلام كان عليه السلام يقول إذا لقى العدوّ محارباً:

اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَفْضَتِ (1) الْقُلُوبُ، وَمُدَّتِ الْأََعْنَاقُ، وَشَخَصَتِ الْأََبْصَارُ، وَنُقِلَتِ الْأََقْدَامُ، وَأُنْضِيَتِ (2) الْأََبْدَانُ. اللَّهُمَّ قَدْ صَرَّحَ مَكْنُونُ الشَّنَآنِ (3) ، وَجَاشَتْ (4) مَرَاجِلُ (5) الْأَضْغَانِ (6) . اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْكُوا إِلَيكَ غَيْبَةَ نَبِيِّنَا، وَكَثْرَةَ عَدُوِّنَا، وَتَشَتُّتَ أَهْوَائِنَا (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).

1. أفْضَتْ: انتهت ووصلت.
2. أنْضَيْتُ: أبَلَيْتُ بالهُزالِ والضعف في طاعتك.
3. صرّحَ مكنونُ الشّنآن: صرح القوم بما كانوا يكتمون من البغضاء.
4. جاشت: غَلَت.
5. المراجل: القُدُور.
6. الأضغان: جمع ضِغْن وهو الحقد.

[ 14 ] ومن وصيّته عليه السلام لعسكره قبل لقاء العدو بصفّين

لاَ تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَبْدُووكُمْ، فَإِنَّكُمْ بِحَمْدِ اُُللهِ عَلَى حُجَّةٍٍ، وَتَرْكُكُمْ إِيَّاهُمْ حَتَّى يَبْدَُووكُمْ حُجَّةٌ أُخْرَى لَكُمْ عَلَيْهِمْ، فَإذَا كَانَتِ الْهَزِيمَةُ بِإِذْنِ اللهِ فَلاَ تَقْتُلُوا مُدْبِراً، وَلاَ تُصيِبُوا مُعْوِراً (1) ، وَلاَ تُجْهِزُوا (2) عَلَى جَرِيحٍ ،لاَ تَهِيجُوا النِّسَاءَ بِأَذىً، وَإِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ، وَسَبَبْنَ أُمَرَاءَكُمْ، فَإِنَّهُنَّ ضَعِيفَاتُ الْقُوَى وَْلأَ نْفُسِ وَالْعُقُولِ، إِنْ كُنَّا لَنُؤْمَرُ بِالْكَفِّ عَنْهُنَّ وَإِنَّهُنَّ لَمُشْرِكَاتٌ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِالْفَهْرِ (3) أَوِ الْهِرَاوَةِ (4) فَيُعَيَّرُ بِهَا وَعَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ.

1. المُعْورِ ـ كمجرم ـ : الذي أمكن من نفسه وعجز عن حمايتها، وأصله أعْوَرَ: أبدى عورته.
2. أجهَزَ على الجريح: تمم أسباب موته.
3. الفِهْر ـ بالكسر ـ : الحجر على مقدار ما يدق به الجوز أو يملا الكف.
4. الهِرَاوَة ـ بالكسر ـ : العصا أو شبه المِقمَعَة من الخشب.

[ 13 ] ومن كتاب له عليه السلام إلى أميرين من أُمراء جيشه

وَقَدْ أَمَّرْتُ عَلَيْكُمَا وَعَلى مَنْ فِي حَيِّزِكُمَا (1) مَالِكَ بْنَ الْحَارثِ الْأَشْتَرَ فَاسْمَعَا لَهُ وَأَطِيعاً، واجْعَلاَهُ دِرْعاً (2) وَمِجَنّاً (3) ، فَإِنّهُ مِمَّنْ لاَ يُخَافُ وَهْنُهُ (4) ، وَلاَ سَقْطَتُهُ (5) ، وَلاَ بُطْؤُهُ عَمَّا الْإِسْرَاعُ إِلَيْهِ أَحْزَمُ (6) ، وَلاَ إِسْرَاعُهُ إِلَى مَا الْبُطْءُ عَنْهُ أَمْثَلُ (7) .

1. الحَيّز: ما يتحيز فيه الجسم أي يتمكن، والمراد منه مقر سلطتهما.
2. الدِرْع: ما يلبس من مصنوع الحديد للوقاية من الضرب والطعن.
3. المِجَنّ: التُرْس.
4. الوَهْن: الضعف.
5. السَقْطة: الغلطة.
6. أحزم: أقرب للحزم.
7. أمثل: أولى وأحسن.

[ 12 ] ومن وصية له عليه السلام وصي بها معقل بن قيس الرياحي حين أنفذه إلى الشام في ثلاثة آلاف مقدّمةً له:

اتَّقِ اللهَ الَّذِي لاَبُدَّ لَكَ مِنْ لِقَائِهِ، وَلاَ مُنْتَهَى لَكَ دُونَهُ، وَلاَ تُقَاتِلَنَّ إِلاَّ مَنْ قَاتَلَكَ، وَسِرِ الْبَرْدَيْنِ (1) ، غَوِّرْ (2) بِالنَّاسِ، وَرَفِّهْ (3) فِي السَّيْرِ، وَلاَ تَسِرْ أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَإِنَّ اللهَ جَعَلَهُ سَكَناً، وَقَدَّرَهُ مُقَاماً لاَ ظَعْناً (4) ، فَأَرِحْ فِيهِ بَدَنَكَ، وَرَوِّحْ ظَهْرَكَ، فَإِذَا وَقَفْتَ حِينَ يَنْبَطِحُ السَّحَرُ (5) ، أَوْ حِينَ يَنْفَجِرُ الْفَجْرُ، فَسِرْ عَلَى بَرَكَةِ اللهِ، فَإِذَا لَقِيتَ الْعَدُوَّ فَقِفْ مِنْ أَصْحَابِكَ وَسَطاً، وَلاَ تَدْنُ مِنَ الْقَوْمِ دُنُوَّ مَنْ يُريِدُ أَنْ يُنْشِبَ الْحَرْبَ، وَلاَ تَبَاعَدْ عَنْهُمْ تَبَاعَدْ مَنْ يَهَابُ الْبَأْسَ، حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي، وَلاَ يَحْمِلَنَّكُمْ شَنَآنُهُمْ (6) عَلَى قِتَالِهِمْ، قَبْلَ دُعَائِهِمْ وَالْإِعْذَارِ (7) إِلَيْهِمْ.

1. البَرْدان: وقت ابتراد الأرض والهواء من حر النهار، الغَداة والعَشيّ.
2. غَوِّرْ: أي انزلْ بهم في الغائرة وهي القائلة: وقت اشتداد الحر.
3. رفّه: هوّن ولا تتعب نفسك ولا دابتك.
4. الظعن: السفر.
5. ينبطح السّحَر: ينبسط، مجاز عن استحكام الوقت بعد مضي مدة منه وبقاء مدة.
6. الشَنآن: البغضاء.
7. ا لإعذار إليهم: تقديم ما يُعْذَرون به في قتالهم.

[ 11 ] ومن وصية له عليه السلام وصّى بها جيشاً بعثه إلى العدو

فَإِذَا نَزَلْتُمْ بِعَدُوًّ أَوْ نَزَلَ بِكُمْ، فَلْيَكُنْ مُعَسْكَرُكُمْ فِي قُبُلِ (1) الْأَشْرَافِ (2) ، أَوْسِفَاحِ (3) الْجِبَالِ، أَوْ أثْنَاءِ (4) الْأَنْهَارِ، كَيْما يَكُونَ لَكُمْ رِدْءاً (5) ، وَدُونَكُمْ مَرَدّاً (6) ، وَلْتَكُنْ مُقَاتَلَتُكُمْ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ أَو اثْنَيْنِ اجْعَلُوا لَكُمْ رُقَبَاءَ فِي صَيَاصِي الْجِبَالِ، (7) وَمَنَاكِبِ (8) الْهِضَابِ (9) ، لِئَلاَّ يَأْتِيَكُمُ الْعَدُوُّ مِنْ مَكَانِ مَخَافَة أَوْ أَمْن. وَاعْلَمُوا أَنَّ مُقَدِّمَةَ الْقَومِ عُيُونُهُمْ، وَعُيُونَ الْمُقَدِّمَةِ طَلاَئِعُهُمْ. وَإِيَّاكُمْ وَالتَّفَرُّقَ، فَإِذَا نَزَلْتُمْ فَانْزِلُوا جَمِيعاً، وَإِذَا اَرْتحَلْتُمْ فَارْتَحِلُوا جَمِيعاً، وَإِذَا غَشِيكُمُ اللَّيْلُ فَاجْعَلُوا الرِّمَاحَ كِفَّةً (10) ، وَلاَ تَذُوقُوا النَّوْمَ إِلاَّ غِرَاراً (11) أَوْ مَضْمَضَةً (12) .

1. قُبُل: قُدّام.
2. الأشراف ـ جمع شَرَف محركة ـ : العلو والعالي.
3. سِفاح الجبال: أسافلها.
4. الأثناء: منعطفات الأنهار.
5. الرِدْء ـ بكسر فسكون ـ : العون.
6. المَرَدّ ـ بتشديد الدال ـ : مكان الرد والدفع.
7. صَيَاصي: أعالي.
8. المَنَاكب: المرتفعات.
9. الهِضاب ـ جمع هَضْبة بفتح فسكون ـ : الجبل لايرتفع عن الارض كثيراً مع انبساط في أعلاه.
10. الرّماح كِفّة: أي بمثل كِفّة الميزان مستديرة حولكم محيطة بكم.
11. الغِرار ـ بكسر الغين ـ : النوم الخفيف.
12. المضمضة: أن ينام ثم يستيقط ثم ينام، تشبيهاً بمضمضة الماء في الفم يأخذه ثم يمجه، وهو أدق التشبيه وأجمله.

[ 40 ] ومن كلام له عليه السلام في الخوارج لما سمع قولهم: «لا حكم إلاّ لله» قال عليه السلام:

كَلِمَةُ حَقٍّ يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ! نَعَمْ إِنَّهُ لا حُكْمَ إِلاَّ للهِ، ولكِنَّ هؤُلاَءِ يَقُولُونَ:لاَ إِمْرَةَ، فَإِنَّهُ لاَبُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِير بَرّ أَوْ فَاجِر، يَعْمَلُ فِي إِمْرَتِهِ الْمُؤْمِنُ، وَيَسْتَمْتِعُ فِيهَا الْكَافِرُ، وَيُبَلِّغُ اللهُ فِيهَا الْأَجَلَ، وَيُجْمَعُ بِهِ الْفَيءُ، وَيُقَاتَلُ بِهِ الْعَدُوُّ، وَتَأْمَنُ بِهِ السُّبُلُ، وَيُؤْخَذُ بِهِ لِلضَّعِيفِ مِنَ الْقَوِيِّ، حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ، وَيُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِر. وفي رواية أُخرى أنّه عليه السلام لمّا سمع تحكيمهم قال: حُكْمَ اللهِ أَنْتَظِرُ فِيكُمْ. وقال: أَمَّا الْإِمْرَةُ الْبَرَّةُ فَيَعْمَلُ فيها التَّقِيُّ، وَأَمَّا الْإِمْرَةُ الْفَاجرَةُ فَيَتَمَتَّعُ فِيهَا الشَّقِيُّ، إلى أَنْ تَنْقَطِعَ مُدَّتُهُ، وَتُدْرِكَهُ مَنِيَّتُهُ.

[ 39 ] ومن خطبة له عليه السلام خطبها عند علمه بغزوة النعمان بن بشير صاحب معاوية لعين التمر وفيها يبدي عذره، ويستنهض الناس لنصرته

مُنِيتُ بِمَنْ لاَ يُطِيعُ إِذَا أَمَرْت (1) وَلا يُجِيبُ إِذَا دَعَوْتُ، لاَ أَبَا لَكُمْ! مَا تَنْتَظِرُونَ بِنَصْرِكُمْ رَبَّكُمْ؟ أَمَا دِينٌ يَجْمَعُكُمْ، وَلاَ حَمِيَّةَ تُحْمِشُكُمْ (2) ! أَقُومُ فِيكُمْ مُسْتَصْرِخاً (3) ، وَأُنادِيكُمْ مُتَغَوِّثاً (4) ، فَلاَ تَسْمَعُونَ لي قَوْلاً، وَلاَ تُطِيعُون لِي أَمْراً، حَتَّى تَكَشَّفَ الْأُمُورُ عَنْ عَوَاقِبِ الْمَساءَةِ، فَمَا يُدْرَكُ بِكُمْ ثَارٌ، وَلاَ يُبْلَغُ بِكُمْ مَرَامٌ، دَعَوْتُكُمْ إِلَى نَصْرِ إِخْوَانِكُمْ فَجَرْجَرْتُمْ (5) جَرْجَرَةَ الْجَمَلِ الْأَسَرِّ (6) ، وَتَثَاقَلْتُمْ تَثَاقُلَ الْنِّضْوِ الْأَدْبَرِ (7) ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ مِنْكُمْ جُنَيْدٌ مُتَذَائِبٌ ضَعِيفٌ (كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ). قال السيد الشريف: قوله عليه السلام: «مُتَذَائِبٌ» أي مضطرب، من قولهم: تذاءبت الريح أي اضطرب هبوبها، ومنه سمّي الذئب ذئباً، لاضطراب مشيته.

1. مُنِيتُ: بُلِيتُ.
2. تُحْمِشُكُم: تُغْضِبُكم على أعدائكم.
3. المُسْتَصرِخ: المستنصر (المستجلب من ينصره بصوته).
4. مُتَغَوّثاً: أي قائلا «وَاغَوْثاه».
5. جَرْجَرْتُمْ; الجرجرة: صوت يردده البعير في حنجرته عند عَسْفِهِ.
6. الاسَرّ: المصاب بداء السّرَر، وهو مرض في كَرْكَرَة البعير، أي زَوْرِهِ، ينشأ من الدّبَرَةِ والقرحة.
7. النّضْوِ: المهزول من الابل، والادْبَرَ: المدبور، أي: المجروح المصاب بالدّبَرة ـ بالتحريك ـ وهي العَقْرِ والجرح من القَتَبِ ونحوه.

[ 38 ] ومن خطبة له عليه السلام وفيها علة تسمية الشبهة شبهة، ثم بيان حال الناس فيها


وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الشُّبْهَةُ شُبْهَةً لاَِنَّهَا تُشْبِهُ الْحَقَّ، فَأَمَّا أَوْلِيَاءُ اللهِ فَضِيَاؤُهُمْ فِيهَا الْيَقِينُ، وَدَلِيلُهُمْ سَمْتُ الْهُدَى (1) ، وَأَمَّا أَعْدَاءُ اللهِ فَدُعَاؤُهُمْ فِيهَا الضَّلالُ، وَدَلِيلُهُمُ الْعَمَى، فَمَا يَنْجُو مِنَ المَوْتِ مَنْ خَافَهُ، وَلا يُعْطَى الْبَقَاءَ مَنْ أَحَبَّهُ.

1. سَمْتُ الهُدَى: طريقته.

[ 37 ] ومن كلام له عليه السلام يجري مجرى الخطبة وفيه يذكر فضائله - عليه السلام - قاله بعد وقعة النهروان


فَقُمْتُ بِالْأَمْرِ حِينَ فَشِلُوا (1) ، وَتَطَلَّعْتُ حِينَ تَقَبَّعُوا (2) ، وَ نَطَقْتُ حِينَ تَعْتَعُوا (3) وَمَضَيْتُ بِنُورِ اللهِ حِينَ وَقَفُوا، وَكُنْتُ أَخْفَضَهُمْ صَوْتاً، وَأَعْلاَهُمْ فَوْتاً (4) ، فَطِرْتُ بِعِنَانِهَا (5) ، وَاسْتَبْدَدْتُ بِرِهَانِهَا (6) ، كَالْجَبَلِ لاَ تُحَرِّكُهُ الْقَوَاصِفُ، وَلاَ تُزِيلُهُ الْعَوَاصِفُ. لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ فيَّ مَهْمَزٌ، وَلاَ لِقَائِلٍ فيَّ مَغْمَزٌ (7) ، الذَّلِيلُ عِنْدِي عَزِيزٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ لَهُ، وَالْقَوِيُّ عِنْدِي ضَعِيفٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مَنْهُ، رَضِينَا عَنِ اللهِ قَضَاءَهُ، وَسَلَّمْنَا لِلّهِ أَمْرَهُ. أَتَرَاني أَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَاللهِ لَأَنَا أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَهُ فَلاَ أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ. فَنَظَرْتُ في أَمْرِي، فَإِذَا طَاعَتِي قَدْ سَبَقَتْ بَيْعَتِي، وَإِذَا الميِثَاقُ في عُنُقِي لِغَيْرِي.

1. فَشِلُوا: خاروا وجَبُنوا، وليس معناها أخفقوا كما نستعملها الان.
2.تَقْبَّعُوا: اختبأوا, وأصله تَقَبَّع القنفذ إذا أدخل رأسه في جلده.
3. تَعْتَعُوا: ترددوا في كلامهم من عِيّ أوحَصَر.
4. الفوْت: السبق.
5. طِرْتُ بعِنَانِها: العنان للفرس معروف، وطاربه: سبق به.
6. اسْتَبْدَدْتُ بِرِهَانِها; الرهان: الجعل الذي وقع التراهن عليه، واستبددت به: انفردت به.
7. لم يكن فِيّ مَهْمَزٌ ولا مَغْمَزٌ: لم يكن فِيّ عيبٌ أُعاب به، وهو من الهمز: الوقيعة، والغمز: الطعن.

[ 36 ] ومن ومن خطبة له عليه السلام في تخويف أَهل النهروان (1)


فَأَنَا نَذِيرٌ لَكُمْ أَنْ تُصْبِحُوا صَرْعَى (2) بِأَثْنَاءِ هذَا النَّهَرِ، وَبِأَهْضَامِ (3) هذَا الْغَائِطِ (4) ، عَلَى غَيْرِ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ، وَلاَ سُلْطَانٍ مُبِينٍ مَعَكُمْ، قَدْ طَوَّحَتْ (5) بِكُمُ الدَّارُ، وَاحْتَبَلَكُمُ الْمِقْدَارُ (6) ، وَقَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ هذِهِ الْحُكُومَةِ فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ المُنَابِذِينَ، حَتَّى صَرَفْتُ رَأْيِي إِلَىْ هَوَاكُمْ، وَأَنْتُمْ مَعَاشِرُ أَخِفَّاءُ الْهَامِ ، سُفَهَاءُ الْأََحْلاَمِ (7) ، وَلَمْ آتِ ـ لاَ أَبَا لَكُمْ ـ بُجْراً (8) ، وَلاَ أَرَدْتُ لَكُمْ ضُرّاً. (9)

1. النّهْرَوان: السم لاسفل نهربين لَخَافيقَ، وطرفاه على مقربة من الكوفة في طرف صحراء حَرُوراء. وكان الذين خطّأوه في التحكيم قد نقضوا بيعته، وجهروا بعداوته، وصاروا له حرباً، واجتمع معظمهم عند ذلك الموضع، وهؤلاء يلقبون بالحَرُورِيّة، لما تقدم أن الارض التي اجتمعوا عليها كانت تسمى حَرُوراء، وكان رئيس هذه الفئة الضالة: حُرْقُوص بن زهير السعدي، ويُلقب بذي الثُّدَيّة (تصغير ثدية)، خرج إليهم أميرالمؤمنين يعظهم في الرجوع عن مقالتهم والعودة إلى بيعتهم، فأجابوا النصيحة برمي السهام وقتال أصحابه(عليه السلام)فأمر بقتالهم، وتقدم القتال بهذا الانذار الذي تراه، وقيل: إنه -عليه السلام- خاطب بها الخوارج الذين قتلهم بالنهروان.
2. صَرْعَى: جمع صرِيع، أي طريح.
3. الاهْضام: جمع هَضْم، وهو المطمئن من الوادي.
4. الغائط: ما سفل من الارض، والمراد هنا المنخفضات.
5. طَوّحَتْ بكم الدار: قَذَفَتْكم في مَتَاهَة وَمَضَلّة.
6. احْتَبَلَكُمُ المِقْدَارُ; احتبلكم: أوقعكم في حِبالته، والمقدار: القدر الالهي.
7. أخِفّاءُ الهامِ: ضعاف العقل; الهام: الرأس، وخفتها كناية عن الطيش وقلة العقل.
8. سُفَهَاء الاحلامِ; السفهاء: الحمقى، والاحلام: العقول.
9. البُجرْ ـ بالضم ـ : الشر والامر العظيم والداهية.

[ 35 ] ومن خطبة له عليه السلام بعد التحكيم وما بلغه من أمر الحكمين وفيها حمد الله على بلائه، ثمّ بيان سبب البلوى

الحمد على البلاء

الْحَمْدُ للهِ وَإنْ أَتَى الدَّهْرُ بِالْخَطْبِ الْفَادِحِ (1) ، وَالْحَدَثِ (2) الْجَلِيلِ. وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاّ اللهُ، لَاشَرِيكَ لَهُ, لَيْسَ مَعَهُ إِلهٌ غَيْرُهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. سبب البلوى أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ مَعْصِيَةَ النَّاصِحِ الشَّفِيقِ الْعَالِمِ الُْمجَرِّبِ تُورِثُ الْحَسْرَةَ، وَتُعْقِبُ النَّدَامَةَ. وَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ في هذِهِ الْحُكُومَةِ أَمْرِي، وَنَخَلْتُ لَكُمْ مَخزُونَ رَأْيِي (3) ، لَوْ كَانَ يُطَاعُ لِقَصِيرٍ (4) أَمْرٌ! فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ الْمُخَالِفِينَ الْجُفَاةِ، وَالْمُنَابِذِينَ الْعُصَاةِ، حَتَّى ارْتَابَ النَّاصِحُ بِنُصْحِهِ، وَضَنَّ الزَّنْدُ بِقَدْحِهِ (5) ، فَكُنْتُ وَإِيَّاكُمْ كَمَا قَالَ أَخُو هَوَازِنَ (6) :
أَمَرْتُكُمُ أَمْري بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى (7) فَلَمْ تَسْتَبِينُوا النُّصْحَ إِلاَّ ضُحَى الْغَدِ

1. الخَطْبُ الفادح: الثقيل، من فدحه الدَّيْن ـ كقطع ـ إذا أثقله وعاله وبَهَظَهُ.
2. الحَدَث ـ بالتحريك ـ : الحادث، والمراد هنا ما وقع من أمر الحكمين كما هو مشهور في التاريخ.
3. نَخَلْتُ لكم مخزونَ رأيي: أخلصته، من نخلت الدقيق بالمُنْخل.
4. قصير: هو مولى جذيمة المعروف بالابرش، والمثل مشهور في كتب الامثال.
5. (ضَنّ الزّنْدُ بقَدْحِهِ): هذه كناية أنه لم يَعُدْ لَهُ رأي صالح لشدة ما لقي من خلافهم.
6. (أخو هوازن): هو دُرَيْدبن الصِّمّة.
7. مُنْعَرَج اللّوى: اسم مكان، وأصل اللّوى من الرمل: الجدَدُ بعد الرّملة، وَمُنْعَرَجُهُ: منعطفهُ يمنةً ويسرة.

[ 34 ] ومن خطبة له عليه السلام في استنفار الناس إلى الشام بعد فراغه من أمر الخوارج وفيها يتأفف بالناس، وينصح لهم بطريق السداد


أُفٍّ لَكُمْ (1) ! لَقَدْ سَئِمْتُ عِتَابَكُمْ! أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ عِوَضاً؟ وَبِالذُّلِّ مِنَ الْعِزِّ خَلَفاً؟ إِذَا دَعَوْتُكُمْ إِلَى جِهَادِ عَدُوِّكُمْ دَارَتْ أَعْيُنُكُمْ (2) ، كَأَنَّكُمْ مِنَ الْمَوْتِ فِي غَمْرَةٍ (3) ، وَمِنَ الذُّهُولِ في سَكْرَةٍ، يُرْتَجُ (4) عَلَيْكُمْ حَوَارِي (5) فَتَعْمَهُونَ (6) ،فَكَأَنَّ قُلُوبَكُمْ مَأْلُوسَةٌ (7) ، فَأَنْتُمْ لاَ تَعْقِلُونَ. مَا أَنْتُمْ لي بِثِقَةٍ سَجِيسَ اللَّيَالي (8) ، وَمَا أَنْتُمْ بِرُكْنٍ يُمَالُ (9) بِكُمْ، وَلاَ زَوَافِرُ (10) عِزٍّ يُفْتَقَرُ إِلَيْكُمْ. مَا أَنْتُمْ إِلاَّ كَإِبِل ضَلَّ رُعَاتُهَا، فَكُلَّمَا جُمِعَتْ مِنْ جَانِبٍ انْتَشَرَتْ مِن آخَرَ، لَبِئْسَ ـ لَعَمْرُ اللهِ ـ سُعْرُ (11) نَارِ الْحَرْبِ أَنْتُمْ! تُكَادُونَ وَلاَ تَكِيدُونَ، وَتُنْتَقَصُ أَطْرَافُكُمْ فَلاَ تَمْتَعِضُونَ (12) ; لاَ يُنَامُ عَنْكُمْ وَأَنْتُمْ في غَفْلَةٍٍٍ سَاهُونَ، غُلِبَ وَاللهِ الْمُتَخَاذِلُونَ! وَأيْمُ اللهِ إِنِّي لْأَظُنُّ بِكُمْ أنْ لَوْ حَمِسَ (13) الْوَغَى (14) ، وَاسْتَحَرَّ الْمَوْتُ (15) ، قَدِ انْفَرَجْتُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ انْفِرَاجَ الرَّأْسِ (16) . وَاللهِ إِنَّ امْرَأً يُمَكِّنُ عَدُوَّهُ مِنْ نَفْسِهِ يَعْرُقُ لَحْمَهُ (17) ، وَيَهْشِمُ عَظْمَهُ، وَيَفْرِي (18) جِلْدَهُ، لَعَظِيمٌ عَجْزُهُ، ضَعِيفٌ ماضُمَّتْ عَلَيْهِ جَوَانِحُ صَدْرِهِ (19) . أَنْتَ فَكُنْ ذَاكَ إِنْ شِئْتَ،فَأَمَّاأَنَا فَوَاللهِ دُونَ أَنْ أُعْطِيَ ذلِكَ ضَرْبٌ بِالْمَشْرَفِيَّةِ (20) تَطِيرُ مِنْهُ فَرَاشُ الْهَامِ (21) ، وَتَطِيحُ (22) السَّوَاعِدُ وَالْأَقْدَامُ، وَيَفْعَلُ اللهُ بَعْدَ ذلِكَ مَا يَشَاءُ.
طريق السداد
أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً، وَلَكُمْ عَلَيَّ حَقٌّ: فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ: فَالنَّصِيحَةُ لَكُمْ، وَتَوْفِيرُ فَيْئِكُمْ (23) عَلَيْكُمْ، وَتَعْلِيمُكُمْ كَيْلا تَجْهَلُوا، وَتَأْدِيبُكُمْ كَيْما تَعْلَمُوا. وَأَمَّا حَقِّي عَلَيْكُمْ فَالوَفَاءُ بِالبَيْعَةِ، وَالنَّصِيحَةُ في الْمَشْهَدِ وَالْمَغِيبِ، وَالْإِجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ، وَالطَّاعَةُ حِينَ آمُرُكُمْ.

1. أُفّ لكم: كلمة تضَجّر واستقذار ومهانة.
2. دوَرَان الأعين: اضطرابها من الجزع.
3. الغمرة: الواحدة من الغمر وهو: الستر، وغمرة الموت: الشدّة الّتى ينتهي إليها المحتضر.
4. يُرْتَجُ: بمعنى يغلق، تقول: رتج الباب أي: أغلقه.
5. الحَوار ـ بالفتح وربما كسر ـ : المخاطبة ومراجعة الكلام.
6. تَعْمَهُون: مضارع عَمِهَ، أي تَتَحَيّرون وتتردّدون.
7. المَألُوسة: المخلوطة بمس الجنون.
8. سَجِيس ـ بفتح فكسر ـ : كلمة تقال بمعنى أبداً، وسجيس: أصله من «سجس الماء» بمعنى تغيّر وتكدّر، وكان أصل الاستعمال: «مادامت الليالي بضلامها».
9. يُمال بكم: يُمَال على العدو بعزكم و قوتكم.
10. الزّافرة من البناء: رُكْنُهُ، ومن الرجل عشيرته وأنصاره.
11. السَّعْر ـ بالفتح ـ مصدر سَعَرَ النار ـ من باب نَفَعَ ـ : أوقدها، وبالضم جمع ساعر، وهو ما أثبتناه، والمراد «لبئس مُوقدوا الحرب أنتم».
12. امْتَعَضَ: غَضِبَ.
13. حَمِسَ ـ كفَرِحَ ـ : اشتد وصَلُبَ في دينه فهو حَمِسٌ.
14. الوَغى: الحرب، وأصله الصوت والجَلَبَة.
15. اسْتَحَرّ: بلغ في النفوس غاية حدّته.
16. انفرجتم انفراج الرأس: أي كما ينفلق الرأس فلا يلتئم.
17. يَعْرُقُ لَحْمَهُ: يأكل حتى لا يبقى منه شيء على العظم.
18. فَرَاه يَفْريه: مَزّقَهُ يمزقه.
19. ما ضُمت عليه الجوانح: هو القلب وما يتبعه من الأوعية الدموية، والجوانح: الضلوح تحت الترائب، والترائب: ما يلي التّرْقُوَتَينِ من عَظْم الصدر.
20. المَشْرفِيّة: هي السيوف التي تنسب إلى مشارف، وهي قرى من أرض العرب تدنو إلى الريف، ولا يقال في النسبة إليها: مشارفي، لأن الجمع ينسب إلى واحدة.0
21. فَرَاشُ الهامِ: العظام الرقيقة التي تلي القحف.
22. تَطِيحُ السواعِدُ: تَسْقُطُ، وفعله كباع وقال.
23. الفَيْء: الخَرَاج وما يحويه بيت المال.

[ 33 ] ومن خطبة له عليه السلام عند خروجه لقتال أهل البصرة، وفيها حكمة مبعث الرسل، ثمّ يذكر فضله ويذم الخارجين


قال عبدالله بن عباس رضي الله عنه: دخلت على أَمِيرَالْمُؤْمِنِين عليه السلام بذي قار وهو يخصِف نعله (1) فقلت: لا قيمةَ لها! قال: والله لَهِيَ أَحَبُّ إِليَّ من إِمرتكم، إِلاّ أَن أُقيم حقّاً، أَوأَدفع باطلاً، ثمّ خرج عليه السلام فخطب الناس فقال:
حكمة بعثة النبي

إنَّ اللهَ سُبحانَه بَعَثَ مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقْرَأُ كِتَاباً، وَلاَ يَدَّعِي نُبُوَّةً، فَسَاقَ النَّاسَ حَتَّى بَوَّأَهُمْ مَحَلَّتَهُمْ (2) ، وَبَلَّغَهُمْ مَنْجَاتَهُمْ، فَاسْتَقَامَتْ قَنَاتُهُمْ (3) ، وَاطْمَأَنَّتْ صِفَاتُهُمْ.
فضل عليّ
 أَمَا وَاللهِ إنْ كُنْتُ لَفِي سَاقَتِهَا (4) حَتَّى تَوَلَّتْ بِحَذَافِيرِهَا (5) ، مَا عَجَزْتُ،وَلاَ جَبُنْتُ، وَإِنَّ مَسِيرِي هذَا لِمثْلِهَا، فَلاََنْقُبَنَّ (6) الْبَاطِلَ حَتَّى يَخْرُجَ الْحَقُّ مِنْ جَنْبِهِ.
توبيخ الخارجين
 عليه مَالي وَلِقُرَيْش! وَاللهِ لَقَدْ قَاتَلْتُهُمْ كَافِرِينَ، وَلاَُقَاتِلَنَّهُمْ مَفْتُونِينَ، وَإِنِّي لَصَاحِبُهُمْ بِالاَْمْسِ، كَمَا أَنَا صَاحِبُهُمُ الْيَوْمَ! وَ اللهِ مَا تَنْقِمُ مِنَّا قَرَيْشٌ إَلَّا أَنَّ اللهَ اخْتَارَنَا عَلَيْهِمْ, فَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي حَيِّزِنَا, فَكَانُوا كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ:
أَدَمْتُ لَعُمْرِي شُرْبَكَ الْمَحْضَ (7) صَابِحاً وَ أَكْلَكَ بِالزَبَدِ ألْمُقَشَّرَةَ الْبُجْرَا وَ نَحْنُ وَهَبْنَاكَ الْعَلَاءَ وَ لَمْ تَكُنْ عَلِيًّا, وَحُطْنَا حَوْلَكَ الْجُرْدُ وَ السُّمْرَا

1. يَخْصِفُ نَعْلَهُ: يَخْرزها.
2. بَوّأهُمْ مَحَلّتَهم: أنْزَلَهُمْ منزلتهم.
3. القناة: العود والرمح، والمراد به القوة والغلبة والدولة، وفي قوله: (استقامت قناتهم) تمثيل لاستقامة أحوالهم.
4. الساقَةُ: مؤخّر الجيش السائق لِمُقَدّمه.
5. ولّتْ بحذافيرها: بجملتها وأسرها.
6. نَقَبَ: بمعنى ثَقَبَ، وفي قوله: (لانْقُبَنّ الباطلَ) تمثيل لحال الحق مع الباطل كأن الباطل شيء اشتمل على الحق فستره، وصار الحق في طيّه، فلابد من كشف الباطل وإظهار الحق.
7. اَلمحضُ:اللبن الخالص بلارغوة.

[ 32 ] ومن خطبة له عليه السلام وفيها يصف زمانه بالجور، ويقسم الناس فيه خمسة أصناف، ثم يزهد في الدنيا

معنى جور الزمان
أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا قَدْ أَصْبَحْنَا في دَهْر عَنُودٍ (1) ، وَزَمَن كَنُودٍ (2) ، يُعَدُّ فِيهِ الُمحْسِنُ مُسِيئاً، وَيَزْدَادُ الظَّالِمُ فِيهِ عُتُوّاً، لاَ نَنْتَفِعُ بِمَا عَلِمْنَا، وَلاَ نَسْأَلُ عَمَّا جَهِلْنَا، وَلاَ نَتَخَوَّفُ قَارِعَةً (3) حَتَّى تَحُلَّ بِنَا.
أصناف المسيئين
فَالنَّاسُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَصْنَاف: مِنْهُمْ مَنْ لاَ يَمْنَعُهُ الفَسَادَ في الْأَرْضِ إِلاَّ مَهَانَةُ نَفْسِهِ، وَكَلاَلَةُ حَدِّهِ (4) ، وَنَضِيضُ وَفْرِهِ (5) . وَمِنْهُمُ الْمُصْلِتُ لِسَيْفِهِ، وَالْمُعْلِنُ بِشَرِّهِ، وَالْمُجْلِبُ بِخَيْلِهِ (6) وَرَجِلِهِ (7) ، قَدْ أَشْرَطَ نَفْسَهُ (8) ، وَأَوْبَقَ دِينَهُ (9) لِحُطَامٍ (10) يَنْتَهِزُهُ (11) ، أَوْ مِقْنَبٍ (12) يَقُودُهُ، أَوْ مِنْبَرٍ يَفْرَعُهُ (13) . وَلَبِئْسَ الْمَتْجَرُ أَنْ تَرَى الدُّنْيَا لِنَفْسِكَ ثَمَناً، وَمِمَّا لَكَ عِنْدَ اللهِ عِوَضاً! وَمِنْهُمْ مَنْ يَطلُبُ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الآخِرَةِ، وَلاَ يَطْلُبُ الآخِرَةَ بِعَمَلِ الدُّنْيَا، قَدْ طَامَنَ (14) مِنْ شَخْصِهِ، وَقَارَبَ مِنْ خَطْوِهِ، وَشَمَّرَ مِنْ ثَوْبِهِ، وَزَخْرَفَ مِنْ نَفْسِهِ لِلْأَمَانَةِ، وَاتَّخَذَ سِتْرَ اللهِ ذَرِيعَةً (15) إِلَى الْمَعْصِيَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَبْعَدَهُ عَنْ طَلَبِ الْمُلْكِ ضُؤُولَةُ نَفْسِهِ (16) ، وَانْقِطَاعُ سَبَبِهِ، فَقَصَرَتْهُ الْحَالُ عَلَى حَالِهِ، فَتَحَلَّى بِاسْمِ الْقَنَاعَةِ، وَتَزَيَّنَ بِلِبَاسِ أَهْلِ الزَّهَادَةِ، وَلَيْسَ مِنْ ذلِكَ في مَرَاحٍ (17) وَلاَ مَغْدىً (18) . الراغبون في الله وَبَقِيَ رِجَالٌ غَضَّ أَبْصَارَهُمْ ذِكْرُ الْمَرْجِعِ، وَأَرَاقَ دُمُوعَهُمْ خَوْفُ الْمَحْشَرِ، فَهُمْ بَيْنَ شَرِيدٍ نَادٍّ (19) ، وَخَائِفٍ مَقْمُوعٍ (20) ، وَسَاكِتٍ مَكْعُومٍ (21) ، وَدَاعٍ مُخْلِصٍ، وَثَكْلاَنَ (22) مُوجَعٍ، قَدْ أَخْمَلَتْهُمُ (23) التَّقِيَّةُ (24) ، وَشَمِلَتْهُمُ الذِّلَّةُ، فَهُمْ في بَحْر أُجَاجٍ (25) ، أَفْوَاهُهُمْ ضَامِزَةٌ (26) ، وَقُلُوبُهُمْ قَرِحَةٌ (27) ، قَدْ وَعَظُوا حَتَّى مَلُّوا (28) ، وَقُهِرُوا حَتَّى ذَلُّوا، وَقُتِلُوا حَتَّى قَلُّوا. 
التزهيد في الدنيا
فَلْتَكُنِ الدُّنْيَا أَصْغَرَ في أَعْيُنِكُمْ مِنْ حُثَالَةِ (29) الْقَرَظِ (30) ، وَقُرَاضَةِ الْجَلَمِ (31) ، وَاتَّعِظُوا بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَّعِظَ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ; وَارْفُضُوهَا ذَمِيمَةً، فَإِنَّهَا قَدْ رَفَضَتْ مَنْ كَانَ أَشْغَفَ بِهَا مِنْكُمْ (32) . قال السيد الشريف _ رضي اللّه عنه _:أقول: وهذه الخطبة ربما نسبها من لا علم له بها إلى معاوية، وهي من كلام أميرالمؤمنين عليه السلام الذي لا يشك فيه، وأين الذهب من الرّغام (33) !والعذب من الاجاج! وقد دلّ على ذلك الدليل الخِرِّيِت (34) ونقده الناقد البصير عمروبن بحر الجاحظ; فإنه ذكر هذه الخطبة في كتابه «البيان والتبيين» وذكر من نسبها إلى معاوية، ثم تكلم من بعدها بكلام في معناها، جملته أنه قال: وهذا الكلام بكلام علي عليه السلام أشبه، وبمذهبه في تصنيف الناس وفي الإخبار عماهم عليه من القهر والإذلال ومن التقية والخوف أليق. قال: ومتى وجدنا معاوية في حال من الأحوال يسلك في كلامه مسلك الزهاد، ومذاهب العُبّاد!

1. العَنُود: الجائر ـ من «عَنَدَ يَعْنُدُ» كنصر ـ : جار عن الطريق وعدل.
2. الكَنُود: الكَفُور.
3. القارعة: الخَطْب يقرع من ينزل به، أي يصيبه.
4. كَلالَةَ حَدّهِ: ضعف سلاحه عن القطع في أعدائه، يُقال: كَلّ السيف كَلالَةً أذا لم يقطع، والمُراد إعوازه من السلاح.
5. نَضيضُ وَفْرِهِ: قلّة ماله، فالنضيض: القليل، والوفر: المال.
6. المُجْلِبُ بخَيْلِهِ: مِنْ «أجْلَبَ القوْمُ» أي جلبوا وتجمعوا من كل أوب للحرب.
7. الرَّجِل: جمع راجل.
8. «أشرط نفسه»: هيأها وأعدها للشر والفساد في الارض.
9. «أوْبَقَ دِينَه»: أهلكه.
10. الحطام: المال، وأصله ما تكسرَ من اليبس.
11. ينتهزه: يغتنمه أويختلسه.
12. المِقْنَب: طائفة من الخيل ما بين الثلاثين إلى الاربعين.
13. فَرَعَ المنبر ـ بالفاء ـ : علاه.
14. طَامَنَ: خَفَضَ.
15. الذريعة: الوسيلة.
16. ضؤولة النفس ـ بالضم ـ : حقارتها.
17. مَرَاح ـ مصدر ميمي من راح ـ : إذا ذهب في العشي.
18. مَغْدَى ـ مصدر ميمي من غدا ـ : إذا ذهب في الصباح.
19. النّادّ: المنفرد الهارب من الجماعة إلى الوحدة.
20. المقموع: المقهور.
21. المكعوم: من «كَعَمَ البعيرَ» شدّ فاه لئلاّ يأكل أويعضّ.
22. ثَكْلان: حزين.
23. أخمله: أسقط ذكره حتى لم يَعُد له بين الناس نباهة.
24. التّقِيّة: اتقاء الظلم بإخفاء المال.
25. الاُجاج: الملح.
26. ضامزة: ساكنة.
27. قَرِحَة ـ بفتح فكسر ـ : مجروحة.
28. ملّوا: أي أنهم أكثروا من وعظ الناس حتى سئموا ذلك، إذْ لم يكن لهم في النفوس تأثير.
29. الحُثالة ـ بالضم ـ : القُشارة ومالا خير فيه، وأصله ما يسقط من كل ذي قِشْر.
30. القَرَظ ـ محركة ـ : ورق السلم أوثمر السنط يدبغ به.
31. الجَلَم ـ بالتحريك ـ : مِقراض يُجَزّ به الصوف، وقُراضته: ما يسقط منه عند القرض والجزّ.
32. أشْغَفَ بها: أشد تعلقاً بها.
33. الرّغام ـ بالفتح ـ : التراب، وقيل: هوالرمل المختلط بالتراب.
34. الخِرّيت ـ بوزن سِكّيت ـ : الحاذق في الدلالة، وفعله كفرح.

[ 31 ] ومن كلام له عليه السلام لمّا أنفذ عبدالله بن العباس إلى الزبير يستفيئه إلى طاعته قبل حرب الجمل


لاتَلْقَيَنَّ طَلْحَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ تَلْقَهُ تَجِدْهُ كَالثَّوْرِ عَاقِصاً قَرْنَهُ (1) ، يَرْكَبُ الصَّعْبَ (2) وَيَقُولُ: هُوَ الذَّلُولُ، وَلكِنِ الْقَ الزُّبَيْرَ، فَإِنَّهُ أَلْيَنُ عَرِيكَةً (3) ، فَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ ابْنُ خَالِكَ: عَرَفْتَني بَالْحِجَازِ وَأَنْكَرْتَنِي بِالعِرَاقِ، فَمَا عَدَا مِمَّا بَدَا (4) . قال السيد الشريف: وهو عليه السلام أوّل من سمعت منه هذه الكلمة، أعني: «فَمَا عَدَا مِمَّا بَدَا».

1. عاقصاً قَرْنه: من «عقص الشعر» إذا ضفره وفَتله ولواه، كناية عن تغطرسه وكِبره.
2. يركب الصعب: يستهين به ويزعم أنه ذلول سهل، والصعب: الدابة الجموح.
3. العريكة: الطبيعة والخلق، وأصل العَرْك دَلكُ الجسد بالدّباغ وغيره.
4. عَداهُ الامرُ: صرفه، وبَدَا: ظَهَرَ، والمراد: ماالذي صرفك عما كان بدا وظهر منك؟