نهج البلاغة

وهو مجموعة خطب مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وأوامره وكتبه ورسائله وحكمه ومواعظه تأليف: الشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام

الجمعة، 2 مارس 2012

بابُ المُخْتَارِ مِنْ حِكَمِ أَمِيرالمؤمنين عليه السلام ِ وَيَدْخُلُ في ذلِكَ المخُتَارُمِنْ أَجْوِبَةِ مَسَائِلِهِ وَالْكَلاَمِ القصير الخارج في سائِرِ اَغْراضِهِ (من 101 الى 150 )


101. وقال عليه السلام: لاَ يَسْتَقِيمُ قَضَاءُ الْحَوَائِجِ إِلاَّ بِثَلاَثٍ: بِاسْتِصْغَارِهَا (1) لِتَعْظُمَ، وَبِاسْتِكْتَامِهَا (2) لِتَظْهَرَ، بِتَعْجِيلِهَا لِتَهْنَؤَ (3) .
102. وقال عليه السلام: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يُقَرَّبُ فِيهِ إِلاَّ الْمَاحِلُ (4) وَلاَ يُظَرَّفُ (5) فِيهِ إِلاَّ الْفَاجِرُ، وَلاَ يُضَعَّفُ (6) فِيهِ إِلاَّ الْمُنْصِفُ، يَعِّدُونَ الصَّدَقَةَ فِيِه غُرْماً (7) ، وَصِلَةَ الرَّحِمِ مَنّاً (8) وَالْعِبَادَةَ اسْتِطَالَةً (9) عَلَى النَّاسِ! فَعِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ السُّلْطَانُ بِمَشُورَةِ النِّسَاءِ، وَإِمَارَةِ الصِّبْيَانِ، وَتَدْبِيرِ الْخِصْيَانِ!
103. ورئي عليه إزار خَلَقٌ مرقوع، فقيل له في ذلك, فقال: يَخْشَعُ لَهُ الْقَلْبُ، وَتَذِلُّ بِهِ النَّفْسُ، وَيَقْتَدِي بِهِ الْمُؤْمِنُونَ. إِنَّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ عَدُوَّانِ مُتَفَاوِتَانِ، وَسَبِيلاَنِ مُخْتَلِفَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ الدُّنْيَا وَتَوَلاَّهَا أَبْغَضَ الْآخِرَةَ وَعَادَاهَا، وَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَمَاشٍ بَيْنَهُمَا، كُلَّمَا قَرُبَ مِنْ وَاحِدٍ بَعُدَ مِنَ الْآخَرِ وَهُمَا بَعْدُ ضَرَّتَانِ!
104. وعن نوفٍ البِكاليّ، قال: رأيت أميرالمؤمنين عليه السلام ذات ليلة، وقد خرج من فراشه، فنظر في النجوم فقال: يا نوف، أراقد أنت أم رامق؟ فقلت: بل رامق (10) . قال: يَا نَوْفُ، طُوبَى لِلزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا، الرَّاغِبِينَ فِي الْآخِرَةِ، أُولئِكَ قَوْمٌ اتَّخَذُوا الْأَرْضَ بِسَاطاً، وَتُرَابَهَا فِرَاشاً، وَمَاءَهَا طِيباً، وَالْقُرْآنَ شِعَاراً (11) وَالدُّعَاءَ دِثَاراً (12) ثُمَّ قَرَضُوا (13) الدُّنْيَا قَرْضاً عَلَى مِنْهَاجِ (14) الْمَسِيحِ. يَا نَوْفُ، إِنَّ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَامَ فِى مِثْلِ هذِهِ السَّاعَةِ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ: إِنَّهَا سَاعَةٌ لاَ يَدْعُو فِيهَا عَبْدٌ إِلاَّ اسْتُجِيبَ لَهُ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَشَّاراً (15) أَوْ عَرِيفاً (16) أَوْ شُرْطِيّاً (17) أَوْ صَاحِبَ عَرْطَبَةٍ (وهي الطنبور) أَوْ صَاحِبَ كَوْبَةٍ (وهي الطبل، وقد قيل أيضاً: إنّ العَرْطَبَةَ: الطبلُ، والكوبةَ: الطنبور).
105. وقال عليه السلام: إِنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْكُمُ فَرَائِضَ فَلاَ تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ لَكُمْ حُدُوداً فَلاَ تَعْتَدُوهَا، وَنَهَاكُمْ عَنْ أَشْيَاءَ فَلاَ تَنْتَهِكُوهَا (18) وَسَكَتَ لَكُمْ عَنْ أَشْيَاءَ وَلَمْ يَدَعْهَا نِسْيَاناً فَلاَ تَتَكَلَّفُوهَا (19) .
106. وقال عليه السلام: لاَ يَتْرُكُ النَّاسُ شَيْئاً مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ لْإِسْتِصْلاَحِ دُنْيَاهُمْ إلاَّ فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِمْ مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْهُ.
107. وقال عليه السلام: رُبَّ عَالِمٍ قَدْ قَتَلَهُ جَهْلُهُ، وَعِلْمُهُ مَعَهُ لاَ يَنْفَعُهُ.
108. وقال عليه السلام: لَقَدْ عُلِّقَ بِنِيَاطِ (20) هذَا الْإِنْسَانِ بَضْعَةٌ (21) هِيَ أَعْجَبُ مَا فِيهِ: وَذلِكَ الْقَلْبُ، وَلَهُ مَوَادَّ مِنَ الْحِكْمَةِ وَأَضْدَادٌ مِنْ خِلاَفِهَا، فَإِنْ سَنَحَ (22) لَهُ الرَّجَاءُ أَذَلَّهُ الطَّمَعُ، وَإِنْ هَاجَ بِهِ الطَّمَعُ أَهْلَكَهُ الْحِرْصُ و اِنْ مَلَكَهُ الْيَأْسُ قَتَلَهُ الْأَسَفُ، وإِنْ عَرَضَ لَهُ الْغَضَبُ اشتَدَّ بِهِ الْغَيْظُ، وَإِنْ أَسْعَدَهُ الرِّضَى نَسِيَ التَّحَفُّظَ (23) ، إِنْ غَالَهُ الْخَوْفُ شَغَلَهُ الْحَذَرُ، وَإِن اتَّسَعَ لَهُ الْأَمْرُ اسْتَلَبَتْهُ الْغِرَّةُ (24) وَإِنْ أَفَادَ (25) مَالاً أَطْغَاهُ الغِنَى، وَإِن أَصَابَتهُ مُصِيبَةٌ فَضَحَهُ الْجَزَعُ، وَإِنْ عَضَّتْهُ الْفَاقَةُ (26) شَغَلَهُ الْبَلاَءُ، وَإِنْ جَهَدَهُ (27) الْجُوعُ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ، وإِنْ أَفْرَطَ بِهِ الشِّبَعُ كَظَّتْهُ (28) الْبِطْنَةُ (29) . فَكُلُّ تَقْصِيرٍ بِهِ مُضِرٌّ، وَكُلُّ إِفْرَاطٍ لَهُ مُفْسِدٌ.
109. وقال عليه السلام: نَحْنُ الْنُّمْرُقَهُ الْوُسْطَي (30) , بِهَا يَلْحَقُ التَّالِي، وَإِلَيْهَا يَرْجِعُ الْغَالِي (31) .
110. وقال عليه السلام: لاَ يُقِيمُ أَمْرَ اللهِ سُبْحَانَهُ إلاَّ مَنْ لاَ يُصَانِعُ (32) وَلاَ يُضَارِعُ (33) وَلاَ يَتَّبِعُ الْمَطَامِعَ (34) .
111. وقال عليه السلام وقد توفي سهل بن حُنَيْفٍ الاَنصاري بالكوفة بعد مرجعه معه من صفين، وكان من أحبّ الناس إليه:
لَوْ أَحَبَّنِي جَبَلٌ لَتَهَافَتَ (35) . معنى ذلك: أنّ المحنة تغلظ عليه، فتسرع المصائب إليه، ولا يفعل ذلك إلاَّ بالْأَتقياء الْأَبرار والمصطفين الْأَخيار، وهذا مثل قوله عليه السلام :
112. مَنْ أَحَبَّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَلْيَسْتَعِدَّ لِلْفَقْرِ جِلْبَاباً. وقد تُؤُوّل ذلك على معنى آخر ليس هذا موضع ذكره.
113. وقال عليه السلام: لاَ مَالَ أَعْوَدُ (36) مِنَ الْعَقْلِ، وَلاَ وَحْدَةَ أَوْحَشُ مِنَ الْعُجْبِ (37) ، وَلاَ عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ، وَلاَ كَرَمَ كَالتَّقْوَى، وَلاَ قَرِينَ كَحُسْنَ الْخُلْقِ وَلاَ مِيرَاثَ كَالْأَدَبِ، وَلاَ قَائِدَ كَالتَّوْفِيقِ، وَلاَ تِجَارَةَ كَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَلاَ رِبْحَ كَالثَّوَابِ، وَلاَ وَرَعَ كالْوُقُوفِ عِنْدَ الشُّبْهَةِ، وَلاَ زُهْدَ كَالزُّهْدِ فِي الْحَرَامِ، ولاَ عِلْمَ كَالتَّفَكُّرِ، وَلاَ عِبَادَةَ كَأَدَاءِ الْفَرائِضِ، وَلاَ إِيمَانَ كَالْحَيَاءِ وَالصَّبْرِ، وَلاَ حَسَبَ كَالتَّوَاضُعِ، وَلاَ شَرَفَ كَالْعِلْمِ، وَلاَ عِزَّ كَألْحَلْمِ. وَلاَ مُظَاهَرَةَ أَوْثَقُ مِن الْمُشَاوَرَةِ.
114. وقال عليه السلام: إِذَا اسْتَوْلَى الصَّلاَحُ عَلَى الزَّمَانِ وَأَهْلِهِ, ثُمَّ أَسَاءَ رَجُلٌ الظَّنَّ بِرَجُلٍ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ حَوْبَةٌ (38) فَقَدْ ظَلَمَ! وَإِذَا اسْتَوْلَى الْفَسَادُ عَلَى الزَّمَانِ وأَهْلِهِ فَأَحْسَنَ رَجُلٌ الظَّنَّ بِرَجُلٍ فَقَدْ غَرَّرَ (39) !
115. وقيل له عليه السلام: كيف نجدك يا أميرالمؤمنين؟ فقال: كَيْفَ يَكُونُ مَنْ يَفْنَى بِبِقَائِهِ (40) , وَيَسْقَمُ بِصِحَّتِهِ (41) وَيُؤْتَى مِنْ مَأْمَنِهِ (42) .
116. وقال عليه السلام: كَمْ مِنْ مُسْتَدْرَجٍ (43) بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِ، وَمَغْرورٍ بِالسَّتْرِ عَلَيْهِ، وَمَفْتُونٍ بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ! وَمَا ابْتَلَى (44) اللهُ أَحَداً بِمِثْلِ الْإِمْلاَءِ لَهُ (45) .
117. وقال عليه السلام: هَلَكَ فِيَّ رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ غَالٍ (46) وَ مُبْغِضٌ قَالٍ (47) .
118. وقال عليه السلام: إضَاعَةُ الْفُرْصَةِ غُصَّةٌ.
119. وقال عليه السلام: مَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ الْحَيَّةِ لَيِّنٌ مَسُّهَا، وَالسُّمُّ النَّاقِعُ فِي جَوْفِهَا، يَهْوِي إِلَيْهَا الْغِرُّ الْجَاهِلُ، وَيَحْذَرُهَا ذُواللُّبِّ الْعَاقِلُ!
120. وقال عليه السلام وقد سئل عن قريش: أَمَّا بَنُو مَخْزُومٍ فَرَيْحَانَةُ قُرَيْشٍ، نُحِبُّ حَدِيثَ رِجَالِهِمْ، وَالنِّكَاحَ فِي نِسَائِهِمْ. وَأَمَّا بَنُو عَبْدِ شَمسٍ فَأَبْعَدُهَا رَأْياً، وَأَمْنَعُهَا لِمَا وَرَاءَ ظُهُورِهَا. وَأَمَّا نَحْنُ فَأَبْذَلُ لِمَا فِي أَيْدِينَا، وَأَسْمَحُ عِنْدَ الْمَوْتِ بِنُفُوسِنَا. وَهُمْ أَكْثَرُ وَأَمْكَرُ وَأَنْكَرُ، وَنَحْنُ أَفْصَحُ وَأَنْصَحُ وَأَصْبَحُ.
121. وقال عليه السلام: شَتَّانَ مَا بَيْنَ عَمَلَيْنِ: عَمَلٍ تَذْهَبُ لَذَّتُهُ وَتَبْقَى تَبِعَتُهُ، وَعَمَلٍ تَذْهَبُ مَؤُونَتُهُ وَيَبْقَى أَجْرُهُ.
122. وتبع جنازة فسمع رجلاً يَضحك، فقال عليه السلام: كَأَنَّ الْمَوْتَ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا كُتِبَ، وَكَأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا وَجَبَ، وَكَأَنَّ الَّذِي نَرَى مِنَ الْأَمْوَاتِ سَفْرٌ (48) عَمَّا قَلِيلٍ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ! نُبَوِّئُهُمْ (49) أَجْدَاثَهُمْ (50) نَأْكُلُ تُرَاثَهُمْ (51) كَأَنَّا مُخَلَّدُونَ، بَعْدَهُمْ ! ثُمَّ قَدْ نَسِينَا كُلَّ وَاعِظٍ وَوَاعِظَةٍ، وَرُمِينَا بِكُلِّ فَادِحٍ وَ جَائِحَةٍ (52) !!
123. وقال عليه السلام: طُوبَى لِمَنْ ذَلَّ فِي نَفْسِهِ، وَطَابَ كَسْبُهُ، وَصَلَحَتْ سَرِيرَتُهُ، وَحَسُنَتْ خَلِيقَتُهُ (53) َوأَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ، وَأَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ لِسَانِهِ، وَعَزَلَ عَنِ النَّاسِ شَرَّهُ، وَوَسِعَتْهُ السُّنَّةُ، وَلَمْ يُنْسَبْ إِلَى الْبِدْعَةِ. قال الرضي: أقول: ومن الناس من ينسب هذا الكلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وكذالك الذي قبله.
124. وقال عليه السلام: غَيْرَةُ الْمَرْأَةِ كُفْرٌ (54) وَغْيْرَةُ الرَّجُلِ إيمَانٌ.
125. وقال عليه السلام: لاَََنْسُبَنَّ الْإِسْلاَمَ نِسْبَةً لَمْ يَنسُبْهَا أَحَدٌ قَبْلِي. الْإِسْلاَمُ هُوَ التَّسْلِيمُ، وَالتَّسْلِيمُ هُوَ الْيَقِينُ، وَالْيَقِينُ هُوَ التَّصْدِيقُ، وَالتَّصْدِيقُ هُوَ الْإِقْرَارُ، وَالْإِقْرَارُ هُوَ الْأَدَاءُ، وَالْأَدَاءُ هَوَ الْعَمَلُ.
126. وقال عليه السلام: عَجِبْتُ لِلْبَخِيلِ يَسْتَعْجِلُ الْفَقْرَ (55) الَّذِي مِنْهُ هَرَبَ، وَيَفُوتُهُ الْغِنَى الَّذِى إِيَّاهُ طَلَبَ، فَيَعِيشُ فِي الدُّنْيَا عَيْشَ الْفُقَرَاءِ، وَيُحَاسَبُ فِي الْآخِرَةِ حِسَابَ الْأَغْنِيَاءِ. وَعَجِبْتُ لِلْمُتَكَبِّرِ الَّذِي كَانَ بِالْأَمْسِ نُطْفَةً، وَيَكُونُ غَداً جِيفَةً. وَعَجِبْتُ لِمَنْ شَكَّ فِي اللهِ، وَهُوَ يَرَى خَلْقَ اللهِ. وَعَجِبْتُ لِمَنْ نَسِيَ الْمَوْتَ، وهُوَ يَرَى الْمَوْتَى. وَعَجِبْتُ لِمَن أَنْكَرَ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى، وَهُوَ يَرَى النَّشْأَةَ الْأُولَى. وَعَجِبْتُ لِعَامِرٍ دَارَ الْفَنَاءِ، وَتَارِكٍ دَارَ الْبَقَاءِ.
127. وقال عليه السلام: مَنْ قَصَّرَ فِي الْعَمَلِ ابْتُلِيَ بِالْهَمِّ، وَلاَ حَاجَةَ لِلَّهِ فِيمَنْ لَيْسَ لِلَّهِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ نَصِيبٌ.
128. وقال عليه السلام: تَوَقَّوا الْبَرْدَ (56) فِي أَوَّلِهِ، وَتَلَقَّوْهُ (57) فِي آخِرِهِ، فَإِنَّهُ يَفْعَلُ فِي الْأَبْدَانِ كَفِعْلِهِ فِي الْأَشْجَارِ، أَوَّلُهُ يُحْرِقُ وَ آخِرُهُ يُورقُ (58) .
129. وقال عليه السلام: عِظَمُ الخالِقِ عِنْدَكَ يُصَغِّرُ الْمَخْلُوقَ فِي عَيْنِكَ.
130. وقال عليه السلام وقد رجع من صفين، فأَشرف على القبور بظاهر الكوفة: يَا أَهْلَ الدِّيَارِ الْمُوحِشَةِ (59) وَالْمَحَالِّ الْمُقْفِرَةِ (60) وَالْقُبُورِ الْمُظْلِمَةِ, يَا أَهْلَ التُّرْبَةِ، يَا أَهْلَ الْغُرْبَةِ، يَا أَهْلَ الْوَحْدَةِ، يَا أَهْلَ الْوَحْشَةِ، أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ (60) سَابِقٌ، وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ (62) لاَحِقٌ. أَمَّا الدُّورُ فَقَدْ سُكِنَتْ، وَأَمَّا الْأَزْوَاجُ فَقَدْ نُكِحَتْ، وَأَمَّا الْأَمْوَالُ فَقَدْ قُسِمَتْ. هذَا خَبَرُ مَا عِنْدَنَا، فَمَا خَبَرُ مَا عِنْدَكُمْ؟ ثم التفت إِلى أَصحابه فقال: أَمَا لَوْ أُذِنَ لَهُمْ فِي الْكَلاَمِ لِأَخْبَرُوكُمْ أَنَّ (خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى).
131. وقال عليه السلام وقد سمع رجلاً يذم الدنيا: أَيُّهَا الذَّامُّ لِلدُّنْيَا، الْمُغْتَرُّ بِغُرُورِهَا، الْمَخْدُوعُ بِأَبَاطِيلِهَا! أَتَغْتَرُّ بِالدُّنْيَا ثُمَّ تَذُمُّهَا؟ أَنْتَ الْمُتَجَرِّمُ (63) عَلَيْهَا، أَمْ هِيَ الْمُتَجَرِّمَةُ عَلَيْكَ؟ مَتَى اسْتَهْوَتْكَ (64) أَمْ مَتى غَرَّتْكَ؟ أَبِمَصَارِعِ (65) آبَائِكَ مِنَ الْبِلَى (66) أَمْ بِمَضَاجِعِ أُمَّهَاتِكَ تَحْتَ الثَّرَى (67) ؟ كَمْ عَلَّلْتَ (68) بِكَفَّيْكَ، وَكَمْ مَرَّضْتَ بِيَدَيْكَ! تَبْتَغِي لَهُمُ الشِّفَاءَ، وَتَسْتَوْصِفُ (69) لَهُمُ الْأَطِبَّاءَ ،غَدَاةَ لاَيُغْنِي عَنْهُمْ دَوَاؤُكَ، وَلاَ يُجْدِي عَلَيْهِمْ بُكَاؤُكَ. لَمْ يَنْفَعْ أَحَدَهُمْ إِشْفَاقُكَ (70) وَلَمْ تُسْعَفْ فِيهِ بِطِلْبَتِكَ (71) وَلَمْ تَدْفَعْ عَنْهُ بِقُوَّتِكَ! قَدْ مَثَّلَتْ لَكَ بِهِ الدُّنْيَا نَفْسَكَ (72) وَبِمَصْرَعِهِ مَصْرَعَكَ. إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ صِدْقٍ لِمَنْ صَدَقَهَا، وَدَارُ عَافِيَةٍ لِمَنْ فَهِمَ عَنْهَا، وَدَارُ غِنىً لِمَنْ تَزَوَّدَ مِنْهَا (73) وَدَارُ مَوْعِظَةٍ لِمَنْ اتَّعَظَ بِهَا. مَسْجِدُ أَحِبَّاءِ اللهِ، وَمُصَلَّى مَلاَئِكَةِ اللهِ، وَمَهْبِطُ وَحْيِ اللهِ، وَمَتْجَرُ أَوْلِيَاءِ اللهِ، اكْتَسَبُوا فِيهَا الرَّحْمَةَ وَرَبِحُوا فِيهَا الْجَنَّةَ. فَمَنْ ذَا يَذُمُّهَا وَقَدْ آذَنَتْ (74) بِبَيْنِهَا (75) وَنَادَتْ بِفِراقِهَا، وَنَعَتْ نَفْسَهَا (76) وَأَهْلَهَا، فَمَثَّلَتْ لَهُمْ بِبَلاَئِهَا الْبَلاَءَ،شَوَّقَتْهُمْ بِسُرُورِهَا إِلَى السُّرُورِ؟! رَاحَتْ بِعَافِيَةٍ (77) وَابْتَكَرَتْ (78) بِفَجِيعَةٍ (79) , ترغِيباً وَتَرْهِيباً، وَتَخْوِيفاً وَتَحْذِيراً، فَذَمَّهَا رِجَالٌ غَدَاةَ النَّدَامَةِ، وَحَمِدَهَا آخَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ذَكَّرَتْهُمُ الدُّنْيَا فتََذَكَرُوا، وَحَدَّثَتْهُمْ فَصَدَّقُوا، وَوَعَظَتْهُمْ فَاتَّعَظُوا.
132. وقال عليه السلام: إِنَّ لِلَّهِ مَلَكاً يُنَادِي فِي كُلِّ يَوْمٍ: لِدُوا (80) لِلْمَوْتِ، وَاجْمَعُوا لِلْفَنَاءِ، وَابْنُوا لِلْخَرَابِ.
133. وقال عليه السلام: الدُّنْيَا دَارُ مَمَرٍّ لاَ دَارِ مَقَرٍّ، وَالنَّاسُ فِيهَا رَجُلاَنِ: رَجُلٌ بَاعَ فِيهَا نَفْسَهُ فَأَوْبَقَهَا (81) وَرَجُلٌ ابْتَاعَ نَفْسَهُ (82) فَأَعْتَقَهَا.
134. وقال عليه السلام: لاَ يَكُونُ الصَّدِيقُ صَدِيقاً حَتَّى يَحْفَظَ أَخَاهُ فِي ثَلاَثٍ: فِي نَكْبَتِهِ، وَغَيْبَتِهِ، وَوَفَاتِهِ.

135. وقال عليه السلام: مَنْ أُعْطِيَ أَرْبعاً لَمْ يُحْرَمْ أَرْبَعاً: مَنْ أُعْطِيَ الدُّعَاءَ لَمْ يُحْرَمِ الْإِجَابَةَ، وَمَنْ أُعْطِيَ التَّوْبَةَ لَمْ يُحْرَمِ الْقَبُولَ، وَمَنْ أُعْطِيَ الْإِسْتِغْفَارَ لَمْ يُحْرَمِ الْمَغْفِرَةَ، وَمَنْ أُعْطِيَ الشُّكْرَ لَمْ يُحْرَمِ الزِّيَادَةَ. قال الرضي: وتصديقُ ذَلكَ في كتَابِ اللهِ، قَالَ اللهُ في الدّعَاء: (ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ)، وقال في الإِستغفار: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً)، وقال في الشكر: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لاََزِيدَنّكُمْ)، وقال في التوبة: (إنّما التّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُم يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً).
136. وقال عليه السلام: الصَّلاَةُ قُرْبَانُ كُلِّ تَقِيٍّ، وَالْحَجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيفٍ، وَلِكُلِّ شَيْءٍ زَكَاةٌ، وَزَكَاةُ الْبَدَنِ الصِّيَامُ، وَجِهَادُ الْمَرْأَةِ حُسْنُ التَّبَعُّلِ (83) .
137. وقال عليه السلام: اسْتَنْزِلُوا الرِّزْقَ بِالصَّدَقَةِ.
138. وقال عليه السلام: ومَنْ أَيْقَنَ بِالْخَلَفِ جَادَ بِالْعَطِيَّةِ.
139. وقال عليه السلام: تَنْزِلُ الْمَعُونَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَؤُونَةِ.
140. وقال عليه السلام: مَا عَالَ (84) مَنِ اقْتَصَدَ.
141. وقال عليه السلام: قِلَّةُ الْعِيَالِ أَحَدُ الْيَسَارَيْنِ.
142. وقال عليه السلام: التَّوَدُّدُ نِصْفُ الْعَقْلِ.

143. وقال عليه السلام: وَالْهَمُّ نِصْفُ الْهَرَمِ.
144. وقال عليه السلام: يَنْزِلُ الصَّبْرُ عَلَى قَدْرِ الْمُصِيبَةِ، وَمَنْ ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ عِنْدَ مُصِيبَتِهِ حَبِطَ (85) عَمَلُهُ.
145. وقال عليه السلام: كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ وَ الظَّمَأُ، وَكَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ السَّهَرُ وَ الْعَنَاءُ، حَبَّذَا نَوْمُ الْأَكْيَاسِ (86) وَإِفْطَارُهُمْ!
146. وقال عليه السلام: سُوسُوا (87) إِيمَانَكُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَحَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ، وَادْفَعُوا أَمْواجَ الْبَلاَءِ بِالدُّعَاءِ.
147. ومن كلام له عليه السلام
لكُمَيْل بن زياد النخعي:
قال كُمَيْل بن زياد: أخذ بيدي أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فأخرجني إلى الجبّان (88) فلمّا أصحر (89) تنفّس الصّعَدَاء (90) ثمّ قال: يَا كُمَيْل بْن زِيَادٍ، إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ (91) فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا (92) فَاحْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ لَكَ: النَّاسُ ثَلاَثَةٌ: فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ (93) وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ، وَهَمَجٌ (94) رَعَاعٌ (95) أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ (96) يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ، لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَلْجَؤُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ. يَا كُمَيْلُ، الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ, الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ وَأَنْتَ تَحْرُسُ المَالَ. وَالْمَالُ تَنْقُصُهُ النَّفَقَةُ، وَالْعِلْمُ يَزْكُو (97) عَلَى الْإِنْفَاقِ، وَصَنِيعُ الْمَالِ يَزُولُ بِزَوَالِهِ. يَا كُمَيْل بْن زِيَادٍ، مَعْرِفَةُ الَعِلْمِ دِينٌ يُدَانُ بِهِ، بِهِ يَكْسِبُ الْإِنْسَانُ الطَّاعَةَ فِي حَيَاتِهِ، وَجَمِيلَ الأُحْدُوثَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ. وَالْعِلْمُ حَاكِمٌ، وَالْمَالُ مَحْكُوم ٌعَلَيْهِ. يَا كُمَيْل بْن زِيادٍ، هَلَكَ خُزَّانُ الْأَمْوَالِ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَالْعَُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ: أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ، أَمْثَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ. هَا إِنَّ ها هُنَا لَعِلْماً جَمّاً (وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلى صَدره) لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً (98) ! بَلَى أَصَبْتُ لَقِناً (99) غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهِ، مُسْتَعْمِلاً آلَةَ الدِّينِ لِلدُّنْيَا، وَمُسْتَظْهِراً بِنِعَمَ اللهِ عَلَى عِبادِهِ، وَبِحُجَجِهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ، أَوْ مُنْقَاداً لِحَمَلَةِ الْحَقِّ (100) لاَ بَصِيرَةَ لَهُ فِي أَحْنَائِهِ (101) يَنْقَدِحُ الشَّكُّ فِي قَلْبِهِ لِأَوَّلِ عَارِضٍ مِنْ شُبْهَةٍ. أَلاَ لاَ ذَا وَلاَ ذَاكَ! أَوْ مَنْهُوماً (102) بِالَّلذَّةِ، سَلِسَ الْقِيَادِ (103) للشَّهْوَةِ، أَوْ مُغْرَماً (104) بِالْجَمْعِ وَالْإِدِّخَارِ (105) لَيْسَا مِنْ رُعَاةِ الدِّينِ فِي شَيْءٍ، أَقْرَبُ شَيْءٍ شَبَهاً بِهِمَا الْأَنَعَامُ (106) السَّائِمَةُ (107) ! كَذلِكَ يَمُوتُ الْعِلْمُ بِمَوْتِ حَامِلِيهِ. اللَّهُمَّ بَلَى! لاَ تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ، إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً، وَ إَمَّا خَائِفاً مَغْمُوراً (108) لِئَلاَّ تَبْطُلَ حُجَجُ اللهِ وَبَيِّنَاتُهُ. وَكَمْ ذَا وَأَيْنَ أُولئِكَ؟ أُولئِكَ ـ وَاللَّهِ ـ الْأَقَلُّونَ عَدَداً، وَالْأَعْظَمُونَ عِنْدَ اللّهِ قَدْراً، يَحْفَظُ اللهُ بِهِمْ حُجَجَهُ وَبَيِّنَاتِهِ، حَتَّى يُودِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ، وَيَزْرَعُوهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ، هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْبَصِيرَةِ، وَبَاشَرُ
وا رُوحَ الْيَقِينِ، وَاسْتَلاَنُوا (109) مَا اسْتَوْعَرَهُ (110) الْمُتْرَفُونَ (111) وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ، وَصَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى، أُولئِكَ خُلَفَاءُ اللهِ فِي أَرْضِهِ، وَالدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ، آهِ آهِ شَوْقاً إِلَى رُؤْيَتِهِمْ! انْصَرِفْ إذَا شِئْتَ.
148. وقال عليه السلام: الْمَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ.
149. وقال عليه السلام: هَلَكَ امْرُؤُ لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَهُ.
150. وقال عليه السلام لرجلٍ سأَله أَن يعظه: لاَ تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو الْآخِرَةَ بِغَيْرِ الْعَمَلِ، وَ يُرَجِّي التَّوْبَةَ (112) بِطُولِ الْأَمَلِ. يَقُولُ فِي الدُّنْيَا بِقَوْلِ الزَّاهِدِينَ، وَيَعْمَلُ فِيهَا بَعَمَلِ الرَّاغِبِينَ، إِنْ أُعْطِيَ مِنْهَا لَمْ يَشْبَعْ، وَإِنْ مُنِعَ مِنْهَا لَمْ يَقْنَعْ، يَعْجِزُ عَنْ شُكْرِ مَا أُوتِيَ، وَيَبْتَغِي الزِّيَادَةَ فِيَما بَقِيَ، يَنْهَى وَلاَ يَنْتَهِي، وَيَأْمُرُ بِمَا لاَ يَأْتِي، يُحِبُّ الصَّالِحِينَ وَلاَ يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ، وَيُبْغِضُ الْمُذْنِبِينَ وَهُوَ أَحَدُهُمْ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ لِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِ، وَيُقِيمُ (113) عَلَى مَا يَكْرَهُ الْمَوْتَ مِنْ أجْلِهِ , إِنْ سَقِمَ (114) ظَلَّ نَادِماً، وَإِنْ صَحَّ أَمِنَ لاَهِياً، يُعْجَبُ بِنَفْسِهِ إِذَا عوفِيَ، وَيَقْنَطُ إِذَا ابْتُلِيَ، إِنْ أَصَابَهُ بَلاَءٌ دَعَا مُضْطَرّاً، وإِنْ نَالَهُ رَخَاءُ أَعْرَضَ مُغْتَرّاً، تَغْلِبُهُ نَفْسُهُ عَلَى مَا يَظُنُّ، وَلاَ يَغْلِبُهَا عَلَى مَا يَسْتَيْقِنُ (115) يَخَافُ عَلَى غْيَرِهِ بِأَدْنىَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَيَرْجُو لِنَفْسِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ عَمَلِهِ، إِنْ اسْتَغْنَى بَطِرَ (116) وَفُتِنَ، وَإِنِ افْتقَرَ قَنِطَ (117) وَوَهَنَ (118) يُقَصِّرُ إِذَا عَمِلَ، وَيُبَالِغُ إِذَا سَأَلَ، إِنْ عَرَضَتْ لَهُ شَهْوَةٌ أَسْلَفَ (119) الْمَعْصِيَةَ وَسَوَّفَ (120) التَّوْبَةَ، وَإِنْ عَرَتْهُ مِحْنَةٌ (121) انْفَرَجَ (122) عَنْ شَرَائِطِ الْمِلَّةِ (123) يَصِفُ الْعِبْرَةَ (124) وَلاَ يَعْتَبرُ، وَيُبَالِغُ فِي الْمَوْعِظَةِ وَلاَ يَتَّعِظُ، فَهُوَ بِالْقَوْلِ مُدِلٌّ (125) . وَمِنَ الْعَمَلِ مُقِلٌّ، يُنَافِسُ فِيَما يَفْنَى، وَيُسَامِحُ فِيَما يَبْقَى، يَرَى الْغُنْمَ (126) مغْرَماً (127) . وَالْغُرْمَ مَغْنَماً، يخشَى الْمَوْتَ وَلاَ يُبَادِرُ (128) الْفوْتَ (129) , يَسْتَعْظِمُ مِنْ مَعْصِيَةِ غَيْرِهِ مَا يَسْتَقِلُّ أَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَيَسْتَكْثِرُ مِنْ طَاعَتِهِ مَا يَحْقِرُهُ مِنْ طَاعَةِ غَيْرِهِ، فَهُوَ عَلَى النَّاسِ طَاعِنٌ، وَلِنَفْسِهِ مُدَاهِنٌ، اللَّهْوُ مَعَ الْأَغْنِيَاءِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الذِّكْرِ مَعَ الْفُقَرَاءِ، يَحْكُمُ عَلَى غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ وَلاَ يَحْكُمُ عَلَيْهَا لِغَيْرِهِ، يُرْشِدُ غَيْرَه ُيُغْوِي نَفْسَهُ، فَهُوَ يُطَاعُ وَيَعْصِي، وَيَسْتَوْفِي وَلا يُوفِي، وَيَخْشَى الْخَلْقَ فِي غَيْرِ رَبِّهِ، وَلاَ يَخْشَى رَبَّهُ فِي خَلْقِهِ. قال الرضي: ولو لم يكن في هذا الكتاب إلاّ هذا الكلام لكفى به موعظةً ناجعةً، وحكمةً بالغةً، وبصيرةً لمبصرٍ و، عبرةً لناظرٍ مفكّرٍ.

1. المراد استصغارها في الطلب لتعظم بالقضاء.
2. اسْتِكْتَامُها: أي الحرص على كتمانها عند محاولتها لتظهر بعد قضائها، فلا تُعْلَم إلا مقضية.
3. تَهْنُؤ :أي تصير هنيئة فيمكن التمتع بها.
4. الماحِل: الساعي في الناس بالوشاية.
5. يُظَرّف ـ بتشديد الراء مبنياً للمجهول ـ : يعدّ ظريفاً.
6. يضعّف ـ بالتشديد مبنياً للمجهول ـ : يعدّ ضعيفاً.
7. الغُرْم ـ بالضم ـ :أي الغَرَامة.
8. المَنّ: ذكرك النعمة على غيرك مظهراً بها الكرامة عليه.
9. الْإستطالة على الناس: التفوّق عليهم والتزيّد عليهم في الفضل.
10. أراد( بالرامق ): منتبه العين، في مقابلة الراقد بمعنى النام، يقال: رَمَقَهُ، إذا لحظه لحظاً خفيفاً.
11. شِعاراً: يقرؤونه سراً للاعتبار بمواعظه والتفكّر في دقائقه، وأصل الشعار: ما يلي البدن من الثياب.
12. دِثاراً:أصل ادِثار ما يعلو البدَن من الثياب، والمراد من اتخاذهم الدعاء دِثاراً جهرهم به إظهاراً للذلّة والخضوع لله.
13. قَرَضوا الدنيا: مزقوها كما يمزّق الثوب المِقْراضُ.
14. على منهاج المسيح: طريقه في الزهادة.
15. العَشّار: من يتول أخذ أَعْشار المال، وهو المَكّاس.
16. العَرِيف: من يتجسّس على أحوال الناس وأسرارهم فيكشفها لاَميرهم مثلاً.
17. الشُرْطيبضم فسكون نسبة إلى الشُرْطة ـ : واحد الشُرَط ـ كرُطَب ـ وهم أعوان الحاكم.
18. أي لا تنتهكوا نهيه عنها بإتيانها، والْإنتهاك: الْإهانة والْإضعاف.
19. لا تتكَلّفوها: أي لا تكلّفوا أَنفسكم بها بعد ما سكت الله عنها.
20. النِيَاط ـ ككِتاب ـ : عِرْق معلّق به القلب.
21. البَضْعة ـ بفتح الباء ـ : القطعة من اللحم، والمراد بها ها هنا القلب.
22. سَنَحَ له: بدا وظهر.
23. التَحفّظ: هو التَوَقّي والتّحرّز من المضرات.
24. الغِرّة ـ بالكسر ـ : الغفلة، و(اسْتَلَبَتْهُ): أي سَلَبَتْهُ وذهبت به عن رُشْدِه.
25. أفَاد المال: استفاده.
26. الفاقة: الفقر.
27. جَهَدَهُ: أَعْياه وأتعبه.
28.( كَظّتْهُ ) أي: كربته وآلمته.
29. البِطْنَة ـ بالكسر ـ : امتلاء البطن حتى يضيق النفس.
30. النُمْرُقَةُ ـ بضم فسكون فضم ففتح ـ : الوِسادة؛ وآل البيت أشبه بها للاستناد إليهم في أمورالدين، كما يستند إلى الوسادة لراحة الظهر واطمئنان الْأَعضاء, و وصفها بالوسطى لاتصال سائر النمارق بها، فكأن الكل يعتمد عليها إما مباشرة أو بواسطة ما بجانبه، وآل البيت على الصراط الوسط العدل، يلحق بهم من قصر، ويرجع إليهم من غلا وتجاوز.
31. الغالي: المبالغ المجاوز للحدّ.
32. ( لايُصانع ): أي لا يداري في الحق.
33. المُضارعَة: المشابهة، والمعنى أنه لا يتشبه في عمله بالمبطلين.
34. اتباع المطامع: الميل معها وإن ضاع الحق.
35. تَهَافت: تَساقَطَ بعد ما تصدّعَ.
36. أعْوَدُ: أَنْفَع.
37. العُجْب ـ بضم العين ـ : الْإعجاب بالنفس.
38. ( الحَوْبَة) :هي الْإثم .
39. غَرّرَ أي: أوْقَعَ بنفسه في الغَرَر وهو الخطر.
40. ( يفني ببقائه ): كلما طال عمره ـ وهو البقاء ـ تقدم إلى الفناء.
41. يَسْقَمُ بصحّته: أي كلما مدّت عليه الصحة تقرب من مرض الهَرَم، وسَقِم ـ كفرح ـ : مَرِض.
42. يأتيه الموت من مأمنه: أي الجهة التي يأمن إتيانه منها، فان أسبابه كامنة في نفس البدن.
43. المُسْتَدْرَج: هوالذي تابع الله نعمته عليه وهو مقيم على عصيانه، إبلاغاً للحجة وإقامة للمعذرة في أخذه.
44. ابْتَلى: امتحن.
45. الْإملاء له: الْإمهال.
46. الغالي: المتجاوز الحد في حبه بسبب غيره، أو دعوى حلول اللاهوت فيه، أو نحو ذلك.
47. القالي: المبغض الشديد البغض.
48. سَفْر: أي مسافرون.
49. سَنُبَوئهُم: ننزلهم .
50. أجْداثهم: قبورهم.
51. التُرَاث: أي الميراث.
52. الجائحة: الآفة تُهْلِك الْأَصل والفرْع.
53. الخَلِيقة: الخلق والطبيعة.
54. غَيْرَة المرأة كُفْرٌ: أي تؤدي إلى الكفر، فانها تحرم على الرجل ما أحلّ الله له من زواج متعددات، أما غيرة الرجل فتحريم لما حرّمه الله، وهو الزنى.
55. (البخيل يستعجل الفقر): يريد أنه يهرب من الفقر. بجمع المال، وتكون له الحاجة فلا يقضيها، ويكون عليه الحق فلا يؤديه.
56. ( تَوَقّوا البرد ): أي احفظوا أنفسكم من أذاه.
57. تَلَقّوه: استقبلوه.
58. آخِرُه يُورِق: لاَن البرد في آخره يمس الْأَبدان بعد تعودها عليه، فيكون عليها أخف.
59. المُوحِشة: الموجبة للوَحْشَة ضد الْأَنس.
60. المَحَالّ ـ جمع مَحَلّ ـ :أي الْأَركان المُقْفِرة، من أقفر المكان: إذا لم يكن به ساكن ولا نابت.
61. الفَرَط ـ بالتحريك ـ : المتقدّم إلى الماء، للواحد وللجمع، والكلام هنا على الْإطلاق، أي المتقدمون.
62. التَبَع ـ بالتحريك ـ : التابع.
63. تَجَرّمَ عليه: ادّعى عليه الجُرْم ـ بالضم ـ :أي الذنب.
64. استهواه: ذهب بعقله وأذله فحيره.
65. المَصارِع: جمع المَصْرَع، وهو مكان الْإنصارع أي السقوط، أي مكان سقوط آبائك من الفناء.
66. البِلى ـ بكسر الباء ـ : الفناء بالتحلل.
67. الثَرَى: التراب.
68. عَلّل المريض: خدمه في علته ـ كمرّضهُ ـ خدمه في مرضه.
69. اسْتَوْصَفَ الطبيبَ: طلب منه وصف الدواء بعد تشخيص الداء.
70. إشفاقك: خوفك.
71. الطِلْبَة ـ بالكسر وبفتح فكسر ـ : المطلوب، وأسعفه بمطلوبه: أعطاه إياه على ضرورة إليه.
72. مَثّلَتْ لك به الدنيا نَفْسَك: أي أن الدنيا جعلت الهالك قبلك مثالاً لنفسك تقيسها عليه.
73. تزَوّدَ: أي أخذ منها زاده للآخرة.
74. آذَنَتْ ـ بمد الهمزة ـ :أي أَعلمت أهلها.
75. بَيْنها: أي بُعدها وزوالها عنهم.
76. نَعَاه: إذا أخبر بفقده.
77. راح إليه: وافاه وقت العشي، أي أنها تمشي بعافية.
78. تَبْكِر: أي تصبح.
79. فَجِيعة :أي مصيبة فاجعة.
80. لِدُوا: فعل أمر من الولادة لجماعة المخاطبين.
81. أوْبَقَها: أهلكها.
82. ابْتَاع نفسه: اشتراها وخلصها من أسر الشهوات.
83. حُسْنُ التَبَعّل: إطاعة الزوج.
84. عَالَ: افتقرَ.
85. حبِطَ أجره: بطل، لاَنه يحرم ثوابه.
86. الأكياس ـ جمع كَيّس بتشديد الياء ـ أي: العقلاء العارفون يكون نومهم وفِطْرُهم أفضل من صوم الحمقى وقيامهم.
87. سُوسُوا: أمر من السياسة، وهي حفظ الشيء بما يَحُوطه من غيره، والصدقة تستحفظ
الشفقة، والشفقة تستزيد الايمان وتذكر الله.
88. الجَبّان ـ كالجَبّانة ـ : المقبرة.
89.( أصْحَرَ ):أي صار في الصحراء.
90. تنفّسَ الصُعَدَاء :أي تنفس تنفساً ممدوداً طويلاً.
91. أوْعِيَة: جمع وِعاء، وهو الْإناء وما أشبهه.
92. أوْعَاها: أشدّها حفظاً.
93. العالم الرَبّانيّ: العارف بالله، المنسوب إلى الرب.
94. الهَمَج ـ محركة ـ : الحمقى من الناس.
95. الرَعَاع ـ كَسَحاب ـ : الأحْداث الطَغام الذين لا منزلة لهم في الناس.
96. الناعق: مجاز عن الداعي إلى باطل أو حقّ.
97. يَزْكُو: يزداد نماءً.
98. الحَمَلَة ـ بالتحريك ـ : جمع حامِل، وأصَبْتُ: بمعنى وجدت، أي لو وجدت له حاملين لاَبرزته وبثثته.
99. اللَقِنُ ـ بفتح فكسر ـ : من يفهم بسرعة.
100. المُنْقادُ لحاملي الحقّ: هو المنساق المُقلّد في القول والعمل، ولا بصيرة له في دقائق الحق وخفاياه، فذاك يسرع الشك إلى قلبه لاَقل شبهة.
101. في أحنائه: أي جوانبه، ومفردها حِنْو.
102. المَنْهوم: المُفْرِط في شهوة الطعام.
103. سَلِس القِياد: سَهْلُه.
104. المُغْرَم ـ بالجمع ـ : المُولّع بجمع المال.
105. ادّخار المال: اكتنازه.
106. ( الأنْعَام ): البهائم.
107. السائمة: التي ترسل لترعى من غير أن تُعْلَف.
108. مغموراً: غمره الظلم حتى غطّاه فهو لا يظهر.
109. اسْتَلانُوا: عدّوا الشيء ليناً.
110. اسْتَوْعَرَه: عدّه وعْراً خَشِناً.
111. المُتْرَفُون: أهل الترف والنعيم.
112. يُرَجِّي التوبة ـ بالتشديد ـ :أي يؤخر التوبة.
113. يُقيم على الشيء: يداوم على إتيانه.
114. سَقِمَ: مَرِض.
115. يَسْتَيْقِن: يكون على ثقة ويقين.
116. بَطِرَ ـ كفرح ـ : اغتر بالنعمة، والغرور فتنة.
117. القنوط: اليأس.
118. الوَهْن: الضعف.
119. أسْلَف: قدم.
120. سَوّفَ: أخّر.
121. عَرَتْه مِحْنَة: عَرَضت له مصيبة ونزلت به.
122. انفَرَج عنها: انخلع وبَعُدَ.
123. شرائط الملّة: الثبات والصبر، والإستعانة بالله.
124. العِبْرة ـ بالكسر ـ : تنبّه النفس لما يصيب غيرها فتحترس من إتيان أسبابه.
125. أدَلّ على أقرانه: استعلى عليهم.
126. الغُنْم ـ بالضم ـ : الغنيمة.
127. المَغْرَم: الغرامة.
128. بادره: عاجله قبل أن يذهب.
129. الفَوْت: فوات الفرصة وانقضاؤها.

بابُ المُخْتَارِ مِنْ حِكَمِ أَمِيرالمؤمنين عليه السلام ِ وَيَدْخُلُ في ذلِكَ المخُتَارُمِنْ أَجْوِبَةِ مَسَائِلِهِ وَالْكَلاَمِ القصير الخارج في سائِرِ اَغْراضِهِ ( من 51 الى 100 )


51. وقال عليه السلام: عَيْبُكَ مَسْتُورٌ مَا أَسْعَدَكَ جَدُّكَ (1) .
52. وقال عليه السلام: أَوْلَى النَّاسِ بِالْعَفْوِ أَقْدَرُهُمْ عَلَى الْعُقُوبَةِ.
53. وقال عليه السلام: السَّخَاءُ مَا كَانَ ابْتِدَاءً، فَأَمَّا مَا كَانَ عَنْ مَسْألَةٍِ فَحَيَاءٌ وَ تَذَمُّمٌ (2) .
54. وقال عليه السلام: لاَ غِنَى كَالْعَقْلِ، وَلاَ فَقْرَ كَالْجَهْلِ، وَلاَ مِيرَاثَ كَالْأَدَبِ، وَلاَ ظَهِيرَ كَالْمُشَاوَرَةِ.
55. وقال عليه السلام: الصَّبْرُ صَبْرَانِ: صَبْرٌ عَلَى مَا تَكْرَهُ، وَصَبْرٌ عَمَّا تُحِبُّ.
56. وقال عليه السلام: الْغِنَى فِي الْغُرْبَةِ وَطَنٌ، وَالْفَقْرُ فِي الْوَطَنِ غُرْبَةٌ.
57. وقال عليه السلام: الْقَنَاعَةُ مَالٌ لاَ يَنْفَدُ. قال الرضي: و قد روي هذا الكلام عن النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم .
58. وقال عليه السلام: الْمَالُ مَادَّةُ الشَّهَوَاتِ.
59. وقال عليه السلام: مَنْ حَذَّرَكَ كَمَنْ بَشَّرَكَ.
60. وقال عليه السلام: الِّلسَانُ سَبُعٌ، إِنْ خُلِّيَ عَنْهُ عَقَرَ (3) .
61. وقال عليه السلام: الْمَرْأَةُ عَقْرَبٌ حُلْوَةُ اللَّسْبَةِ (4) .
62. وقال عليه السلام: إِذَا حُيِّيْتَ بِتَحِيَّةٍ فَحَيِّ بِأَحْسَنَ مِنْهَا، وَإِذَا أُسْدِيَتْ إِلَيْكَ يَدٌ فَكَافِئْهَا بِمَا يُرْبِي عَلَيْهَا، وَالْفَضْلُ مَعَ ذلِكَ لِلْبَادِىءِ.
63. وقال عليه السلام: الشَّفِيعُ جَنَاحُ الطَّالِبِ.
64. وقال عليه السلام: أَهْلُ الدُّنْيَا كَرَكْبٍ يُسَارُ بِهِمْ وَهُمْ نِيَامٌ.
65. وقال عليه السلام: فَقْدُ الْأَحِبَّةِ غُرْبَةٌ.
66. وقال عليه السلام: فَوْتُ الْحَاجَةِ أَهْوَنُ مِنْ طَلَبِهَا إِلَى غَيْرِأَهْلِهَا.
67. وقال عليه السلام: لاَ تَسْتَحِ مِنْ إِعْطَاءِ الْقَلِيلِ، فَإِنَّ الْحِرْمَانَ أَقَلُّ مِنْهُ.
68. وقال عليه السلام: الْعَفَافُ زِينَةُ الْفَقْرِ، والشُّكْرُ زِينَةُ الغِنَى.
69. وقال عليه السلام: إِذَا لَمْ يَكُنْ مَا تُرِيدُ فَلاَ تُبَلْ (5) مَا كُنْتَ.
70. وقال عليه السلام: لاَتَرَى الْجَاهِلَ إِلاَّ مُفْرِطاً أَوْ مُفَرِّطاً.
71. وقال عليه السلام: إِذَا تَمَّ الْعَقْلُ نَقَصَ الْكَلاَمُ.
72. وقال عليه السلام: الدَّهرُ يُخْلِقُ اللْأَبْدَانَ، وَيُجَدِّدُ الْآمَالَ، وَيُقَرِّبُ الْمَنِيَّةَ، ويُبَاعِدُ الْأَُمْنِيَّةَ (6) مَنْ ظَفِرَ بِهِ نَصِبَ (7) ومَنْ فَاتَهُ تَعِبَ.
73. وقال عليه السلام: مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً ْ فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ، وَلْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ، وَمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالْإِِجْلاَلِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ.
74. وقال عليه السلام: نَفْسُ الْمَرْءِ خُطَاهُ إِلَى أَجَلِهِ (8) .
75. وقال عليه السلام: كُلُّ مَعْدُودٍ مُنْقَضٍ، وَكُلُّ مُتَوَقَّعٍ آتٍ.
76. وقال عليه السلام: إِنَّ الْأَُمُورَ إذا اشْتَبَهَتْ اعْتُبِرَ آخِرُهَا بِأَوَّلِهَا (9) .
77. ومن خبر ضرار بن ضَمُرَةَ الضُّبابِيِّ عند دخوله على معاوية ومسألته له عن أميرالمؤمنين عليه السلام. قال: فأشهَدُ لقَدْ رَأَيْتُهُ في بعض مواقِفِهِ وقَد أرخى الليلُ سُدُولَهُ (10) وهو قائمٌ في محرابِهِ قابِضٌ على لِحْيتِهِ يَتَمَلْمَلُ (11) تَمَلْمُلَ السَّليمِ (12) ويبكي بُكاءَ الحَزينِ، ويقولُ: يَا دُنْيَا يَا دُنْيَا، إِلَيْكِ عَنِّي، أَبِي تَعَرَّضْتِ (13) ؟ أَمْ إِلَيَّ تَشَوَّقْتِ؟ لاَ حَانَ حِينُكِ (14) ! هيْهَات! غُرِّي غَيْرِي، لاَ حاجَةَ لِي فيِكِ، قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلَاثاً لارِجْعَةَ فِيهَا! فَعَيْشُكِ قَصِيرٌ، وَخَطَرُكِ يَسِيرٌ، وَأَمَلُكِ حَقِيرٌ. آهِ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ، وَطُولِ الطَّرِيقِ، وَبُعْدِ السَّفَرِ، وَعَظِيمِ الْمَوْرِدِ (15) .
78. ومن كلام له عليه السلام: للسائل الشامي لما سأله: أَكان مسيرنا إِلى الشام بقضاءٍ من الله وقدر؟ بعد كلام طويل هذا مختاره: طوَيْحَكَ! لَعَلَّكَ ظَنَنْتُ قَضَاءً (16) لاَزِماً، وَقَدَراً (17) حَاتِماً (18) وَلَوْ كَانَ ذلِكَ كَذلِكَ لَبَطَلَ الثَّوَابُ والْعِقَابُ، وَسَقَطَ الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ. إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَ عِبَادَهُ تَخْيِيراً، وَنَهَاهُمْ تَحْذِيراً، وَكَلَّفَ يَسِيراً، وَلَمْ يُكَلِّفْ عَسِيراً، وَأَعْطَى عَلَى الْقَلِيلِ كَثِيراً، وَلَمْ يُعْصَ مَغْلُوباً، وَلَمْ يُطَعْ مُكْرِهاً، وَلَمْ يُرْسِلِ الْأَنْبِيَاءَ لَعِباً، وَلَمْ يُنْزِلِ الْكِتَابَ لِلْعِبَادِ عَبَثاً، وَلاَ خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً: (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ).
79. وقال عليه السلام: خُذِ الْحِكْمَةَ أَنَّى كَانَتْ، فَإِنَّ الْحِكْمَةَ تَكُونُ في صَدْرِ الْمُنَافِقِ فَتَتَلَجْلَجُ (19) فِي صَدْرِهِ حَتَّى تَخْرُجَ فَتَسْكُنَ إِلَى صَوَاحِبِهَا فِي صَدْرِ الْمُؤْمِنِ.
80. وقال عليه السلام: الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ، فَخُذِ الْحِكْمَةَ وَلَوْ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ.
81. وقال عليه السلام: قِيمَةُ كُلِّ امْرِىءٍ مَا يُحْسِنُهُ. قال الرضي: وهي الكلمة التي لاتُصابُ لها قيمةٌ، ولا توزن بُها حكمةٌ، ولا تُقرنُ إِليها كلمةٌ.
82. وقال عليه السلام: أُوصِيكُمْ بِخَمْسٍ لَوْ ضَرَبْتُمْ إِلَيْهَا آبَاطَ الْإِِبِلِ (20) لَكَانَتْ لِذلِكَ أَهْلاً: لاَ يَرْجُوَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلاَّ رَبَّهُ، وَلاَ يَخَافَنَّ إِلاَّ ذَنْبَهُ، وَلاَ يَسْتَحْيِيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِذَا سُئِلَ عَمَّا لاَ يَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ: لاَ أَعْلَمُ، وَلاَ يَسْتَحْيِيَنَّ أَحَدٌ إِذَا لَمْ يَعَلَمِ الشَّيْءَ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ. وَ عَلَيْكُمْ َبِالصَّبْرِ، فَإِنَّ الصَّبْرَ مِنَ الْإِِيمَانِ كَالرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ، وَلاَ خَيْرَ فِي جَسَدٍ لاَ رأْسَ مَعَهُ، وَلاَ في إِيمَانٍ لاَ صَبْرَ مَعَهُ.
83. وقال عليه السلام لرجل أفرط في الثناء عليه، وكان له مُتَّهماً: أَنَا دُونَ مَا تَقُولُ، وَفَوْقَ مَا فِي نَفْسِكَ.
84. وقال عليه السلام: بَقِيَّةُ السَّيْفِ (21) أَبْقَى عَدَداً، وَأَكْثَرُ وَلَداً.
85. وقال عليه السلام: مَنْ تَرَكَ قَوْلَ: لاَ أَدْري، أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ (22) .
86. وقال عليه السلام: رَأْيُ الشَّيْخِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ جَلَدِ الْغُلاَمِ (23) وَروي: مِنْ مَشْهَدِ الْغُلاَمِ (24) .
87. وقال عليه السلام: عَجِبْتُ لِمَنْ يَقْنَطُ وَمَعَهُ الْإِِسْتِغْفَارُ.
88. وحكى عنه أبوجعفر محمد بن علي الباقر أَنّه قال: كَانَ فِي الْأَرْضِ أَمَانَانِ مِنْ عَذَابِ اللَهُ، وَقَدْ رُفِعَ أَحَدُهُمَا، فَدُونَكُمُ الْآخَرَ فَتَمَسَّكُوا بِهِ: أَمَّا الْأَمَانُ الَّذِي رُفِعَ فَهُوَ رَسُولُ اللهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمِ. وَأَمَّا الْأَمَانُ الْبَاقِي فَالْإِِسْتِغْفَارْ، قَالَ اللهُ تَعَالي: (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ). قال الرضي وهذا من محاسن الاستخراج ولطائف الاستنباط.
89. وقال عليه السلام: مَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ أَصْلَحَ اللهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ أَصْلَحَ أَمْرَ آخِرَتِهِ أَصْلَحَ اللهُ لَهُ أَمْرَ دُنْيَاهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَاعِظٌ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ اللهِ حَافِظٌ.
90. وقال عليه السلام: الْفَقِيهُ كُلُّ الْفَقِيهِ مَنْ لَمْ يُقَنِّطِ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَلَمْ يُؤْيِسْهُمْ مِنْ رَوْحِ (25) اللهِ وَلَمْ يُؤْمِنْهُمْ مِنْ مَكْرِ (26) اللهِ.
91. وقال عليه السلام: إِنَّ هذِهِ الْقُلُوبَ تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ الْأَبْدَانُ، فَابْتَغُوا لَهَا طَرَائِفَ الْحِكْمَِ (27) .
92. وقال عليه السلام: أَوْضَعُ الْعِلْمِ (28) مَا وُقِفَ عَلَى اللِّسَانِ (29) وَأَرْفَعُهُ مَا ظَهَرَ فِي الْجَوَارِحِ وَالْأَرْكَانِ (30) .
93. وقال عليه السلام: لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بكَ مِنَ الْفِتْنَةِ، لاََِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فِتْنَةٍ، وَلكِنْ مَنِ اسْتَعَاذَ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ مُضِلاَّتِ الْفِتَنِ، فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ)، وَمَعْنَى ذلِكَ أَنَّهُ يَخْتَبِرُهُمْ بِالْأَمْوَالِ وَالْأَوْلاَدِ لِيَتَبَيَّنَ السَّاخِط لِرِزْقِهِ وَالرَّاضِي بِقِسْمِهِ، وإِنْ كَانَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمَ بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَلكِن لِتَظْهَرَ الْأَفْعَالُ الَّتي بِهَا يُسْتَحَقُّ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ، لاََِنَّ بَعْضَهُمْ يُحِبُّ الذُّكُورَ وَيَكْرَهُ الْإِِنَاثَ، وَبَعْضَهُمْ يُحِبُّ تَثْمِيرَ الْمَالِ (31) وَيَكْرَهُ انْثِلاَمَ الحَالِ (32) . قال الرضي: وهذا من غريب ما سمع منه عليه السلام في التفسير.
94. وسئل عليه السلام وعن الخير ما هو؟ فقال: لَيْسَ الْخَيْرُ أَنْ يَكْثُرَ مَالُكَ وَوَلَدُكَ، وَلكِنَّ الْخَيْرَ أَنْ يَكْثُرَ عِلْمُكَ، وَأَنْ يَعْظُمَ حِلْمُكَ، وَأَنْ تُبَاهِيَ النَّاسَ بِعِبَادَةِ رَبِّكَ، فَإِنْ أَحْسَنْتَ حَمِدْتَ اللهَ، وَإِنْ أَسَأْتَ اسْتَغْفَرْتَ اللهَ. وَلاَ خَيْرَ فِي الدُّنْيَا إِلاَّ لِرَجُلَيْنِ: رَجُلٍ أَذْنَبَ ذُنُوباً فَهُوَ يَتَدَارَكُهَا بِالتَّوْبَةِ، وَرَجُلٍ يُسَارِعُ فِي الْخَيْرَاتِ.
95. وقال عليه السلام: لاَيَقِلُّ عَمَلٌ مَعَ التَّقْوَى، وَكَيْفَ يَقِلُّ مَا يُتَقَبَّلُ ؟
96. وقال عليه السلام: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِالْأَنْبِيَاءِ أَعْلَمُهُمْ بِمَا جَاؤُوا بِهِ، ثُمَّ تَلاَ: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا واللهُ وَليُّ الْمُؤْمِنينَ). ثُمَّ قَالَ: إِنَّ وَلِيَّ مُحَمَّدٍ مَنْ أَطَاعَ اللهَ وإِنْ بَعُدَتْ لُحْمَتُهُ (33) وَإِنَّ عَدُوَّ مُحَمَّدٍ مَنْ عَصَى اللهَ وَإِنْ قَرُبَتْ قَرَابَتُهُ!
97. وقد سمع عليه السلام رجلاً من الحرورية (34) يتهجّد (35) ويقرأ، فقال: نَوْمٌ عَلَى يَقِينٍ خَيْرٌ مِنْ صَلاَةٍ فِي شَكٍّ.
98. وقال عليه السلام: اعْقِلُوا الْخَبَرَ إِذَا سَمِعْتُمُوهُ عَقْلَ رِعَايَةٍ لاَ عَقْلَ رِوَايَةٍ، فَإِنَّ رُوَاةَ الْعِلْمِ كَثِيرٌ، وَرُعَاتَهُ قَلِيلٌ.
99. وسمع رجلاً يقول: (إنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ). فقال عليه السلام: إِنَّ قَوْلَنا: (إِنَّا لله) إِقْرَارٌ عَلَى أَنْفُسِنَا بِالْمُلْكِ (36) وقولَنَا: (وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) إِقْرَارٌ عَلَى أَنْفُسِنَا بِالْهُلْكِ (37) .
100. وقال عليه السلام وقد مدحه قوم في وجهه: اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَعْلَمُ بِي مِنْ نَفْسِي، وَأَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْهُمْ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا خَيْراً مِمَّا يَظُنُّونَ، وَاغْفِرْ لَنَا مَا لاَ يَعْلَمُونَ.

1. الجَدّ ـ بالفتح ـ : الحظ، والمراد إقبال الدنيا على الانسان.
2. التَذَمّم: الفِرار من الذم، كالتأثّم والتحرّج.
3 . عَقَرَ: عَضّ، ومنه الكلب العَقُور.
4 . اللّسْبَة: اللَسْعَة، لَسَبَتْهُ العَقْرَب ـ بفتح السين ـ : لَسَعَتهُ، والمرأة ـ في رأي الاِمام ـ تشبه العقرب، لكن لسعتها ذات حلاوة.
5. لا تُبَلْ: لا تكْتَرِثْ ولا تهتم.
6 . يُبَاعِدُ الأَمْنِيَة أي: يجعلها بعيدة صعبة المنال.
7 . نَصِبَ ـ من باب تَعِب ـ : وهو بمعناه مع مزيد الإِعياء.
8 . (نَفَسُ المَرْء خُطَاهُ إلى أَجَلِه): كأن كلّ نَفَس يتنفسه الإِنسان خطوةٌ يقطعها إلى الأَجل.
9. اعتبر آخرها بأولها: أي قيس، فعلى حسب البدايات تكون النهايات.
10. أرْخَى سُدُوله: جمع سدِيل، وهو ما أسدل على الهوْدَج، والمراد حجب ظلامه.
11. يَتَمَلْمَل: لا يستقرّ من المرض كأنه على ملة، وهي الرماد الحارّ.
12. السليم: الملدوغ من حيّة ونحوها.
13. يعْرِض به ـ كتعرّضه ـ : تصدّى له وطلبه.
14. (لا حَانَ حِينُك): لا جاءوقتُ وصولك لقلبي وتمكن حبك منه.
15. المَوْرِد: موقف الورود على الله في الحساب.
16. القضاء: علم الله السابق بحصول الأَشياء على أحوالها في أو ضاعها.
17. القَدَر: إيجاد الله للأَشياء عند وجود أسبابها، ولا شيء من القضاء والقدر منهما لايضطر العبد لفعل من أفعاله.
18. الحاتم: الذي لامفرّ من وقوعه حتماً.
19. تَتَلَجْلَجُ أي: تتحرك.
20. الآبَاط: جمع إبْط، وضَرْب الآباط: كناية عن شدّ الرِّحال وحثّ المسير.
21. بَقِيّة السيف: هم الذين يبقون بعد الذين قتلوا في حفظ شرفهم ودفْعِ الضَيْم عنهم وفضلوا الموت على الذلّ، فيكون الباقون شُرَفاء نُجَدَاء، فعددهم أبقىولدهم يكون أكثر، بخلاف الأَذِلاّء، فإنّ مصيرهم إلى المحو والفناء.
22. مَقَاتِلُه: مواضع قتله.
23. جَلَد الغلام: صبره على القتال.
24. مَشْهَد الغلام: إيقاعه بالأَعداء.
25. رَوْح الله ـ بفتح الراء ـ : لطفه ورأفته.
26. مَكْرُالله: أخذه للعبد بالعقاب من حيث لا يشعر.
27. طرائف الحكمة: غرائبها المستطرفة.
28. (أَوْضَع العلمِ) :أي أدناه.
29. ما وقف على اللسان :أي لم يظهر أثره في الأَخلاق والأَعمال.
30. أركان البدن: أعضاؤه الرئيسة كالقلب والمخ.
31. تثمير المال: إنماؤه بالربح.
32 . انثِلام الحال: نقصه.
33. لُحْمَتُهُ ـ بالضم ـ أي: نسبه.
34. الحَرورِيّة ـ بفتح الحاء ـ : الخَوَارج الذين خرجوا على عليّ بحَرُوراء.
35. (يتهجّد): أي يصلّي بالليل.
36. إقْرَار بالمُلْك: لأَن اللام في قوله تعالى: (إنّا لله) هي لام التمليك.
37. الهُلْك ـ بالضم ـ : الهلاك.

بابُ المُخْتَارِ مِنْ حِكَمِ أَمِيرالمؤمنين عليه السلام ِ وَيَدْخُلُ في ذلِكَ المخُتَارُمِنْ أَجْوِبَةِ مَسَائِلِهِ وَالْكَلاَمِ القصير الخارج في سائِرِ اَغْراضِهِ( من 1 الى 50 )


1. قَال عليه السلام: كُنْ فِي الْفِتْنَةِ كَابْنِ اللَّبُونِ (1) ، لاَ ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ، وَلاَ ضَرْعٌ فَيُحْلَبَ.
2. وقَالَ عليه السلام: أَزْرَى (2) بِنَفْسِهِ مَنِ اسْتَشْعَرَ (3) الطَّمَعَ، وَرَضِيَ بِالذُّلِّ مَنْ كَشَفَ ضُرَّهُ، وَهَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ مَنْ أَمَّرَ (4) عَلَيْهَا لِسَانَهُ.
3. وقَالَ عليه السلام: الْبُخْلُ عَارٌ، وَالْجُبْنُ مَنْقَصَةٌ، وَالفَقْرُ يُخْرِسُ الْفَطِنَ عَنْ حُجَّتِهِ، وَالْمُقِلُّ غَرِيبٌ فِي بَلْدَتِهِ (5) .
4. وقَالَ عليه السلام: الْعَجْزُ آفَةٌ، وَالصَّبْرُ شَجَاعَةٌ، وَالزُّهْدُ ثَرْوَةٌ، وَالْوَرَعُ جُنَّةٌ (6) ، وَنِعْمَ الْقَرِينُ الرِّضَى.
5. وقَالَ عليه السلام: الْعِلْمُ وِرَاثَهٌ كَرِيمَةٌ، وَالْأَدَبُ حُلَلٌ مُجَدَّدَةٌ، وَالْفِكْرُ مِرْآةٌ صَافِيَةٌ.
6. وقَالَ عليه السلام: صَدْرُ الْعَاقِلِ صُنْدُوقُ سِرِّهِ، وَالْبَشَاشَةُ حِبَالَةُ (7) الْمَوَدَّةِ، وَالْإِحْتِمالُ (8) قَبْرُ العُيُوبِ. وروي عنه عليه السلام أنّه قال في العبارة عن هذا المعنى أيضاً: الْمُسَالََةُ خَبْاءُ الْعُيُوبِ، وَمَنْ رَضِيَ عَنْ نَفْسِهِ كَثُرَ السَّاخِطُ عَلَيْهِ.
7. وقَالَ عليه السلام: َالصَّدَقَةُ دَوَاءٌ مُنْجِحٌ، وَأَعْمَالُ الْعِبَادِ فِي عَاجِلِهِمْ، نُصْبُ أَعْيُنِهِمْ فِي آجالِهِمْ.
8. وقال عليه السلام: اعْجَبُوا لِهذَا الْإِنْسَانِ يَنْظُرُ بِشَحْمٍ (9) ، وَيَتَكَلَّمُ بِلَحْمٍ (10) ، وَيَسْمَعُ بِعَظْمٍ (11) ، وَيَتَنَفَّسُ مِنْ خَرْمٍ!!
9. وقال عليه السلام: إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى أحَد أَعَارَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُ سَلَبَتْهُ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ.
10. وقال عليه السلام: خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ.
11. وقال عليه السلام: إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ.
12. وقال عليه السلام: أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الْإِخْوَانِ، وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ.
13. وقال عليه السلام: إِذَا وَصَلَتْ إِليْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ (12) فَلاَ تُنْفِرُوا أَقْصَاهَا (13) بِقِلَّةِ الشُّكْرِ.
14. وقال عليه السلام: مَنْ ضَيَّعَهُ الْأَقْرَبُ أُتِيحَ لَهُ (14) الْأَبْعَدُ.
15. وقال عليه السلام: مَا كُلُّ مَفْتُونٍ (15) يُعَاتَبُ.
16. وقال عليه السلام: تَذِلُّ الْأُمُورُ لِلْمَقَادِيرِ، حَتَّى يَكُونَ الْحَتْفُ (16) في التَّدْبِيرِ.
17. وسئل عليه السلام وعن قول النَّبيّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وَسلّم: «غَيِّرُوا الشَّيْبَ (17) ، وَلاَ تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ». فَقَال عليه السلام: إِنَّمَا قَالَ صلى الله عليه وآله ذلِكَ وَالدِّينُ قُلٌّ (18) ، فَأَمّا الْآنَ وَقَدِ اتَّسَعَ نِطَاقُهُ (19) ، وَضَرَبَ بِجِرَانِهِ (20) ، فَامْرُؤٌ وَمَا اخْتَارَ.
18. وقال عليه السلام: في الذين اعتزلوا القتال معه: خَذَلُوا الْحَقَّ، وَلَمْ يَنْصُرُوا الْبَاطِلَ.
19. وقال عليه السلام: مَنْ جَرَى فِي عِنَانِ (21) أَمَلِهِ عَثَرَ بِأَجَلِهِ (22) .
20. وقال عليه السلام: أَقِيلُوا ذَوِي الْمُرُوءَاتِ عَثَرَاتِهِمْ (23) ، فَمَا يَعْثُرُ مِنْهُمْ عَاثِرٌ إِلاَّ وَيَدُ اللهُ بِيَدِهِ يَرْفَعُهُ.
21. وقال عليه السلام: قُرِنَتِ الْهَيْبَةُ بِالْخَيْبَةِ (24) ، وَالْحَيَاءُ بِالْحِرْمَانِ (25) ، وَالْفُرْصَةُ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ، فَانْتَهِزُوا فُرَصَ الْخَيْرِ.
22. وقال عليه السلام: لَنَا حَقٌّ، فَإِنْ أُعْطِينَاهُ، وَإِلاَّ رَكِبْنَا أَعْجَازَ الْإِبِلِ، وَإِنْ طَالَ السُّرَى.
قال الرضي: و هذا من لطيف الكلام وفصيحه، ومعناه: أنّا إن لم نعط حقّنا كنا أذلاّء، وذلك أن الرديف يركب عجُزَ البعير، كالعبد والْأَسير ومن يجري مجراهما.
23. وقال عليه السلام: مَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ.
24. وقال عليه السلام: مِنْ كَفَّارَاتِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ إِغَاثَةُ الْمَلْهُوفِ، وَالتَّنْفِيسُ عَنِ الْمكْرُوبِ.
25. وقال عليه السلام: يَابْنَ آدَمَ، إِذَا رَأَيْتَ رَبَّكَ سُبْحَانَهُ يُتَابِعُ عَلَيْكَ نِعَمَهُ وَأَنْتَ تَعْصِيهِ فَاحْذَرْهُ.
26. وقال عليه السلام: مَا أَضْمَرَ أَحَدٌ شَيْئاً إِلاَّ ظَهَرَ فِي فَلَتَاتِ لِسَانِهِ، وَصَفَحَاتِ وَجْهِهِ.
27. وقال عليه السلام: امْشِ بِدَائِكَ مَا مَشَى بِكَ (26) .
28. وقال عليه السلام: أَفْضَلُ الزُّهْدِ إِخْفَاءُ الزُّهْدِ.
29. وقال عليه السلام: إِذَا كُنْتَ فِي إِدْبَارٍ (27) ، وَالْمَوْتُ فِي إِقْبَالٍ (28) ، فَمَا أسْرَعَ الْمُلْتَقَى!
30. وقال عليه السلام: في كلام له: الْحَذَرَ الْحَذَرَ! فَوَاللهِ لَقَدْ سَتَرَ، حتَّى كَأَنَّهُ قَدْ غَفَرَ.
31. وسُئِلَ عليه السلام عَنِ الْإِيمَانِ، فَقَالَ: الْإِيمَانُ عَلَى أَرْبَعِ دَعَائِمَ: عَلَى الصَّبْرِ، والْيَقِينِ، وَالْعَدْلِ، وَالْجَهَادِ: فَالصَّبْرُ مِنْهَا عَلَى أَربَعَِ شُعَبٍ عَلَى الشَّوْقِ، وَالشَّفَقِ (29) ، وَالزُّهْدِ، وَالتَّرَقُّبِ: فَمَنِ اشْتَاقَ إِلَى الْجَنَّةِ سَلاَ عَنِ الشَّهَوَاتِ، وَمَنْ أشْفَقَ مِنَ النَّارِ اجْتَنَبَ الْمُحَرَّمَاتِ، وَمَنْ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا اسْتَهَانَ بِالْمُصِيبَاتِ، وَمَنِ ارْتَقَبَ الْمَوْتَ سَارَعَ فِي الْخَيْرَاتِ.
وَالْيَقِينُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ: عَلَى تَبْصِرَةِ الْفِطْنَةِ، وَتَأَوُّلِ الْحِكْمَةِ (30) ، وَمَوْعِظَةِ الْعِبْرَةِ (31) ، وَسُنَّةِ (32) الْأَوَّلِينَ: فَمَنْ تَبَصَّرَ فِي الْفِطْنَةِ تبَيَّنَتْ لَهُ الْحِكْمَةُ، وَمَنْ تَبَيَّنَتْ لَهُ الْحِكْمَةُ عَرَفَ الْعِبْرَةَ، وَمَنْ عَرَفَ الْعِبْرَةَ فَكَأَنَّمَا كَانَ فِي الْأَوَّلِينَ. وَالْعَدْلُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ: عَلَى غائِصِ الْفَهْمِ، وَغَوْرِ الْعِلْمِ (33) ، وَزُهْرَةِ الْحُكْمِ (34) ، وَرَسَاخَةِ الْحِلْمِ: فَمَنْ فَهِمَ عَلِمَ غَوْرَ الْعِلْمِ، وَمَنْ عَلِمَ غَوْرَ الْعِلْمِ صَدَرَ عَنْ شَرَائِعِ الْحُكْمِ (35) ، وَمَنْ حَلُمَ لَمْ يُفَرِّطْ فِي أَمْرِهِ وَعَاشَ فِي النَّاسِ حَمِيداً. وَالْجِهَادُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ: عَلَى الْأَمْرِ بالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنكَرِ، وَالصِّدْقِ فِي الْمَوَاطِنِ (36) ، وَشَنَآنِ (37) الْفَاسِقيِنَ: فَمَنْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ شَدَّ ظُهُورَ الْمُؤمِنِينَ، وَمَنْ نَهَىِ عَنِ الْمُنْكَرِ أَرْغَمَ أُنُوفَ الْكَافِرِينَ ومَنْ صَدَقَ فِي الْمَوَاطِنِ قَضَى مَا عَلَيْهِ، وَمَنْ شَنِىءَ الْفَاسِقِينَ وَغَضِبَ لِلَّهِ غَضِبَ اللهُ لَهُ وَأَرْضَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَالْكُفْرُ عَلَى أَرْبَعِ دَعَائِمَ: عَلَى التَّعَمُّقِ (38) ، وَالتَّنَازُعِ، وَالزَّيْغِ (39) ، وَالشِّقَاقِ (40) : فَمَنْ تَعَمَّقَ لَمْ يُنِبْ (41) إِلَى الْحَقِّ، وَمَنْ كَثُرَ نِزَاعُهُ بِالْجَهْلِ دَامَ عَمَاهُ عَنِ الْحَقِّ، وَمَنْ زَاغَ سَاءَتْ عِنْدَهُ الْحَسَنَةُ وَحَسُنَتْ عِنْدَهُ السَّيِّئَةُ وَسَكِرَ سُكْرَ الضَّلاَلَةِ، وَمَنْ شَاقَّ وَعُرَتْ (42) عَلَيْهِ طُرُقُهُ وَأَعْضَلَ (43) عَلَيْهِ أَمْرُهُ وَضَاق عَلَيْه مَخْرَجُهُ. وَالشَّكُّ عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ: عَلَى الَّتمارِي (44) ، وَالهَوْلِ (45) ، وَالتَّرَدُّدِ (46) والْإِسْتِسْلاَمِ (47) : فَمَنْ جَعَلَ الْمِرَاءَ (48) دَيْدَناً (49) لَمْ يُصْبِحْ لَيْلُهُ (50) ، وَمَنْ هَالَهُ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ (51) ، وَمَن تَرَدَّدَ فِي الرَّيْبِ (52) وَطِئَتْهُ سَنَابِكُ الشَّيَاطِينِ (53) ، وَمَنِ اسْتَسْلَمَ لِهَلَكَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هَلَكَ فِيهِمَا. قال الرضي: و بعد هذا كلام تركنا
ذكره خوف الْإِطالة والخروج عن الغرض المقصود في هذا الباب .
32. وقال عليه السلام: فَاعِلُ الْخَيْرِ خَيْرٌ مِنْهُ، وَفَاعِلُ الشَّرِّ شَرٌّ مِنْهُ.
33. وقال عليه السلام: كُنْ سَمَحاً وَلاَ تَكُنْ مُبَذِّراً، وَكُنْ مُقَدِّراً (54) وَلاَ تَكُنْ مُقَتِّراً (55) .
34. وقال عليه السلام: أَشْرَفُ الْغِنَى تَرْكُ الْمُنى (56) .
35. وقال عليه السلام: مَنْ أَسْرَعَ إِلَى النَّاسِ بِمَا يَكْرَهُونَ، قَالُوا فِيهِ بما لاَ يَعْلَمُونَ.
36. وقال عليه السلام: مَنْ أَطَالَ الْأَمَلَ (57) أَسَاءَ الْعَمَلَ.
37. وقال عليه السلام وقد لقيه عند مسيره إلى الشام دهاقين الأنبار (58) ، فترجّلوا له (59) واشتدّوا بين يديه (60) فقال: مَا هذَا الَّذِي صَنَعْتُمُوهُ؟ فقالوا: خُلُقٌ مِنَّا نُعَظِّمُ بِهِ أُمَرَاءَنَا.
فقال عليه السلام: وَاللهِ مَا يَنْتَفِعُ بِهذَا أُمَرَاؤُكُمْ! وَإِنَّكُمْ لَتَشُقُّونَ (61) عَلَى أَنْفُسِكْمْ فِي دُنْيَاكُمْ، وَتَشْقَوْنَ (62) بِهِ فِي آخِرَتِكُمْ، وَمَا أخْسرَ الْمَشَقَّةَ وَرَاءَهَا الْعِقَابُ، وَأَرْبَحَ الدَّعَةَ (63) مَعَهَا الْأَمَانُ مِنَ النَّارِ!
38. وقال عليه السلام: لِإِبنه الحسن عليه السلام: يَا بُنَيَّ، احْفَظْ عَنِّي أَرْبَعاً وَأَرْبَعاً، لاَ يَضُرَّكَ مَا عَمِلْتَ مَعَهُنَّ: إِنَّ أَغْنَى الْغِنَىُ الْعَقْلُ، وَأَكْبَرَ الْفَقْرِ الْحُمْقُ، وَأَوحَشَ الْوَحْشَةِ الْعُجْبُ (64) ، وَأَكْرَمَ الْحَسَبَ حُسْنُ الْخُلُقِ. يَا بُنَيَّ، إِيَّاكَ وَمُصَادَقَةَ الْأَحْمَقِ، فَإِنَّهُ يُريِدُ أَنْ يَنْفَعَكَ فَيَضُرَّكَ. وَإِيَّاكَ وَمُصَادَقَةَ الْبَخِيلِ، فَإِنَّهُ يَقْعُدُ عَنْكَ أَحْوَجَ مَا تَكُونُ إِلَيْهِ. وَإِيَّاكَ وَمُصَادَقَةَ الْفَاجِرِ، فَإِنَّهُ يَبِيعُكَ بِالتَّافِهِ (65) . وَإِيَّاكَ وَمُصَادَقَةَ الْكَذَّابِ، فَإِنَّهُ كَالسَّرَابِ (66) : يُقَرِّبُ عَلَيْكَ الْبَعِيدَ، وَيُبَعِّدُ عَلَيْكَ الْقَرِيبَ.
39. وقال عليه السلام: لاَ قُرْبَةَ بِالنَّوَافِلِ (67) إِذَا أَضَرَّتْ بِالْفَرَائِضِ.
40. وقال عليه السلام: لِسَانُ الْعَاقِلِ وَرَاءَ قَلْبِهِ، وَقَلْبُ الْأَحْمَقِ وَرَاءَ لِسَانِهِ.
قال الرضي: و هذا من المعاني العجيبة الشريفة، والمراد به أنّ العاقل لا يطلق لسانه إلاّ بعد مشاورة الرَّوِيّةِ ومؤامرة الفكرة. والأحمق تسبق حذفاتُ لسانه (68) وفلتاتُ كلامه مراجعةَ فكره (69) ومماخضة رأيه (70) ، فكأن لسان العاقل تابع لقلبه، وكأن قلب الأحمق تابع للسانه.
41.و قد روي عنه عليه السلام هذا المعني بلفظ، آخر و هو قوله :قَلْبُ الْأَحْمَقِ فِي فَيهِ، وَ لَسَانُ الْعَاقِلِ فِي قَلْبِهِ. و معناهما واحد.
42. وقال عليه السلام لبعض أَصحابه في علّة اعتلّها: جَعَلَ اللهُ مَا كَانَ مِنْ شَكْوَاكَ حطّاً لِسَيِّئَاتِكَ، فَإِنَّ الْمَرَضَ لاَ أَجْرَ فِيهِ، وَلكِنَّهُ يَحُطُّ السَّيِّئَاتِ، وَيَحُتُّهَا حَتَّ (71) الْأَوْرَاقِ، وَإِنَّمَا الْأَجْرُ فِي الْقَوْلِ بِالّلسَانِ، وَالْعَمَلِ بِالْأَيْدِي وَالْأَقْدَامِ، وَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ يُدْخِلُ بِصِدْقِ النِّيَّةِ وَالسَّرِيرَةِ الصَّالِحَةِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عَبَادِهِ الْجَنَّةَ. قال الرضي: و أقول: صدق عليه السلام، إنّ المرض لا أجر فيه، لأنه ليس من قبيل ما يُستحَقّ عليه العوض، لأن العوض يستحق على ما كان في مقابلة فعل الله تعالى بالعبد، من الآلام والأمراض، وما يجري مجرى ذلك،الأجر والثواب يستحقان على ما كان في مقابلة فعل العبد، فبينهما فرق قد بينه عليه السلام، كما يقتضيه علمه الثاقب رأيه الصائب.
44. وقال عليه السلام طُوبَى لِمَنْ ذَكَرَ الْمَعَادَ، وَعَمِلَ لِلْحِسَابِ، وَقَنِعَ بِالْكَفَافِ (72) ، وَ رَضِيَ عَنِ اللهِ.
45. وقال عليه السلام: لَوْ ضَرَبْتُ خَيْشُومَ (73) الْمُؤْمِنِ بِسَيْفِي هذَا عَلَى أَنْ يُبْغِضَنِي مَاأَبْغَضَنِي، وَلَوْ صَبَبْتُ الدُّنْيَا بِجَمَّاتِهَا (74) عَلَى الْمُنَافِقِ عَلَى أَنْ يُحِبَّنِي مَا أَحَبَّنِي: وَذلِكَ أَنَّهُ قُضِيَ فَانْقَضَى عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَ سَلَّمِ أَنَّهُ قَالَ: يَا عَلِيُّ، لاَ يُبْغِضُكَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يُحِبُّكَ مُنَافِقٌ.
47. وقال عليه السلام: قَدْرُ الرَّجُلِ عَلَى قَدْرِ هِمَّتِهِ، وَصِدْقُهُ عَلَى قَدْرِ مُرُوءَتِهِ، وَشَجَاعَتُهُ عَلَى قَدْرِ أَنَفَتِهِ، عِفَّتُهُ عَلَى قَدْرِ غَيْرَتِهِ.
49. وقال عليه السلام: احْذَرُوا صَوْلَةَ الْكَرِيمِ إذَا جَاعَ، واللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ.
50. وقال عليه السلام : قُلُوبُ الرِّجَالِ وَحْشِيَّةٌ فَمَنْ تَأَلَّفَهَا أَقْبَلَتْ عَلَيْهِ.

1. ابن اللَبون ـ بفتح اللام وضم الباء ـ : ابن الناقة إذا استكمل سنتين.
2. أزْرَى بها: حَقَرَها.
3. اسْتَشْعَرَه: تبطّنَه وتخلّق به.
4. أمّرَ لسانَه: جعله أميراً.
5. المُقِلّ ـ بضم فكسر وتشديد اللام ـ : الفقير.
6. الجُنّة ـ بالضم ـ : الوقاية.
7. الحِبَالَة ـ بكسر الحاء، بزِنَة كِتابة ـ : شَبَكَة الصيد، ومثله الأحْبُول والاحْبُولَة ـ بضم الهمزة فيهما ـ وتقول: حَبَلَ الصيدَ واحتبله، إذا أخذه بها.
8. الاحتمال: تحمّل الأذى.
9. يَنْظُرُ بشحْم: يريد بالشحم، شَحْم الحدقة.
10. يتَكلّم بلحم: يريد باللحم، اللسان.
11. يسْمَع بعظْم: يريد عظام الأذن يضربها الهواء فتقرع عصب الصماخ فيكون السماع.
12.أطْرَاف النِّعَم: أوائلها.
13. أقْصاها: أبعدها، والمراد آخرها.
14. أُتِيح له: قُدّر له.
15. المَفْتُون: الداخل في الفتنة.
16. الحَتْف ـ بفتح فسكون ـ : الهلاك.
17. غَيِّرُوا الشّيْبَ: يريد تغييره بالخِضاب ليراهم الأعداء كهولاً أقوياء.
18. قُلّ ـ بضم القاف ـ أي: قليل أهله.
19. النِطَاق ـ ككتاب ـ : الحِزام العريض، واتساعه كناية عن العظم والإنتشار.
20. الجِرَان ـ على وزن النِطاق ـ : مقدّم عُنُق البعير يضرب به على الأرض إذا استراح وتمكن.
21. العِنان ـ ككتاب ـ : سِير اللجام تُمْسك به الدابة.
22. عَثرَ بأجلَِه: المراد أنه سقط في أجَلِهِ بالموت قبل أن يبلغ ما يريد.
23. العَثْرَة: السَقْطَة، وإقالة عَثْرَتِه: رَفْعُهُ من سقطته. والمُرُوءة ـ بضم الميم ـ : صفة للنفس تحملها على فعل الخير لأنه خير.
24. قُرِنَتِ الهَيْبةُ بالخَيْبَة: أي من تهيّب أمراً خاب من إدراكه.
25. الحياء بالحرمان أي: من أفرط به الخجل من طلب شيء حرم منه.
26. امْشِ بدائكَ أي: مادام الداء سهل الأحتمال يمكنك معه العمل في شؤونك فاعمل، فان أعياك فاسترح له.
27. كنت في إدْبَار أي: تركت الموت خلفك وتوجّهت اليه ليلحق بك.
28. الموت في إقْبَال أي: توجه إليك بعد أن تركته خلفك.
29. الشّفَق ـ بالتحريك ـ : الخوف.
30. تأوّل الحكمة: الوصول إلى دقائقها.
31. العِبْرَة: الاعتبار والاتعاظ.
32. سُنّة الأوّلين: طريقتهم وسيرتهم.
33. غَوْر العلم: سرّه وباطنه.
34. زُهْرَة الحكم ـ بضم الزاي ـ أي: حُسْنه.
35. الشرائع ـ جمع شريعة ـ : أصلها مورد الشاربة، والمراد ـ هنا ـ الظاهر المستقيم من المذاهب، وصدرعنها أي: رجع عنها بعد ما اغترف ليفيض على الناس مما اغترف فيحسن حكمه.
36. الصدق في المَوَاطِن: مواطن القتال في سبيل الحق.
37. الشَنَآن ـ بالتحريك ـ : البغض.
38. التَعَمّق: الذهاب خلف الأوهام على زعم طلب الأسرار.
39. الزَيْغ: الحَيَدَان عن مذاهب الحق والميل مع الهوى الحيواني.
40. الشِقَاق: العِناد.
41. لم يُنِبْ أي: لم يرجع، أناب يُنِيب: رجع.
42. وَعُرَ الطريقُ ـ كَكَرُمَ ووَعَدَ ووَلِعَ ـ : خَشُنَ ولم يسهل السير فيه.
43. أعْضَلَ: اشتدّ وأعجزت صعوبته.
44. التَمَارِي: التجادُل لاظهار قوة الجدل لا لاحقاق لحق.
45. الهَوْل ـ بفتح فسكون ـ : مخافتك من الأمر لا تدري ما هجم عليك منه فتدهش.
46. الترَدّد: انتقاض العزيمة وانفساخها ثم عودها ثم انفساخها.
47. الاسْتِسْلام: إلقاء النفس في تيار الحادثات.
48. المِرَاء ـ بكسر الميم ـ : الجدال.
49. الدَيْدَن: العادة.
50. لم يصبح ليله أي: لم يخرج من ظلام الشك إلى نهار اليقين.
51. نَكَصَ على عَقِبَيْه: رجع متقهقراً.
52. الرَيْب: الظنّ، أي الذي يتردد في ظنه ولا يعقد العزيمة في أمره.
53. سَنَابِكُ الشياطين: جمع سُنْبُك بالضم، وهو طَرَف الحافر; ووطئته: داسته، أي تستنزله شياطين الهوى فتطرحه في الهَلَكة.
54. المُقَدّر: المُقْتَصِد، كأنه يقدّر كل شيء بقيمته فينفق على قدره.
55. المُقَتّر: المُضَيّق في النفقة، كأنه لا يعطي إلاّ القتر، أي الرمقة من العيش.
56. المُنى: جمع مُنْيَة، وهي ما يتمناه الإنسان لنفسه، وفي تركها غنى كامل، لأن من زهد شيئاً استغنى عنه.
57. طول الأمَل: الثقة بحصول الأماني بدون عمل لها.
58. الدَهَاقِين: جمع دِهْقان، وهو زعيم الفلاحين في العَجَم. والأنْبار: من بلاد العراق.
59. تَرَجّلُوا أي: نزلوا عن خيولهم مُشاةً.
60. اشتدّوا: أسرعوا.
61. تَشُقُّون ـ بضم الشين وتشديد القاف ـ : من المشقّة.
62. تَشْقَوْن الثانية ـ بسكون الشين ـ : من الشقاوة.
63. الدَعَة ـ بفتحات ـ : الراحة.
64. العُجْب ـ بضم فسكون ـ : الإعجاب بالنفس، ومن أعجب بنفسه مقته الناس، فلم يكن له أنيس وبات في وحشة دائمة.
65. التافه: القليل.
66. السَرَاب: ما يراه السائر الظمآن في الصحراء فيحسبه ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً.
67. النوافِل: جمع نافلة، وهي ما يتطوع به من الأعمال الصالحات زيادة على الفرائض المكتوبة، والمراد أن المتطوّع بما لم يكتب عليه لا يقربه إلى الله تطوّعه إذا قصّر في أداء الواجب.
68. وحذفات اللسان: ما يلقيه الأحمق من العبارات العجلى بدون روية ولا تفكير.
69. مراجَعَة الفِكر أي: التروي فيما سبق به اللسان.
70. مُمَاخَضَة الرأي: تحريكه حتى يظهر زُبْده، وهو الصواب.
71. حَتّ الورق عن الشجرة: قَشْرُهُ، والصبر على العلّة: رجوع إلى الله واستسلام لقدره، وفي ذلك خروج اليه من جميع السيئات وتوبة منها، لهذا كان يَحُتّ الذنوب.
72. الكفاف: العيش الوسط الذي يكفي الإنسان حاجاته الأصلية.
73. الخَيْشُوم: أصل الأنف.
74. الجمّات: جمع جَمّة ـ بفتح الجيم ـ وهو من السفينة مُجْتَمَعُ الماء المترشّح من ألواحها، والمراد لوكفأت عليهم الدنيا بجليلها وحقيرها.

ومن خطبة له عليه السلام وفيه ينفر من الغفلة وينبه إلى الفرار لله


فَإِنَّكُمْ لَوْ قَدْ عَايَنْتُمْ مَا قَدْ عَايَنَ مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ لَجَزِعْتُمْ وَوَهِلْتُمْ (1) ، وَسَمِعْتُمْ وَأَطَعْتُمْ، وَلكِنْ مَحْجُوبٌ عَنْكُمْ مَا قَدْ عَايَنُوا، وَقَرِيبٌ مَا يُطْرَحُ الْحِجَابُ! وَلَقَدْ بُصِّرْتُمْ إِنْ أَبْصَرْتُمْ، وَأُسْمِعْتُمْ إِنْ سَمِعْتُمْ، وَهُدِيتُمْ إِنِ اهْتَدَيْتُمْ، وَبِحَقٍّ أَقَولُ لَكُمْ: لَقَدْ جَاهَرَتْكُمُ العِبَرُ (2) ، وَزُجِرْتُمْ بِمَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ، وَمَا يُبَلِّغُ عَنِ اللهِ بَعْدَ رُسُلِ السَّماءِ (3) إِلاَّ البَشَرُ .

1.الوَهَلُ: الخوف والفزع، من وَهِلَ يَوْهَلُ.
2. جَاهَرَتْكُمُ العِبَرُ: انتصبت لتنبهكم جهراً وصرحت لكم بعواقب أُموركم، والعِبر جمع عِبْرَة، والعِبرة: الموعظة.
3. رُسُلُ السماء: الملائكة.

ومن كلام له عليه السلام قاله للأشعث بن قيس وهو على منبر الكوفة يخطب

فمضى في بعض كلامه شيء اعترضه الأشعث فيه، فقال: يا أميرالمؤمنين، هذه عليك لا لك، فخفض عليه السلام إليه بصره ثم قال:

مَا يُدْرِيكَ مَا عَلَيَّ مِمَّا لِي عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللهِ وَلَعْنَةُ اللاَّعِنِينَ! حَائِكٌ ابْنُ حَائِكٍ! مُنَافِقٌ ابْنُ كُافِرٍ! وَاللهِ لَقَدْ أَسَرَكَ الكُفْرُ مَرَّةً وَالْإِسْلامُ أُخْرَى! فَمَا فَدَاكَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَالُكَ وَلاَ حَسَبُكَ! وَإِنَّ امْرَأً دَلَّ عَلَى قَوْمِهِ السَّيْفَ، وَسَاقَ إِلَيْهِمُ الْحَتْفَ، لَحَرِيٌّ أَنْ يَمْقُتَهُ الْأَقْرَبُ، وَلاَ يَأْمَنَهُ الْأَبْعَدُ! قال السيد الشريف: يريد عليه السلام أنه أُسر في الكفر مرة وفي الإِسلام مرة. وأما قوله: دل على قومه السيف: فأراد به حديثاً كان للأشعث مع خالد بن الوليد باليمامة، غرّ فيه قومه ومكر بهم حتى أوقع بهم خالد، وكان قومه بعد ذلك يسمونه «عُرْفَ النار»، وهو اسم للغادر عندهم.

ومن كلام له عليه السلام في ذمّ اختلاف العلماءِ في الفتيا وفيه يذم أهل الرأي ويكل أمر الحكم في أمور الدين للقرآن ذم اهل الرأي


تَرِدُ عَلَى أحَدِهِمُ القَضِيَّةُ في حُكْمٍ مِنَ الْأَحْكَامِ فَيَحْكُمُ فِيهَا بِرَأْيِهِ، ثُمَّ تَرِدُ تِلْكَ القَضِيَّةُ بِعَيْنِهَا عَلَى غَيْرِهِ فَيَحْكُمُ فِيها بِخِلافِ قَوْلِهِ، ثُمَّ يَجْتَمِعُ الْقُضَاةُ بِذلِكَ عِنْدَ الِْإمَامِهِم الَّذِي اسْتَقْضَاهُم (1) ، فَيُصَوِّبُ آرَاءَهُمْ جَمِيعاً- وَإِلهُهُمْ وَاحِدٌ! وَنَبِيُّهُمْ وَاحِدٌ! وَكِتَابُهُمْ وَاحِدٌ! أَفَأَمَرَهُمُ اللهُ ـ سُبْحَانَهُ ـ بِالِْاخْتلاَفِ فَأَطَاعُوهُ! أَمْ نَهَاهُمْ عَنْهُ فَعَصَوْهُ!
الحكم القرآن أَمْ أَنْزَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ دِيناً نَاقِصاً فَاسْتَعَانَ بِهِمْ عَلَى إِتْمَامِهِ! أَمْ كَانُوا شُرَكَاءَ لَهُ فَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا وَعَلَيْهِ أَنْ يَرْضِى؟ أَمْ أَنْزَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ دِيناً تَامًّا فَقَصَّرَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ عَنْ تَبْلِيغِهِ وَأَدَائِهِ وَاللهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: (مَا فَرَّطْنَا في الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) وَفِيهِ تِبْيَانٌ لِكُلِّ شَيْءٍ، وَذَكَرَ أَنَّ الْكِتَابَ يُصَدِّقُ بَعْضَهُ بَعْضاً، وَأَنَّهُ لاَ اخْتِلافَ فِيهِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً). وَإِنَّ الْقُرآنَ ظَاهِرُهُ أَنِيقٌ (2) ، وَبَاطِنُهُ عَمِيقٌ، لاَ تَفْنَى عَجَائِبُهُ، وَلاَتَنْقَضِي غَرَائِبُهُ، وَلاَ تُكْشَفُ الظُّلُمَاتُ إلاَّ بِهِ.

1. الامام الذي استقضاهم: الخليفة الذي ولاّهم القضاء.
2. أنيق: حسن مُعْجِبٌ (بأنواع البيان)، وآنقني الشيء: أعجبني.

ومن كلام له عليه السلام في صفة من يتصدّى للحكم بين الْأُمة وليس لذلك بأَهل وفيها: أبغض الخلائق إلي الله صنفان


الصنف الأول : إِنَّ أَبْغَضَ الْخَلائِقِ إِلَى اللهِ رَجُلانِ: رَجُلٌ وَكَلَهُ اللهُ إِلَى نَفْسِهِ (1) ، فَهُوَ جَائِرٌ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ (2) ، مَشْغُوفٌ (3) بِكَلاَمِ بِدْعَةٍ (4) ، وَدُعَاءِ ضَلاَلَةٍ، فَهُوَ فِتْنَةٌ لِمَنِ افْتَتَنَ بِهِ، ضَالٌّ عَنْ هَدْيِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ، مُضِلُّ لِمَنِ اقْتَدَى بِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، حَمَّالٌ خَطَايَا غَيْرِهِ، رَهْنٌ بِخَطِيئَتِهِ (5) . الصنف الثاني : وَرَجُلٌ قَمَشَ جَهْلاً (6) ، مُوضِعٌ في جُهَّالِ الْأُمَّةِ (7) ، عَادٍ (8) في أَغْبَاشِ (9) الْفِتْنَةِ، عِمٍ (10) بِمَا في عَقْدِ الْهُدْنَةِ (11) ، قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ النَّاسِ عَالمِاً وَ لَيْسَ بِهِ، بَكَّرَ فَاسْتَكْثَرَ مِنْ جَمْعٍ، مَا قَلَّ مِنْهُ خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ، حَتَّى إِذَا ارْتَوَى مِنْ مَاءٍ آجِنٍ (12) ، وَاكْتَثَرَ (13) مِن غَيْرِ طَائِلٍ (14) ، جَلَسَ بَيْنَ النَّاسِ قَاضِياً ضَامِناً لِتَخْلِيصِ (15) مَا الْتَبَسَ عَلَى غيْرِهِ (16) ، فَإِنْ نَزَلَتْ بِهِ إِحْدَى المُبْهَمَاتِ هَيَّأَ لَهَا حَشْواً (17) رَثّاً (18) مِنْ رَأْيِهِ، ثُمَّ قَطَعَ بِهِ، فَهُوَ مِنْ لَبْسِ الشُّبُهَاتِ فِي مِثْلِ نَسْجِ العَنْكَبُوتِ: لاَ يَدْرِي أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ، فَإِنْ أَصَابَ خَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْطَأَ، وَإِنْ أَخْطَأَ رَجَا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَصَابَ. جَاهِلٌ خَبَّاطُ (19) جَهلات، عَاشٍ (20) رَكَّابُ عَشَوَاتٍ (21) ، لَمْ يَعَضَّ عَلَى الْعِلْمِ بِضِرْسٍ قَاطِعٍ. يُذْرِو (22) الرِّوَايَاتِ ذَرْوَ الرِّيحِ الهَشِيمَ (23) ، لاَ مَلِيٌّ (24) ـ وَاللهِ ـ بِإِصْدَارِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ، وَلاَ أَهْلٌ لِمَا قُرْظَ بِهِ (25) ، لاَ يَحْسَبُ العِلْمَ في شيْءٍ مِمَّا أَنْكَرَهُ، وَلاَ يَرَى أَنَّ مِنْ وَرَاءِ مَا بَلَغَ مَذْهَباً لِغَيْرهِ، وَإِنْ أَظْلَمَ عَلَيْهِ أَمْرٌ اكْتَتَمَ بِهِ (26) لِمَا يَعْلَمُ مِنْ جَهْلِ نَفْسِهِ، تَصْرُخُ مِنْ جَوْرِ قَضَائِهِ الدِّمَاءُ، وَتَعَجُّ مِنْهُ المَوَارِيثُ (27) . إِلَى اللهِ أَشْكُو مِنْ مَعْشَرٍ يَعِيشُونَ جُهَّالاً، وَيَمُوتُونَ ضُلاَّلاً، لَيْسَ فِيهِمْ سِلْعَةٌ أَبْوَرُ (28) مِنَ الْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلاَوَتِهِ، وَلاَ سِلْعَةٌ أَنْفَقُ (29) بَيْعاً وَلاَ أَغْلَى ثَمَناً مِنَ الْكِتَابِ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَلاَ عِنْدَهُمْ أَنْكَرُ مِنَ المَعْرُوفِ، وَلاَ أَعْرَفُ مِنَ المُنكَرِ!

1. وكله الله إلى نفسه: تركه ونفسَهُ.
2. جَائرٌ عن قصد السبيل ـ هنا ـ : عادل عن جادّتهِ.
3. المشغوف بشيء: المولع به حتى بلغ حبه شغاف قلبه، وهو غلافه.
4. كلام البِدْعة: ما اخترعته الاهواء ولم يعتمد على ركن من الحق ركين.
5. رَهْنٌ بخطيئته: لا مخرج له منها.
6. قَمَشَ جهلاً: جمعه، وأصل القَمْش: جمع المتفرق.
7. (مُوضِعٌ في جُهّالِ الامّة): مسرع فيها بالغش والتغرير، أوضع البعير: أسرع، وأوضعه راكبه فهو مُوضِعٌ به أي مسرع به.
8. عادٍ : جار بسرعة، من عَدَا يَعْدُو اذا جري.
9. أغباش: جمع غَبَش بالتحريك، وأغباش الليل: بقايا ظلمته.
10. عَمٍ: وصف من العمى، والمراد: جاهل.
11. عَقْدُ الهُدنة: الاتفاق على الصلح والمسالمة بين الناس.
12. الماءُ الآجِنُ: الفاسد المتغير اللون والطعم.
13. اكْتَثَرَ : اسْتَكْثَرَ.
14. غير طائل: دونٌ، خسيسٌ.
15. التخليص: التبيين.
16. التبسَ على غيره: اشتَبَهَ عليه.
17. الحَشْوُ: الزائد الذي لا فائدة فيه.
18. الرّثّ: الخَلَقُ البالي، ضد الجديد.
19. خَبّاط: صيغة المبالغة من خبط الليل إذا سار فيه على غير هدى.
20. عاش: خابط في الظلام.
21. العَشَوَات: جمع عَشوَة ـ مثلثة الاول ـ وهي ركوب الامر على غير هدى.
22. يَذْرُو : ينثر، و هو أفصح من يُذْرِي إذراءً. قال الله تعالي (فأصبح هَشيماً تَذْرُوهُ الرّياح).
23. الهَشِيمُ: ما يَبِسَ من النّبْتِ وتهشّمَ وَتَفَتّتَ.
24. المَلِيّ بالشيء: القَيّمُ به الذي يجيد القيام عليه.
25.ولا أهل لما قُرّظَ به :مُدح, و هذه رواية ابن قتيبه و هي أنسب بالسياق من الرواية المشهورة.
26. اكتتم به: فوّض إليه: كتمه وستره لما يعلم من جهل نفسه.
27. العَجّ: رفع الصوت، وعجّ المواريث هنا: تمثيل لحدّةِ الظلم وشدّة الجَوْر.
28. أبْوَرُ: من بَارَتِ السّلْعة: كَسَدَتْ.
29. أنْفَقُ: من النّفاق ـ بالفتح ـ وهو الرّواج.

من كلام له عليه السلام لمّا بويع بالمدينة وفيها يخبر الناس بعلمه بما تؤول إليه أحوالهم وفيها يقسمهم إلى أقسام:

ذِمَّتي (1) بِمَا أَقُولُ رَهِينَةٌ (2) وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (3) . إِنَّ مَنْ صَرَّحَتْ لَهُ العِبَرُ (4) عَمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ المَثُلاتِ (5) ، حَجَزَتْهُ (6) التَّقْوَى عَنْ تَقَحُّمِ الشُّبُهَاتِ (7) . أَلاَ وَإِنَّ بَلِيَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَيْئَتِهَا (8) يَوْمَ بَعَثَ اللهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَتُبَلْبَلُنَّ (9) بَلْبَلَةً، وَلَتُغَرْبَلُنَّ (10) غَرْبَلَةً، وَلَتُسَاطُنَّ (11) سَوْطَ الْقِدْرِ(12) ، حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلاَكُمْ، وَأَعْلاَكُمْ أَسْفَلَكُمْ، وَلَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا، وَلَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا. وَاللهِ مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً (13) ، وَلا كَذَبْتُ كِذْبَةً، وَلَقَدْ نُبِّئْتُ بِهذَا الْمَقَامِ وَهذَا الْيَوْمِ. أَلاَ وَإِنَّ الْخَطَايَا خَيْلٌ شُمُسٌ (14) حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُها، وَخُلِعَتْ لُجُمُهَا (15) ، فَتَقَحَّمَتْ (16) بِهِمْ في النَّار. أَلاَ وَإِنَّ التَّقْوَى مَطَايَا ذُلُلٌ (17) ، حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا، وَأُعْطُوا أَزِمَّتَها، فَأَوْرَدَتْهُمُ الْجَنَّةَ. حَقٌّ وَبَاطِلٌ، وَلِكُلٍّ أَهْلٌ، فَلَئِنْ أَمِرَ الْبَاطِلُ لَقَدِيماً فَعَلَ، وَلَئِنْ قَلَّ الْحقُّ فَلَرُبَّمَا وَلَعَلَّ، وَلَقَلَّمَا أَدْبَرَ شَيءٌ فَأَقْبَلَ! قال السيد الشريف: وأقول: إنّ في هذا الكلام الأدنى من مواقع الإحسان ما لاتبلغه مواقع الاستحسان، وإنّ حظ العجب منه أكثر من حظ العجب به. وفيه ـ مع الحال التي وصفنا ـ زوائد من الفصاحة لا يقوم بها لسان، ولا يَطَّلع فَجها إنسان (18) ، ولا يعرف ما أقول إلاّ من ضرب في هذه الصناعة بحق، وجرى فيها على عرق (19) ، (وَمَا يَعْقِلُهَا إلاّ العَالمِونَ).
ومن هذه الخطبة وفيها يقسّم الناس إلى ثلاثة أصناف
 شُغِلَ مَنِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ أَمَامَهُ! سَاعٍ سَرِيعٌ نَجَا، وَطَالِبٌ بَطِيءٌ رَجَا، وَمُقَصِّرٌ في النَّارِ هَوَى. اَلْيَمِينُ وَالشِّمالُ مَضَلَّةٌ، وَالطَّرِيقُ الوُسْطَى هِيَ الْجَادَّةُ (20) ، عَلَيْهَا بَاقِي الْكِتَابِ وَآثَارُ النُّبُوَّةِ، وَمِنْهَا مَنْفَذُ السُّنَّةِ، وَإلَيْهَا مَصِيرُ الْعَاقِبَةِ. هَلَكَ مَنِ ادَّعى، وَخَابَ مَنِ افْتَرَى. مَنْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ لِلْحَقِّ هَلَكَ. وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلاً أَلاَّ يَعْرِفَ قَدْرَهُ. لاَيَهْلِكُ عَلَى التَّقْوَى سِنْخُ (21) أَصْلٍ، وَلاَ يَظْمَأُ عَلَيْهَا زَرْعُ قَوْمٍ. فَاسْتَتِرُوا فِي بِبُيُوتِكُمْ، وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ، وَالتَّوْبَةُ مِنْ وَرَائِكُمْ، وَلاَ يَحْمَدْ حَامِدٌ إِلاَّ رَبَّهُ، وَلاَ يَلُمْ لاَئِمٌ إِلاَّ نَفْسَهُ.

1. الذّمّة: العهد.
2. رهينة: مرهونة، من الرهن.
3. الزعيم: الكفيل، يريد أنه ضامن لصدق ما يقول.
4. العِبَر ـ بكسر ففتح ـ : جمع عِبرة، بمعنى الموعظة.
5. المَثُلاَتُ: العُقوبات.
6. حَجَزَتْهُ: مَنَعَتْهُ.
7. تَقَحُّمُ الشّبُهَات: التّرَدّي فيها.
8. عادت كهيئتها: رجعت إلى حالها الأُولى.
9. لَتُبَلْبَلُنّ: لَتُخْلَطُنّ، ومنه «تَبَلْبَلَتِ الألسُنُ»: اختلطت.
10. لَتُغَرْبَلُنّ: لتُمَيَّزُنّ كما يميّز الدقيق عند الغربلة من نُخالته.
11. لَتُسَاطُنّ: من السّوط، وهو أن تجعل شيئين في الاناء وتضربهما بيديك حتى يختلطا.
12. سَوْط القِدْر: أي كما تختلط الابْزَارُ ونحوها في القدر عند غليانه فينقلب أعلاها أسفلها وأسفلها أعلاها، وكل ذلك حكاية عما يؤولون إليه من الاختلاف، وتقطع الأرحام، وفساد النظام.
13. الوَشْمَةُ: الكلمة.
14. الشُمُسُ: جمع شَمُوس وهي من «شَمَسَ» كنصر أي منع ظهره أن يُرْكَبَ.
15. لُجُمُها: جمع لِجام، وهو عنان الدّابة الذي تُلجم به.
16. تقحمت بهم في النار: أردتهم فيها.
17. الذُلُل: جمع ذَلول، وهي المُرَوّضَةُ الطائعة.
18. لا يَطّلع فَجَّهَا: من قولهم اطّلَعَ الأرض أي بلغها. والفجّ: الطريق الواسع بين جَبَلَيْنِ.
19. العِرْق: الأصل.
20. الجادّة: الطريق.
21. السِّنْخُ: المثبّت، يقال: ثبتت السنّ في سِنْخِها: أي منبتها.

ومن كلام له عليه السلام فيما ردّه على المسلمين من قطائع عثمان (1)


وَاللهِ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النِّسَاءُ، وَمُلِكَ بِهِ الْإِمَاءُ، لَرَدَدْتُهُ; فَإِنَّ في الْعَدْلِ سَعَةً. وَمَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ الْعَدْلُ، فَالْجَوْرُ عَلَيْهِ أَضيَقُ!

1. قَطائِعُ عثمان: ما منحه للناس من الاراضي، وكان الاصل فيها أن تنفق غلتها على أبناء السبيل وأشباههم كقطائعه لمعاوية ومروان.

ومن كلام له عليه السلام في مثل ذلك


أَرْضُكُمْ قَرِيبَةٌ مِنَ المَاءِ، بَعِيدَةٌ مِنَ السَّماءِ، خَفَّتْ عُقُولُكُمْ، وَسَفِهَتْ حُلُومُكُمْ (1) ، فَأَنْتُمْ غَرَضٌ (2) لِنَابِلٍ (3) ، وَأُكْلَةٌ لِآكِلٍ، وَفَرِيسَةٌ لِصائِلِ (4) .

1. سَفِهَت حلومُكُم: سَفِهَتْ: صارتْ سَفِيهة، بها خِفّة وطيش، وحُلُومُكم: جمع حِلْم وهو العقل، فهي كالعبارة قبلها: خَفّت عقولكم.
2. الغَرَض: ما يُنْصَبُ ليرمى بالسهام.
3. النّابِلُ: الضارب بالنّبْلِ.
4. أي لصائدٍ يصول في طلب فريسته.

ومن كلام له عليه السلام في ذم اهل البصرة و بعد وقعة الجمل


كُنْتُمْ جُنْدَ الْمَرْأَةِ، وَأَتْبَاعَ البَهِيمَةِ (1) ، رَغَا (2) فَأَجَبْتُم، وَعُقِرَ(3) فَهَرَبْتُمْ. أَخْلاَقُكُمْ دِقَاقٌ (4) ، وَعَهْدُكُمْ شِقَاقٌ، وَدِيْنُكُمْ نِفَاقٌ، وَمَاؤُكُمْ زُعَاقٌ (5) , المُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مُرْتَهَنٌ (6) بِذَنْبِهِ، وَالشَّاخِصُ عَنْكُمْ مُتَدَارَكٌ بِرَحْمَةٍ مِنْ رَبِّهِ. كَأَنِّي بِمَسْجِدكُمْ كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ (7) ، قَدْ بَعَثَ اللهُ عَلَيْها العَذَابَ مِنْ فَوْقِها وَمِنْ تَحتِها، وَغَرِقَ مَنْ فِي ضِمْنِها. وفي رواية: وَأَيْمُ اللهِ لَتَغْرَقَنَّ بَلْدَتُكُمْ حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلى مَسْجِدِهَا كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ، أَوْ نَعَامَةٍ جَاثِمَةٍ (8) . وفي رواية: كَجُؤْجُؤِ طَيْرٍ في لُجَّةِ بَحْرٍ (9) . وفي رواية أخرى: بِلادِكُمْ أَنْتَنُ(10) بِلَادِ اللهِ تُرْبَةً: أَقْرَبُهَا مِنَ الْمَاءِ وَ أَبْعَدُهَا مِنَ السَّمَاءِ وَبِهَا تِسْعَةُ أَعْشَارِ الشَرِّ الْمُحْتَبَسُ فِيهَا بِذَنْبِهِ وَالْخَارِجُ بِعَفْوِ اللهِ. كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَي قَرْيَتِكُمْ هَذِهِ قَدْ طَبَّقَهَا الْمَاءَ, حَتَّي مَا يُرَي مِنْهَا إِلَّا شُرَفُ الْمَسْجِدِ (11) كَأَنَّهُ جُؤْجُؤُ طَيْرٍ فِي لُجَّةِ بَحْرٍ!

1. أتْباع البهيمة: يريد بالبهيمة الجمل، وقصته مشهورة.
2. رَغَا الجملُ: أطلق رُغاءه، وهو صوته المعروف.
3. عُقِر الجملُ: جرح أو ضربت قوائمه، أوذبح.
4. أخْلاقكم دِقاقٌ: دنيئة.
5. زُعاق: مالح.
6. مُرْتَهَنٌ: من الارتهان والرهن، والمراد: مؤاخذ.
7. جُؤْجُؤُ السفينةِ:صدرُها، وأصل الجُؤجُؤ: عَظْمُ الصدرِ.
8.جاثمةٌ : واقعة علي صدرها .
9.لُجَّةُ البحر ـ وجمعها لُجَجٌ ـ : مَوْجُهُ.
10. أنْتَنُ: أقْذَرُ و أوسخ.
11. شُرَفُ المسجد: جمع شُرْفة و هي أعلي مكان فيه .