101. وقال عليه السلام: لاَ يَسْتَقِيمُ قَضَاءُ الْحَوَائِجِ إِلاَّ بِثَلاَثٍ: بِاسْتِصْغَارِهَا (1) لِتَعْظُمَ، وَبِاسْتِكْتَامِهَا (2) لِتَظْهَرَ، بِتَعْجِيلِهَا لِتَهْنَؤَ (3) .
102. وقال عليه السلام: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يُقَرَّبُ فِيهِ إِلاَّ الْمَاحِلُ (4) وَلاَ يُظَرَّفُ (5) فِيهِ إِلاَّ الْفَاجِرُ، وَلاَ يُضَعَّفُ (6) فِيهِ إِلاَّ الْمُنْصِفُ، يَعِّدُونَ الصَّدَقَةَ فِيِه غُرْماً (7) ، وَصِلَةَ الرَّحِمِ مَنّاً (8) وَالْعِبَادَةَ اسْتِطَالَةً (9) عَلَى النَّاسِ! فَعِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ السُّلْطَانُ بِمَشُورَةِ النِّسَاءِ، وَإِمَارَةِ الصِّبْيَانِ، وَتَدْبِيرِ الْخِصْيَانِ!
103. ورئي عليه إزار خَلَقٌ مرقوع، فقيل له في ذلك, فقال: يَخْشَعُ لَهُ الْقَلْبُ، وَتَذِلُّ بِهِ النَّفْسُ، وَيَقْتَدِي بِهِ الْمُؤْمِنُونَ. إِنَّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ عَدُوَّانِ مُتَفَاوِتَانِ، وَسَبِيلاَنِ مُخْتَلِفَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ الدُّنْيَا وَتَوَلاَّهَا أَبْغَضَ الْآخِرَةَ وَعَادَاهَا، وَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَمَاشٍ بَيْنَهُمَا، كُلَّمَا قَرُبَ مِنْ وَاحِدٍ بَعُدَ مِنَ الْآخَرِ وَهُمَا بَعْدُ ضَرَّتَانِ!
104. وعن نوفٍ البِكاليّ، قال: رأيت أميرالمؤمنين عليه السلام ذات ليلة، وقد خرج من فراشه، فنظر في النجوم فقال: يا نوف، أراقد أنت أم رامق؟ فقلت: بل رامق (10) . قال: يَا نَوْفُ، طُوبَى لِلزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا، الرَّاغِبِينَ فِي الْآخِرَةِ، أُولئِكَ قَوْمٌ اتَّخَذُوا الْأَرْضَ بِسَاطاً، وَتُرَابَهَا فِرَاشاً، وَمَاءَهَا طِيباً، وَالْقُرْآنَ شِعَاراً (11) وَالدُّعَاءَ دِثَاراً (12) ثُمَّ قَرَضُوا (13) الدُّنْيَا قَرْضاً عَلَى مِنْهَاجِ (14) الْمَسِيحِ. يَا نَوْفُ، إِنَّ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَامَ فِى مِثْلِ هذِهِ السَّاعَةِ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ: إِنَّهَا سَاعَةٌ لاَ يَدْعُو فِيهَا عَبْدٌ إِلاَّ اسْتُجِيبَ لَهُ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَشَّاراً (15) أَوْ عَرِيفاً (16) أَوْ شُرْطِيّاً (17) أَوْ صَاحِبَ عَرْطَبَةٍ (وهي الطنبور) أَوْ صَاحِبَ كَوْبَةٍ (وهي الطبل، وقد قيل أيضاً: إنّ العَرْطَبَةَ: الطبلُ، والكوبةَ: الطنبور).
105. وقال عليه السلام: إِنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْكُمُ فَرَائِضَ فَلاَ تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ لَكُمْ حُدُوداً فَلاَ تَعْتَدُوهَا، وَنَهَاكُمْ عَنْ أَشْيَاءَ فَلاَ تَنْتَهِكُوهَا (18) وَسَكَتَ لَكُمْ عَنْ أَشْيَاءَ وَلَمْ يَدَعْهَا نِسْيَاناً فَلاَ تَتَكَلَّفُوهَا (19) .
106. وقال عليه السلام: لاَ يَتْرُكُ النَّاسُ شَيْئاً مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ لْإِسْتِصْلاَحِ دُنْيَاهُمْ إلاَّ فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِمْ مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْهُ.
107. وقال عليه السلام: رُبَّ عَالِمٍ قَدْ قَتَلَهُ جَهْلُهُ، وَعِلْمُهُ مَعَهُ لاَ يَنْفَعُهُ.
108. وقال عليه السلام: لَقَدْ عُلِّقَ بِنِيَاطِ (20) هذَا الْإِنْسَانِ بَضْعَةٌ (21) هِيَ أَعْجَبُ مَا فِيهِ: وَذلِكَ الْقَلْبُ، وَلَهُ مَوَادَّ مِنَ الْحِكْمَةِ وَأَضْدَادٌ مِنْ خِلاَفِهَا، فَإِنْ سَنَحَ (22) لَهُ الرَّجَاءُ أَذَلَّهُ الطَّمَعُ، وَإِنْ هَاجَ بِهِ الطَّمَعُ أَهْلَكَهُ الْحِرْصُ و اِنْ مَلَكَهُ الْيَأْسُ قَتَلَهُ الْأَسَفُ، وإِنْ عَرَضَ لَهُ الْغَضَبُ اشتَدَّ بِهِ الْغَيْظُ، وَإِنْ أَسْعَدَهُ الرِّضَى نَسِيَ التَّحَفُّظَ (23) ، إِنْ غَالَهُ الْخَوْفُ شَغَلَهُ الْحَذَرُ، وَإِن اتَّسَعَ لَهُ الْأَمْرُ اسْتَلَبَتْهُ الْغِرَّةُ (24) وَإِنْ أَفَادَ (25) مَالاً أَطْغَاهُ الغِنَى، وَإِن أَصَابَتهُ مُصِيبَةٌ فَضَحَهُ الْجَزَعُ، وَإِنْ عَضَّتْهُ الْفَاقَةُ (26) شَغَلَهُ الْبَلاَءُ، وَإِنْ جَهَدَهُ (27) الْجُوعُ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ، وإِنْ أَفْرَطَ بِهِ الشِّبَعُ كَظَّتْهُ (28) الْبِطْنَةُ (29) . فَكُلُّ تَقْصِيرٍ بِهِ مُضِرٌّ، وَكُلُّ إِفْرَاطٍ لَهُ مُفْسِدٌ.
109. وقال عليه السلام: نَحْنُ الْنُّمْرُقَهُ الْوُسْطَي (30) , بِهَا يَلْحَقُ التَّالِي، وَإِلَيْهَا يَرْجِعُ الْغَالِي (31) .
110. وقال عليه السلام: لاَ يُقِيمُ أَمْرَ اللهِ سُبْحَانَهُ إلاَّ مَنْ لاَ يُصَانِعُ (32) وَلاَ يُضَارِعُ (33) وَلاَ يَتَّبِعُ الْمَطَامِعَ (34) .
111. وقال عليه السلام وقد توفي سهل بن حُنَيْفٍ الاَنصاري بالكوفة بعد مرجعه معه من صفين، وكان من أحبّ الناس إليه:
لَوْ أَحَبَّنِي جَبَلٌ لَتَهَافَتَ (35) . معنى ذلك: أنّ المحنة تغلظ عليه، فتسرع المصائب إليه، ولا يفعل ذلك إلاَّ بالْأَتقياء الْأَبرار والمصطفين الْأَخيار، وهذا مثل قوله عليه السلام :
112. مَنْ أَحَبَّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَلْيَسْتَعِدَّ لِلْفَقْرِ جِلْبَاباً. وقد تُؤُوّل ذلك على معنى آخر ليس هذا موضع ذكره.
113. وقال عليه السلام: لاَ مَالَ أَعْوَدُ (36) مِنَ الْعَقْلِ، وَلاَ وَحْدَةَ أَوْحَشُ مِنَ الْعُجْبِ (37) ، وَلاَ عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ، وَلاَ كَرَمَ كَالتَّقْوَى، وَلاَ قَرِينَ كَحُسْنَ الْخُلْقِ وَلاَ مِيرَاثَ كَالْأَدَبِ، وَلاَ قَائِدَ كَالتَّوْفِيقِ، وَلاَ تِجَارَةَ كَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَلاَ رِبْحَ كَالثَّوَابِ، وَلاَ وَرَعَ كالْوُقُوفِ عِنْدَ الشُّبْهَةِ، وَلاَ زُهْدَ كَالزُّهْدِ فِي الْحَرَامِ، ولاَ عِلْمَ كَالتَّفَكُّرِ، وَلاَ عِبَادَةَ كَأَدَاءِ الْفَرائِضِ، وَلاَ إِيمَانَ كَالْحَيَاءِ وَالصَّبْرِ، وَلاَ حَسَبَ كَالتَّوَاضُعِ، وَلاَ شَرَفَ كَالْعِلْمِ، وَلاَ عِزَّ كَألْحَلْمِ. وَلاَ مُظَاهَرَةَ أَوْثَقُ مِن الْمُشَاوَرَةِ.
114. وقال عليه السلام: إِذَا اسْتَوْلَى الصَّلاَحُ عَلَى الزَّمَانِ وَأَهْلِهِ, ثُمَّ أَسَاءَ رَجُلٌ الظَّنَّ بِرَجُلٍ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ حَوْبَةٌ (38) فَقَدْ ظَلَمَ! وَإِذَا اسْتَوْلَى الْفَسَادُ عَلَى الزَّمَانِ وأَهْلِهِ فَأَحْسَنَ رَجُلٌ الظَّنَّ بِرَجُلٍ فَقَدْ غَرَّرَ (39) !
115. وقيل له عليه السلام: كيف نجدك يا أميرالمؤمنين؟ فقال: كَيْفَ يَكُونُ مَنْ يَفْنَى بِبِقَائِهِ (40) , وَيَسْقَمُ بِصِحَّتِهِ (41) وَيُؤْتَى مِنْ مَأْمَنِهِ (42) .
116. وقال عليه السلام: كَمْ مِنْ مُسْتَدْرَجٍ (43) بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِ، وَمَغْرورٍ بِالسَّتْرِ عَلَيْهِ، وَمَفْتُونٍ بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ! وَمَا ابْتَلَى (44) اللهُ أَحَداً بِمِثْلِ الْإِمْلاَءِ لَهُ (45) .
117. وقال عليه السلام: هَلَكَ فِيَّ رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ غَالٍ (46) وَ مُبْغِضٌ قَالٍ (47) .
118. وقال عليه السلام: إضَاعَةُ الْفُرْصَةِ غُصَّةٌ.
119. وقال عليه السلام: مَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ الْحَيَّةِ لَيِّنٌ مَسُّهَا، وَالسُّمُّ النَّاقِعُ فِي جَوْفِهَا، يَهْوِي إِلَيْهَا الْغِرُّ الْجَاهِلُ، وَيَحْذَرُهَا ذُواللُّبِّ الْعَاقِلُ!
120. وقال عليه السلام وقد سئل عن قريش: أَمَّا بَنُو مَخْزُومٍ فَرَيْحَانَةُ قُرَيْشٍ، نُحِبُّ حَدِيثَ رِجَالِهِمْ، وَالنِّكَاحَ فِي نِسَائِهِمْ. وَأَمَّا بَنُو عَبْدِ شَمسٍ فَأَبْعَدُهَا رَأْياً، وَأَمْنَعُهَا لِمَا وَرَاءَ ظُهُورِهَا. وَأَمَّا نَحْنُ فَأَبْذَلُ لِمَا فِي أَيْدِينَا، وَأَسْمَحُ عِنْدَ الْمَوْتِ بِنُفُوسِنَا. وَهُمْ أَكْثَرُ وَأَمْكَرُ وَأَنْكَرُ، وَنَحْنُ أَفْصَحُ وَأَنْصَحُ وَأَصْبَحُ.
121. وقال عليه السلام: شَتَّانَ مَا بَيْنَ عَمَلَيْنِ: عَمَلٍ تَذْهَبُ لَذَّتُهُ وَتَبْقَى تَبِعَتُهُ، وَعَمَلٍ تَذْهَبُ مَؤُونَتُهُ وَيَبْقَى أَجْرُهُ.
122. وتبع جنازة فسمع رجلاً يَضحك، فقال عليه السلام: كَأَنَّ الْمَوْتَ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا كُتِبَ، وَكَأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا وَجَبَ، وَكَأَنَّ الَّذِي نَرَى مِنَ الْأَمْوَاتِ سَفْرٌ (48) عَمَّا قَلِيلٍ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ! نُبَوِّئُهُمْ (49) أَجْدَاثَهُمْ (50) نَأْكُلُ تُرَاثَهُمْ (51) كَأَنَّا مُخَلَّدُونَ، بَعْدَهُمْ ! ثُمَّ قَدْ نَسِينَا كُلَّ وَاعِظٍ وَوَاعِظَةٍ، وَرُمِينَا بِكُلِّ فَادِحٍ وَ جَائِحَةٍ (52) !!
123. وقال عليه السلام: طُوبَى لِمَنْ ذَلَّ فِي نَفْسِهِ، وَطَابَ كَسْبُهُ، وَصَلَحَتْ سَرِيرَتُهُ، وَحَسُنَتْ خَلِيقَتُهُ (53) َوأَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ، وَأَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ لِسَانِهِ، وَعَزَلَ عَنِ النَّاسِ شَرَّهُ، وَوَسِعَتْهُ السُّنَّةُ، وَلَمْ يُنْسَبْ إِلَى الْبِدْعَةِ. قال الرضي: أقول: ومن الناس من ينسب هذا الكلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وكذالك الذي قبله.
124. وقال عليه السلام: غَيْرَةُ الْمَرْأَةِ كُفْرٌ (54) وَغْيْرَةُ الرَّجُلِ إيمَانٌ.
125. وقال عليه السلام: لاَََنْسُبَنَّ الْإِسْلاَمَ نِسْبَةً لَمْ يَنسُبْهَا أَحَدٌ قَبْلِي. الْإِسْلاَمُ هُوَ التَّسْلِيمُ، وَالتَّسْلِيمُ هُوَ الْيَقِينُ، وَالْيَقِينُ هُوَ التَّصْدِيقُ، وَالتَّصْدِيقُ هُوَ الْإِقْرَارُ، وَالْإِقْرَارُ هُوَ الْأَدَاءُ، وَالْأَدَاءُ هَوَ الْعَمَلُ.
126. وقال عليه السلام: عَجِبْتُ لِلْبَخِيلِ يَسْتَعْجِلُ الْفَقْرَ (55) الَّذِي مِنْهُ هَرَبَ، وَيَفُوتُهُ الْغِنَى الَّذِى إِيَّاهُ طَلَبَ، فَيَعِيشُ فِي الدُّنْيَا عَيْشَ الْفُقَرَاءِ، وَيُحَاسَبُ فِي الْآخِرَةِ حِسَابَ الْأَغْنِيَاءِ. وَعَجِبْتُ لِلْمُتَكَبِّرِ الَّذِي كَانَ بِالْأَمْسِ نُطْفَةً، وَيَكُونُ غَداً جِيفَةً. وَعَجِبْتُ لِمَنْ شَكَّ فِي اللهِ، وَهُوَ يَرَى خَلْقَ اللهِ. وَعَجِبْتُ لِمَنْ نَسِيَ الْمَوْتَ، وهُوَ يَرَى الْمَوْتَى. وَعَجِبْتُ لِمَن أَنْكَرَ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى، وَهُوَ يَرَى النَّشْأَةَ الْأُولَى. وَعَجِبْتُ لِعَامِرٍ دَارَ الْفَنَاءِ، وَتَارِكٍ دَارَ الْبَقَاءِ.
127. وقال عليه السلام: مَنْ قَصَّرَ فِي الْعَمَلِ ابْتُلِيَ بِالْهَمِّ، وَلاَ حَاجَةَ لِلَّهِ فِيمَنْ لَيْسَ لِلَّهِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ نَصِيبٌ.
128. وقال عليه السلام: تَوَقَّوا الْبَرْدَ (56) فِي أَوَّلِهِ، وَتَلَقَّوْهُ (57) فِي آخِرِهِ، فَإِنَّهُ يَفْعَلُ فِي الْأَبْدَانِ كَفِعْلِهِ فِي الْأَشْجَارِ، أَوَّلُهُ يُحْرِقُ وَ آخِرُهُ يُورقُ (58) .
129. وقال عليه السلام: عِظَمُ الخالِقِ عِنْدَكَ يُصَغِّرُ الْمَخْلُوقَ فِي عَيْنِكَ.
130. وقال عليه السلام وقد رجع من صفين، فأَشرف على القبور بظاهر الكوفة: يَا أَهْلَ الدِّيَارِ الْمُوحِشَةِ (59) وَالْمَحَالِّ الْمُقْفِرَةِ (60) وَالْقُبُورِ الْمُظْلِمَةِ, يَا أَهْلَ التُّرْبَةِ، يَا أَهْلَ الْغُرْبَةِ، يَا أَهْلَ الْوَحْدَةِ، يَا أَهْلَ الْوَحْشَةِ، أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ (60) سَابِقٌ، وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ (62) لاَحِقٌ. أَمَّا الدُّورُ فَقَدْ سُكِنَتْ، وَأَمَّا الْأَزْوَاجُ فَقَدْ نُكِحَتْ، وَأَمَّا الْأَمْوَالُ فَقَدْ قُسِمَتْ. هذَا خَبَرُ مَا عِنْدَنَا، فَمَا خَبَرُ مَا عِنْدَكُمْ؟ ثم التفت إِلى أَصحابه فقال: أَمَا لَوْ أُذِنَ لَهُمْ فِي الْكَلاَمِ لِأَخْبَرُوكُمْ أَنَّ (خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى).
131. وقال عليه السلام وقد سمع رجلاً يذم الدنيا: أَيُّهَا الذَّامُّ لِلدُّنْيَا، الْمُغْتَرُّ بِغُرُورِهَا، الْمَخْدُوعُ بِأَبَاطِيلِهَا! أَتَغْتَرُّ بِالدُّنْيَا ثُمَّ تَذُمُّهَا؟ أَنْتَ الْمُتَجَرِّمُ (63) عَلَيْهَا، أَمْ هِيَ الْمُتَجَرِّمَةُ عَلَيْكَ؟ مَتَى اسْتَهْوَتْكَ (64) أَمْ مَتى غَرَّتْكَ؟ أَبِمَصَارِعِ (65) آبَائِكَ مِنَ الْبِلَى (66) أَمْ بِمَضَاجِعِ أُمَّهَاتِكَ تَحْتَ الثَّرَى (67) ؟ كَمْ عَلَّلْتَ (68) بِكَفَّيْكَ، وَكَمْ مَرَّضْتَ بِيَدَيْكَ! تَبْتَغِي لَهُمُ الشِّفَاءَ، وَتَسْتَوْصِفُ (69) لَهُمُ الْأَطِبَّاءَ ،غَدَاةَ لاَيُغْنِي عَنْهُمْ دَوَاؤُكَ، وَلاَ يُجْدِي عَلَيْهِمْ بُكَاؤُكَ. لَمْ يَنْفَعْ أَحَدَهُمْ إِشْفَاقُكَ (70) وَلَمْ تُسْعَفْ فِيهِ بِطِلْبَتِكَ (71) وَلَمْ تَدْفَعْ عَنْهُ بِقُوَّتِكَ! قَدْ مَثَّلَتْ لَكَ بِهِ الدُّنْيَا نَفْسَكَ (72) وَبِمَصْرَعِهِ مَصْرَعَكَ. إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ صِدْقٍ لِمَنْ صَدَقَهَا، وَدَارُ عَافِيَةٍ لِمَنْ فَهِمَ عَنْهَا، وَدَارُ غِنىً لِمَنْ تَزَوَّدَ مِنْهَا (73) وَدَارُ مَوْعِظَةٍ لِمَنْ اتَّعَظَ بِهَا. مَسْجِدُ أَحِبَّاءِ اللهِ، وَمُصَلَّى مَلاَئِكَةِ اللهِ، وَمَهْبِطُ وَحْيِ اللهِ، وَمَتْجَرُ أَوْلِيَاءِ اللهِ، اكْتَسَبُوا فِيهَا الرَّحْمَةَ وَرَبِحُوا فِيهَا الْجَنَّةَ. فَمَنْ ذَا يَذُمُّهَا وَقَدْ آذَنَتْ (74) بِبَيْنِهَا (75) وَنَادَتْ بِفِراقِهَا، وَنَعَتْ نَفْسَهَا (76) وَأَهْلَهَا، فَمَثَّلَتْ لَهُمْ بِبَلاَئِهَا الْبَلاَءَ،شَوَّقَتْهُمْ بِسُرُورِهَا إِلَى السُّرُورِ؟! رَاحَتْ بِعَافِيَةٍ (77) وَابْتَكَرَتْ (78) بِفَجِيعَةٍ (79) , ترغِيباً وَتَرْهِيباً، وَتَخْوِيفاً وَتَحْذِيراً، فَذَمَّهَا رِجَالٌ غَدَاةَ النَّدَامَةِ، وَحَمِدَهَا آخَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ذَكَّرَتْهُمُ الدُّنْيَا فتََذَكَرُوا، وَحَدَّثَتْهُمْ فَصَدَّقُوا، وَوَعَظَتْهُمْ فَاتَّعَظُوا.
132. وقال عليه السلام: إِنَّ لِلَّهِ مَلَكاً يُنَادِي فِي كُلِّ يَوْمٍ: لِدُوا (80) لِلْمَوْتِ، وَاجْمَعُوا لِلْفَنَاءِ، وَابْنُوا لِلْخَرَابِ.
133. وقال عليه السلام: الدُّنْيَا دَارُ مَمَرٍّ لاَ دَارِ مَقَرٍّ، وَالنَّاسُ فِيهَا رَجُلاَنِ: رَجُلٌ بَاعَ فِيهَا نَفْسَهُ فَأَوْبَقَهَا (81) وَرَجُلٌ ابْتَاعَ نَفْسَهُ (82) فَأَعْتَقَهَا.
134. وقال عليه السلام: لاَ يَكُونُ الصَّدِيقُ صَدِيقاً حَتَّى يَحْفَظَ أَخَاهُ فِي ثَلاَثٍ: فِي نَكْبَتِهِ، وَغَيْبَتِهِ، وَوَفَاتِهِ.
135. وقال عليه السلام: مَنْ أُعْطِيَ أَرْبعاً لَمْ يُحْرَمْ أَرْبَعاً: مَنْ أُعْطِيَ الدُّعَاءَ لَمْ يُحْرَمِ الْإِجَابَةَ، وَمَنْ أُعْطِيَ التَّوْبَةَ لَمْ يُحْرَمِ الْقَبُولَ، وَمَنْ أُعْطِيَ الْإِسْتِغْفَارَ لَمْ يُحْرَمِ الْمَغْفِرَةَ، وَمَنْ أُعْطِيَ الشُّكْرَ لَمْ يُحْرَمِ الزِّيَادَةَ. قال الرضي: وتصديقُ ذَلكَ في كتَابِ اللهِ، قَالَ اللهُ في الدّعَاء: (ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ)، وقال في الإِستغفار: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً)، وقال في الشكر: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لاََزِيدَنّكُمْ)، وقال في التوبة: (إنّما التّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُم يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً).
136. وقال عليه السلام: الصَّلاَةُ قُرْبَانُ كُلِّ تَقِيٍّ، وَالْحَجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيفٍ، وَلِكُلِّ شَيْءٍ زَكَاةٌ، وَزَكَاةُ الْبَدَنِ الصِّيَامُ، وَجِهَادُ الْمَرْأَةِ حُسْنُ التَّبَعُّلِ (83) .
137. وقال عليه السلام: اسْتَنْزِلُوا الرِّزْقَ بِالصَّدَقَةِ.
138. وقال عليه السلام: ومَنْ أَيْقَنَ بِالْخَلَفِ جَادَ بِالْعَطِيَّةِ.
139. وقال عليه السلام: تَنْزِلُ الْمَعُونَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَؤُونَةِ.
140. وقال عليه السلام: مَا عَالَ (84) مَنِ اقْتَصَدَ.
141. وقال عليه السلام: قِلَّةُ الْعِيَالِ أَحَدُ الْيَسَارَيْنِ.
142. وقال عليه السلام: التَّوَدُّدُ نِصْفُ الْعَقْلِ.
143. وقال عليه السلام: وَالْهَمُّ نِصْفُ الْهَرَمِ.
144. وقال عليه السلام: يَنْزِلُ الصَّبْرُ عَلَى قَدْرِ الْمُصِيبَةِ، وَمَنْ ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ عِنْدَ مُصِيبَتِهِ حَبِطَ (85) عَمَلُهُ.
145. وقال عليه السلام: كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ وَ الظَّمَأُ، وَكَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ السَّهَرُ وَ الْعَنَاءُ، حَبَّذَا نَوْمُ الْأَكْيَاسِ (86) وَإِفْطَارُهُمْ!
146. وقال عليه السلام: سُوسُوا (87) إِيمَانَكُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَحَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ، وَادْفَعُوا أَمْواجَ الْبَلاَءِ بِالدُّعَاءِ.
147. ومن كلام له عليه السلام
لكُمَيْل بن زياد النخعي:
قال كُمَيْل بن زياد: أخذ بيدي أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فأخرجني إلى الجبّان (88) فلمّا أصحر (89) تنفّس الصّعَدَاء (90) ثمّ قال: يَا كُمَيْل بْن زِيَادٍ، إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ (91) فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا (92) فَاحْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ لَكَ: النَّاسُ ثَلاَثَةٌ: فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ (93) وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ، وَهَمَجٌ (94) رَعَاعٌ (95) أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ (96) يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ، لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَلْجَؤُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ. يَا كُمَيْلُ، الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ, الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ وَأَنْتَ تَحْرُسُ المَالَ. وَالْمَالُ تَنْقُصُهُ النَّفَقَةُ، وَالْعِلْمُ يَزْكُو (97) عَلَى الْإِنْفَاقِ، وَصَنِيعُ الْمَالِ يَزُولُ بِزَوَالِهِ. يَا كُمَيْل بْن زِيَادٍ، مَعْرِفَةُ الَعِلْمِ دِينٌ يُدَانُ بِهِ، بِهِ يَكْسِبُ الْإِنْسَانُ الطَّاعَةَ فِي حَيَاتِهِ، وَجَمِيلَ الأُحْدُوثَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ. وَالْعِلْمُ حَاكِمٌ، وَالْمَالُ مَحْكُوم ٌعَلَيْهِ. يَا كُمَيْل بْن زِيادٍ، هَلَكَ خُزَّانُ الْأَمْوَالِ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَالْعَُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ: أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ، أَمْثَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ. هَا إِنَّ ها هُنَا لَعِلْماً جَمّاً (وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلى صَدره) لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً (98) ! بَلَى أَصَبْتُ لَقِناً (99) غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهِ، مُسْتَعْمِلاً آلَةَ الدِّينِ لِلدُّنْيَا، وَمُسْتَظْهِراً بِنِعَمَ اللهِ عَلَى عِبادِهِ، وَبِحُجَجِهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ، أَوْ مُنْقَاداً لِحَمَلَةِ الْحَقِّ (100) لاَ بَصِيرَةَ لَهُ فِي أَحْنَائِهِ (101) يَنْقَدِحُ الشَّكُّ فِي قَلْبِهِ لِأَوَّلِ عَارِضٍ مِنْ شُبْهَةٍ. أَلاَ لاَ ذَا وَلاَ ذَاكَ! أَوْ مَنْهُوماً (102) بِالَّلذَّةِ، سَلِسَ الْقِيَادِ (103) للشَّهْوَةِ، أَوْ مُغْرَماً (104) بِالْجَمْعِ وَالْإِدِّخَارِ (105) لَيْسَا مِنْ رُعَاةِ الدِّينِ فِي شَيْءٍ، أَقْرَبُ شَيْءٍ شَبَهاً بِهِمَا الْأَنَعَامُ (106) السَّائِمَةُ (107) ! كَذلِكَ يَمُوتُ الْعِلْمُ بِمَوْتِ حَامِلِيهِ. اللَّهُمَّ بَلَى! لاَ تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ، إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً، وَ إَمَّا خَائِفاً مَغْمُوراً (108) لِئَلاَّ تَبْطُلَ حُجَجُ اللهِ وَبَيِّنَاتُهُ. وَكَمْ ذَا وَأَيْنَ أُولئِكَ؟ أُولئِكَ ـ وَاللَّهِ ـ الْأَقَلُّونَ عَدَداً، وَالْأَعْظَمُونَ عِنْدَ اللّهِ قَدْراً، يَحْفَظُ اللهُ بِهِمْ حُجَجَهُ وَبَيِّنَاتِهِ، حَتَّى يُودِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ، وَيَزْرَعُوهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ، هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْبَصِيرَةِ، وَبَاشَرُ
وا رُوحَ الْيَقِينِ، وَاسْتَلاَنُوا (109) مَا اسْتَوْعَرَهُ (110) الْمُتْرَفُونَ (111) وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ، وَصَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى، أُولئِكَ خُلَفَاءُ اللهِ فِي أَرْضِهِ، وَالدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ، آهِ آهِ شَوْقاً إِلَى رُؤْيَتِهِمْ! انْصَرِفْ إذَا شِئْتَ.
148. وقال عليه السلام: الْمَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ.
149. وقال عليه السلام: هَلَكَ امْرُؤُ لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَهُ.
150. وقال عليه السلام لرجلٍ سأَله أَن يعظه: لاَ تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو الْآخِرَةَ بِغَيْرِ الْعَمَلِ، وَ يُرَجِّي التَّوْبَةَ (112) بِطُولِ الْأَمَلِ. يَقُولُ فِي الدُّنْيَا بِقَوْلِ الزَّاهِدِينَ، وَيَعْمَلُ فِيهَا بَعَمَلِ الرَّاغِبِينَ، إِنْ أُعْطِيَ مِنْهَا لَمْ يَشْبَعْ، وَإِنْ مُنِعَ مِنْهَا لَمْ يَقْنَعْ، يَعْجِزُ عَنْ شُكْرِ مَا أُوتِيَ، وَيَبْتَغِي الزِّيَادَةَ فِيَما بَقِيَ، يَنْهَى وَلاَ يَنْتَهِي، وَيَأْمُرُ بِمَا لاَ يَأْتِي، يُحِبُّ الصَّالِحِينَ وَلاَ يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ، وَيُبْغِضُ الْمُذْنِبِينَ وَهُوَ أَحَدُهُمْ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ لِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِ، وَيُقِيمُ (113) عَلَى مَا يَكْرَهُ الْمَوْتَ مِنْ أجْلِهِ , إِنْ سَقِمَ (114) ظَلَّ نَادِماً، وَإِنْ صَحَّ أَمِنَ لاَهِياً، يُعْجَبُ بِنَفْسِهِ إِذَا عوفِيَ، وَيَقْنَطُ إِذَا ابْتُلِيَ، إِنْ أَصَابَهُ بَلاَءٌ دَعَا مُضْطَرّاً، وإِنْ نَالَهُ رَخَاءُ أَعْرَضَ مُغْتَرّاً، تَغْلِبُهُ نَفْسُهُ عَلَى مَا يَظُنُّ، وَلاَ يَغْلِبُهَا عَلَى مَا يَسْتَيْقِنُ (115) يَخَافُ عَلَى غْيَرِهِ بِأَدْنىَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَيَرْجُو لِنَفْسِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ عَمَلِهِ، إِنْ اسْتَغْنَى بَطِرَ (116) وَفُتِنَ، وَإِنِ افْتقَرَ قَنِطَ (117) وَوَهَنَ (118) يُقَصِّرُ إِذَا عَمِلَ، وَيُبَالِغُ إِذَا سَأَلَ، إِنْ عَرَضَتْ لَهُ شَهْوَةٌ أَسْلَفَ (119) الْمَعْصِيَةَ وَسَوَّفَ (120) التَّوْبَةَ، وَإِنْ عَرَتْهُ مِحْنَةٌ (121) انْفَرَجَ (122) عَنْ شَرَائِطِ الْمِلَّةِ (123) يَصِفُ الْعِبْرَةَ (124) وَلاَ يَعْتَبرُ، وَيُبَالِغُ فِي الْمَوْعِظَةِ وَلاَ يَتَّعِظُ، فَهُوَ بِالْقَوْلِ مُدِلٌّ (125) . وَمِنَ الْعَمَلِ مُقِلٌّ، يُنَافِسُ فِيَما يَفْنَى، وَيُسَامِحُ فِيَما يَبْقَى، يَرَى الْغُنْمَ (126) مغْرَماً (127) . وَالْغُرْمَ مَغْنَماً، يخشَى الْمَوْتَ وَلاَ يُبَادِرُ (128) الْفوْتَ (129) , يَسْتَعْظِمُ مِنْ مَعْصِيَةِ غَيْرِهِ مَا يَسْتَقِلُّ أَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَيَسْتَكْثِرُ مِنْ طَاعَتِهِ مَا يَحْقِرُهُ مِنْ طَاعَةِ غَيْرِهِ، فَهُوَ عَلَى النَّاسِ طَاعِنٌ، وَلِنَفْسِهِ مُدَاهِنٌ، اللَّهْوُ مَعَ الْأَغْنِيَاءِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الذِّكْرِ مَعَ الْفُقَرَاءِ، يَحْكُمُ عَلَى غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ وَلاَ يَحْكُمُ عَلَيْهَا لِغَيْرِهِ، يُرْشِدُ غَيْرَه ُيُغْوِي نَفْسَهُ، فَهُوَ يُطَاعُ وَيَعْصِي، وَيَسْتَوْفِي وَلا يُوفِي، وَيَخْشَى الْخَلْقَ فِي غَيْرِ رَبِّهِ، وَلاَ يَخْشَى رَبَّهُ فِي خَلْقِهِ. قال الرضي: ولو لم يكن في هذا الكتاب إلاّ هذا الكلام لكفى به موعظةً ناجعةً، وحكمةً بالغةً، وبصيرةً لمبصرٍ و، عبرةً لناظرٍ مفكّرٍ.
102. وقال عليه السلام: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يُقَرَّبُ فِيهِ إِلاَّ الْمَاحِلُ (4) وَلاَ يُظَرَّفُ (5) فِيهِ إِلاَّ الْفَاجِرُ، وَلاَ يُضَعَّفُ (6) فِيهِ إِلاَّ الْمُنْصِفُ، يَعِّدُونَ الصَّدَقَةَ فِيِه غُرْماً (7) ، وَصِلَةَ الرَّحِمِ مَنّاً (8) وَالْعِبَادَةَ اسْتِطَالَةً (9) عَلَى النَّاسِ! فَعِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ السُّلْطَانُ بِمَشُورَةِ النِّسَاءِ، وَإِمَارَةِ الصِّبْيَانِ، وَتَدْبِيرِ الْخِصْيَانِ!
103. ورئي عليه إزار خَلَقٌ مرقوع، فقيل له في ذلك, فقال: يَخْشَعُ لَهُ الْقَلْبُ، وَتَذِلُّ بِهِ النَّفْسُ، وَيَقْتَدِي بِهِ الْمُؤْمِنُونَ. إِنَّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ عَدُوَّانِ مُتَفَاوِتَانِ، وَسَبِيلاَنِ مُخْتَلِفَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ الدُّنْيَا وَتَوَلاَّهَا أَبْغَضَ الْآخِرَةَ وَعَادَاهَا، وَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَمَاشٍ بَيْنَهُمَا، كُلَّمَا قَرُبَ مِنْ وَاحِدٍ بَعُدَ مِنَ الْآخَرِ وَهُمَا بَعْدُ ضَرَّتَانِ!
104. وعن نوفٍ البِكاليّ، قال: رأيت أميرالمؤمنين عليه السلام ذات ليلة، وقد خرج من فراشه، فنظر في النجوم فقال: يا نوف، أراقد أنت أم رامق؟ فقلت: بل رامق (10) . قال: يَا نَوْفُ، طُوبَى لِلزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا، الرَّاغِبِينَ فِي الْآخِرَةِ، أُولئِكَ قَوْمٌ اتَّخَذُوا الْأَرْضَ بِسَاطاً، وَتُرَابَهَا فِرَاشاً، وَمَاءَهَا طِيباً، وَالْقُرْآنَ شِعَاراً (11) وَالدُّعَاءَ دِثَاراً (12) ثُمَّ قَرَضُوا (13) الدُّنْيَا قَرْضاً عَلَى مِنْهَاجِ (14) الْمَسِيحِ. يَا نَوْفُ، إِنَّ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَامَ فِى مِثْلِ هذِهِ السَّاعَةِ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ: إِنَّهَا سَاعَةٌ لاَ يَدْعُو فِيهَا عَبْدٌ إِلاَّ اسْتُجِيبَ لَهُ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَشَّاراً (15) أَوْ عَرِيفاً (16) أَوْ شُرْطِيّاً (17) أَوْ صَاحِبَ عَرْطَبَةٍ (وهي الطنبور) أَوْ صَاحِبَ كَوْبَةٍ (وهي الطبل، وقد قيل أيضاً: إنّ العَرْطَبَةَ: الطبلُ، والكوبةَ: الطنبور).
105. وقال عليه السلام: إِنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْكُمُ فَرَائِضَ فَلاَ تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ لَكُمْ حُدُوداً فَلاَ تَعْتَدُوهَا، وَنَهَاكُمْ عَنْ أَشْيَاءَ فَلاَ تَنْتَهِكُوهَا (18) وَسَكَتَ لَكُمْ عَنْ أَشْيَاءَ وَلَمْ يَدَعْهَا نِسْيَاناً فَلاَ تَتَكَلَّفُوهَا (19) .
106. وقال عليه السلام: لاَ يَتْرُكُ النَّاسُ شَيْئاً مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ لْإِسْتِصْلاَحِ دُنْيَاهُمْ إلاَّ فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِمْ مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْهُ.
107. وقال عليه السلام: رُبَّ عَالِمٍ قَدْ قَتَلَهُ جَهْلُهُ، وَعِلْمُهُ مَعَهُ لاَ يَنْفَعُهُ.
108. وقال عليه السلام: لَقَدْ عُلِّقَ بِنِيَاطِ (20) هذَا الْإِنْسَانِ بَضْعَةٌ (21) هِيَ أَعْجَبُ مَا فِيهِ: وَذلِكَ الْقَلْبُ، وَلَهُ مَوَادَّ مِنَ الْحِكْمَةِ وَأَضْدَادٌ مِنْ خِلاَفِهَا، فَإِنْ سَنَحَ (22) لَهُ الرَّجَاءُ أَذَلَّهُ الطَّمَعُ، وَإِنْ هَاجَ بِهِ الطَّمَعُ أَهْلَكَهُ الْحِرْصُ و اِنْ مَلَكَهُ الْيَأْسُ قَتَلَهُ الْأَسَفُ، وإِنْ عَرَضَ لَهُ الْغَضَبُ اشتَدَّ بِهِ الْغَيْظُ، وَإِنْ أَسْعَدَهُ الرِّضَى نَسِيَ التَّحَفُّظَ (23) ، إِنْ غَالَهُ الْخَوْفُ شَغَلَهُ الْحَذَرُ، وَإِن اتَّسَعَ لَهُ الْأَمْرُ اسْتَلَبَتْهُ الْغِرَّةُ (24) وَإِنْ أَفَادَ (25) مَالاً أَطْغَاهُ الغِنَى، وَإِن أَصَابَتهُ مُصِيبَةٌ فَضَحَهُ الْجَزَعُ، وَإِنْ عَضَّتْهُ الْفَاقَةُ (26) شَغَلَهُ الْبَلاَءُ، وَإِنْ جَهَدَهُ (27) الْجُوعُ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ، وإِنْ أَفْرَطَ بِهِ الشِّبَعُ كَظَّتْهُ (28) الْبِطْنَةُ (29) . فَكُلُّ تَقْصِيرٍ بِهِ مُضِرٌّ، وَكُلُّ إِفْرَاطٍ لَهُ مُفْسِدٌ.
109. وقال عليه السلام: نَحْنُ الْنُّمْرُقَهُ الْوُسْطَي (30) , بِهَا يَلْحَقُ التَّالِي، وَإِلَيْهَا يَرْجِعُ الْغَالِي (31) .
110. وقال عليه السلام: لاَ يُقِيمُ أَمْرَ اللهِ سُبْحَانَهُ إلاَّ مَنْ لاَ يُصَانِعُ (32) وَلاَ يُضَارِعُ (33) وَلاَ يَتَّبِعُ الْمَطَامِعَ (34) .
111. وقال عليه السلام وقد توفي سهل بن حُنَيْفٍ الاَنصاري بالكوفة بعد مرجعه معه من صفين، وكان من أحبّ الناس إليه:
لَوْ أَحَبَّنِي جَبَلٌ لَتَهَافَتَ (35) . معنى ذلك: أنّ المحنة تغلظ عليه، فتسرع المصائب إليه، ولا يفعل ذلك إلاَّ بالْأَتقياء الْأَبرار والمصطفين الْأَخيار، وهذا مثل قوله عليه السلام :
112. مَنْ أَحَبَّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَلْيَسْتَعِدَّ لِلْفَقْرِ جِلْبَاباً. وقد تُؤُوّل ذلك على معنى آخر ليس هذا موضع ذكره.
113. وقال عليه السلام: لاَ مَالَ أَعْوَدُ (36) مِنَ الْعَقْلِ، وَلاَ وَحْدَةَ أَوْحَشُ مِنَ الْعُجْبِ (37) ، وَلاَ عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ، وَلاَ كَرَمَ كَالتَّقْوَى، وَلاَ قَرِينَ كَحُسْنَ الْخُلْقِ وَلاَ مِيرَاثَ كَالْأَدَبِ، وَلاَ قَائِدَ كَالتَّوْفِيقِ، وَلاَ تِجَارَةَ كَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَلاَ رِبْحَ كَالثَّوَابِ، وَلاَ وَرَعَ كالْوُقُوفِ عِنْدَ الشُّبْهَةِ، وَلاَ زُهْدَ كَالزُّهْدِ فِي الْحَرَامِ، ولاَ عِلْمَ كَالتَّفَكُّرِ، وَلاَ عِبَادَةَ كَأَدَاءِ الْفَرائِضِ، وَلاَ إِيمَانَ كَالْحَيَاءِ وَالصَّبْرِ، وَلاَ حَسَبَ كَالتَّوَاضُعِ، وَلاَ شَرَفَ كَالْعِلْمِ، وَلاَ عِزَّ كَألْحَلْمِ. وَلاَ مُظَاهَرَةَ أَوْثَقُ مِن الْمُشَاوَرَةِ.
114. وقال عليه السلام: إِذَا اسْتَوْلَى الصَّلاَحُ عَلَى الزَّمَانِ وَأَهْلِهِ, ثُمَّ أَسَاءَ رَجُلٌ الظَّنَّ بِرَجُلٍ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ حَوْبَةٌ (38) فَقَدْ ظَلَمَ! وَإِذَا اسْتَوْلَى الْفَسَادُ عَلَى الزَّمَانِ وأَهْلِهِ فَأَحْسَنَ رَجُلٌ الظَّنَّ بِرَجُلٍ فَقَدْ غَرَّرَ (39) !
115. وقيل له عليه السلام: كيف نجدك يا أميرالمؤمنين؟ فقال: كَيْفَ يَكُونُ مَنْ يَفْنَى بِبِقَائِهِ (40) , وَيَسْقَمُ بِصِحَّتِهِ (41) وَيُؤْتَى مِنْ مَأْمَنِهِ (42) .
116. وقال عليه السلام: كَمْ مِنْ مُسْتَدْرَجٍ (43) بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِ، وَمَغْرورٍ بِالسَّتْرِ عَلَيْهِ، وَمَفْتُونٍ بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ! وَمَا ابْتَلَى (44) اللهُ أَحَداً بِمِثْلِ الْإِمْلاَءِ لَهُ (45) .
117. وقال عليه السلام: هَلَكَ فِيَّ رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ غَالٍ (46) وَ مُبْغِضٌ قَالٍ (47) .
118. وقال عليه السلام: إضَاعَةُ الْفُرْصَةِ غُصَّةٌ.
119. وقال عليه السلام: مَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ الْحَيَّةِ لَيِّنٌ مَسُّهَا، وَالسُّمُّ النَّاقِعُ فِي جَوْفِهَا، يَهْوِي إِلَيْهَا الْغِرُّ الْجَاهِلُ، وَيَحْذَرُهَا ذُواللُّبِّ الْعَاقِلُ!
120. وقال عليه السلام وقد سئل عن قريش: أَمَّا بَنُو مَخْزُومٍ فَرَيْحَانَةُ قُرَيْشٍ، نُحِبُّ حَدِيثَ رِجَالِهِمْ، وَالنِّكَاحَ فِي نِسَائِهِمْ. وَأَمَّا بَنُو عَبْدِ شَمسٍ فَأَبْعَدُهَا رَأْياً، وَأَمْنَعُهَا لِمَا وَرَاءَ ظُهُورِهَا. وَأَمَّا نَحْنُ فَأَبْذَلُ لِمَا فِي أَيْدِينَا، وَأَسْمَحُ عِنْدَ الْمَوْتِ بِنُفُوسِنَا. وَهُمْ أَكْثَرُ وَأَمْكَرُ وَأَنْكَرُ، وَنَحْنُ أَفْصَحُ وَأَنْصَحُ وَأَصْبَحُ.
121. وقال عليه السلام: شَتَّانَ مَا بَيْنَ عَمَلَيْنِ: عَمَلٍ تَذْهَبُ لَذَّتُهُ وَتَبْقَى تَبِعَتُهُ، وَعَمَلٍ تَذْهَبُ مَؤُونَتُهُ وَيَبْقَى أَجْرُهُ.
122. وتبع جنازة فسمع رجلاً يَضحك، فقال عليه السلام: كَأَنَّ الْمَوْتَ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا كُتِبَ، وَكَأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا وَجَبَ، وَكَأَنَّ الَّذِي نَرَى مِنَ الْأَمْوَاتِ سَفْرٌ (48) عَمَّا قَلِيلٍ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ! نُبَوِّئُهُمْ (49) أَجْدَاثَهُمْ (50) نَأْكُلُ تُرَاثَهُمْ (51) كَأَنَّا مُخَلَّدُونَ، بَعْدَهُمْ ! ثُمَّ قَدْ نَسِينَا كُلَّ وَاعِظٍ وَوَاعِظَةٍ، وَرُمِينَا بِكُلِّ فَادِحٍ وَ جَائِحَةٍ (52) !!
123. وقال عليه السلام: طُوبَى لِمَنْ ذَلَّ فِي نَفْسِهِ، وَطَابَ كَسْبُهُ، وَصَلَحَتْ سَرِيرَتُهُ، وَحَسُنَتْ خَلِيقَتُهُ (53) َوأَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ، وَأَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ لِسَانِهِ، وَعَزَلَ عَنِ النَّاسِ شَرَّهُ، وَوَسِعَتْهُ السُّنَّةُ، وَلَمْ يُنْسَبْ إِلَى الْبِدْعَةِ. قال الرضي: أقول: ومن الناس من ينسب هذا الكلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وكذالك الذي قبله.
124. وقال عليه السلام: غَيْرَةُ الْمَرْأَةِ كُفْرٌ (54) وَغْيْرَةُ الرَّجُلِ إيمَانٌ.
125. وقال عليه السلام: لاَََنْسُبَنَّ الْإِسْلاَمَ نِسْبَةً لَمْ يَنسُبْهَا أَحَدٌ قَبْلِي. الْإِسْلاَمُ هُوَ التَّسْلِيمُ، وَالتَّسْلِيمُ هُوَ الْيَقِينُ، وَالْيَقِينُ هُوَ التَّصْدِيقُ، وَالتَّصْدِيقُ هُوَ الْإِقْرَارُ، وَالْإِقْرَارُ هُوَ الْأَدَاءُ، وَالْأَدَاءُ هَوَ الْعَمَلُ.
126. وقال عليه السلام: عَجِبْتُ لِلْبَخِيلِ يَسْتَعْجِلُ الْفَقْرَ (55) الَّذِي مِنْهُ هَرَبَ، وَيَفُوتُهُ الْغِنَى الَّذِى إِيَّاهُ طَلَبَ، فَيَعِيشُ فِي الدُّنْيَا عَيْشَ الْفُقَرَاءِ، وَيُحَاسَبُ فِي الْآخِرَةِ حِسَابَ الْأَغْنِيَاءِ. وَعَجِبْتُ لِلْمُتَكَبِّرِ الَّذِي كَانَ بِالْأَمْسِ نُطْفَةً، وَيَكُونُ غَداً جِيفَةً. وَعَجِبْتُ لِمَنْ شَكَّ فِي اللهِ، وَهُوَ يَرَى خَلْقَ اللهِ. وَعَجِبْتُ لِمَنْ نَسِيَ الْمَوْتَ، وهُوَ يَرَى الْمَوْتَى. وَعَجِبْتُ لِمَن أَنْكَرَ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى، وَهُوَ يَرَى النَّشْأَةَ الْأُولَى. وَعَجِبْتُ لِعَامِرٍ دَارَ الْفَنَاءِ، وَتَارِكٍ دَارَ الْبَقَاءِ.
127. وقال عليه السلام: مَنْ قَصَّرَ فِي الْعَمَلِ ابْتُلِيَ بِالْهَمِّ، وَلاَ حَاجَةَ لِلَّهِ فِيمَنْ لَيْسَ لِلَّهِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ نَصِيبٌ.
128. وقال عليه السلام: تَوَقَّوا الْبَرْدَ (56) فِي أَوَّلِهِ، وَتَلَقَّوْهُ (57) فِي آخِرِهِ، فَإِنَّهُ يَفْعَلُ فِي الْأَبْدَانِ كَفِعْلِهِ فِي الْأَشْجَارِ، أَوَّلُهُ يُحْرِقُ وَ آخِرُهُ يُورقُ (58) .
129. وقال عليه السلام: عِظَمُ الخالِقِ عِنْدَكَ يُصَغِّرُ الْمَخْلُوقَ فِي عَيْنِكَ.
130. وقال عليه السلام وقد رجع من صفين، فأَشرف على القبور بظاهر الكوفة: يَا أَهْلَ الدِّيَارِ الْمُوحِشَةِ (59) وَالْمَحَالِّ الْمُقْفِرَةِ (60) وَالْقُبُورِ الْمُظْلِمَةِ, يَا أَهْلَ التُّرْبَةِ، يَا أَهْلَ الْغُرْبَةِ، يَا أَهْلَ الْوَحْدَةِ، يَا أَهْلَ الْوَحْشَةِ، أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ (60) سَابِقٌ، وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ (62) لاَحِقٌ. أَمَّا الدُّورُ فَقَدْ سُكِنَتْ، وَأَمَّا الْأَزْوَاجُ فَقَدْ نُكِحَتْ، وَأَمَّا الْأَمْوَالُ فَقَدْ قُسِمَتْ. هذَا خَبَرُ مَا عِنْدَنَا، فَمَا خَبَرُ مَا عِنْدَكُمْ؟ ثم التفت إِلى أَصحابه فقال: أَمَا لَوْ أُذِنَ لَهُمْ فِي الْكَلاَمِ لِأَخْبَرُوكُمْ أَنَّ (خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى).
131. وقال عليه السلام وقد سمع رجلاً يذم الدنيا: أَيُّهَا الذَّامُّ لِلدُّنْيَا، الْمُغْتَرُّ بِغُرُورِهَا، الْمَخْدُوعُ بِأَبَاطِيلِهَا! أَتَغْتَرُّ بِالدُّنْيَا ثُمَّ تَذُمُّهَا؟ أَنْتَ الْمُتَجَرِّمُ (63) عَلَيْهَا، أَمْ هِيَ الْمُتَجَرِّمَةُ عَلَيْكَ؟ مَتَى اسْتَهْوَتْكَ (64) أَمْ مَتى غَرَّتْكَ؟ أَبِمَصَارِعِ (65) آبَائِكَ مِنَ الْبِلَى (66) أَمْ بِمَضَاجِعِ أُمَّهَاتِكَ تَحْتَ الثَّرَى (67) ؟ كَمْ عَلَّلْتَ (68) بِكَفَّيْكَ، وَكَمْ مَرَّضْتَ بِيَدَيْكَ! تَبْتَغِي لَهُمُ الشِّفَاءَ، وَتَسْتَوْصِفُ (69) لَهُمُ الْأَطِبَّاءَ ،غَدَاةَ لاَيُغْنِي عَنْهُمْ دَوَاؤُكَ، وَلاَ يُجْدِي عَلَيْهِمْ بُكَاؤُكَ. لَمْ يَنْفَعْ أَحَدَهُمْ إِشْفَاقُكَ (70) وَلَمْ تُسْعَفْ فِيهِ بِطِلْبَتِكَ (71) وَلَمْ تَدْفَعْ عَنْهُ بِقُوَّتِكَ! قَدْ مَثَّلَتْ لَكَ بِهِ الدُّنْيَا نَفْسَكَ (72) وَبِمَصْرَعِهِ مَصْرَعَكَ. إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ صِدْقٍ لِمَنْ صَدَقَهَا، وَدَارُ عَافِيَةٍ لِمَنْ فَهِمَ عَنْهَا، وَدَارُ غِنىً لِمَنْ تَزَوَّدَ مِنْهَا (73) وَدَارُ مَوْعِظَةٍ لِمَنْ اتَّعَظَ بِهَا. مَسْجِدُ أَحِبَّاءِ اللهِ، وَمُصَلَّى مَلاَئِكَةِ اللهِ، وَمَهْبِطُ وَحْيِ اللهِ، وَمَتْجَرُ أَوْلِيَاءِ اللهِ، اكْتَسَبُوا فِيهَا الرَّحْمَةَ وَرَبِحُوا فِيهَا الْجَنَّةَ. فَمَنْ ذَا يَذُمُّهَا وَقَدْ آذَنَتْ (74) بِبَيْنِهَا (75) وَنَادَتْ بِفِراقِهَا، وَنَعَتْ نَفْسَهَا (76) وَأَهْلَهَا، فَمَثَّلَتْ لَهُمْ بِبَلاَئِهَا الْبَلاَءَ،شَوَّقَتْهُمْ بِسُرُورِهَا إِلَى السُّرُورِ؟! رَاحَتْ بِعَافِيَةٍ (77) وَابْتَكَرَتْ (78) بِفَجِيعَةٍ (79) , ترغِيباً وَتَرْهِيباً، وَتَخْوِيفاً وَتَحْذِيراً، فَذَمَّهَا رِجَالٌ غَدَاةَ النَّدَامَةِ، وَحَمِدَهَا آخَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ذَكَّرَتْهُمُ الدُّنْيَا فتََذَكَرُوا، وَحَدَّثَتْهُمْ فَصَدَّقُوا، وَوَعَظَتْهُمْ فَاتَّعَظُوا.
132. وقال عليه السلام: إِنَّ لِلَّهِ مَلَكاً يُنَادِي فِي كُلِّ يَوْمٍ: لِدُوا (80) لِلْمَوْتِ، وَاجْمَعُوا لِلْفَنَاءِ، وَابْنُوا لِلْخَرَابِ.
133. وقال عليه السلام: الدُّنْيَا دَارُ مَمَرٍّ لاَ دَارِ مَقَرٍّ، وَالنَّاسُ فِيهَا رَجُلاَنِ: رَجُلٌ بَاعَ فِيهَا نَفْسَهُ فَأَوْبَقَهَا (81) وَرَجُلٌ ابْتَاعَ نَفْسَهُ (82) فَأَعْتَقَهَا.
134. وقال عليه السلام: لاَ يَكُونُ الصَّدِيقُ صَدِيقاً حَتَّى يَحْفَظَ أَخَاهُ فِي ثَلاَثٍ: فِي نَكْبَتِهِ، وَغَيْبَتِهِ، وَوَفَاتِهِ.
135. وقال عليه السلام: مَنْ أُعْطِيَ أَرْبعاً لَمْ يُحْرَمْ أَرْبَعاً: مَنْ أُعْطِيَ الدُّعَاءَ لَمْ يُحْرَمِ الْإِجَابَةَ، وَمَنْ أُعْطِيَ التَّوْبَةَ لَمْ يُحْرَمِ الْقَبُولَ، وَمَنْ أُعْطِيَ الْإِسْتِغْفَارَ لَمْ يُحْرَمِ الْمَغْفِرَةَ، وَمَنْ أُعْطِيَ الشُّكْرَ لَمْ يُحْرَمِ الزِّيَادَةَ. قال الرضي: وتصديقُ ذَلكَ في كتَابِ اللهِ، قَالَ اللهُ في الدّعَاء: (ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ)، وقال في الإِستغفار: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً)، وقال في الشكر: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لاََزِيدَنّكُمْ)، وقال في التوبة: (إنّما التّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُم يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً).
136. وقال عليه السلام: الصَّلاَةُ قُرْبَانُ كُلِّ تَقِيٍّ، وَالْحَجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيفٍ، وَلِكُلِّ شَيْءٍ زَكَاةٌ، وَزَكَاةُ الْبَدَنِ الصِّيَامُ، وَجِهَادُ الْمَرْأَةِ حُسْنُ التَّبَعُّلِ (83) .
137. وقال عليه السلام: اسْتَنْزِلُوا الرِّزْقَ بِالصَّدَقَةِ.
138. وقال عليه السلام: ومَنْ أَيْقَنَ بِالْخَلَفِ جَادَ بِالْعَطِيَّةِ.
139. وقال عليه السلام: تَنْزِلُ الْمَعُونَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَؤُونَةِ.
140. وقال عليه السلام: مَا عَالَ (84) مَنِ اقْتَصَدَ.
141. وقال عليه السلام: قِلَّةُ الْعِيَالِ أَحَدُ الْيَسَارَيْنِ.
142. وقال عليه السلام: التَّوَدُّدُ نِصْفُ الْعَقْلِ.
143. وقال عليه السلام: وَالْهَمُّ نِصْفُ الْهَرَمِ.
144. وقال عليه السلام: يَنْزِلُ الصَّبْرُ عَلَى قَدْرِ الْمُصِيبَةِ، وَمَنْ ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ عِنْدَ مُصِيبَتِهِ حَبِطَ (85) عَمَلُهُ.
145. وقال عليه السلام: كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ وَ الظَّمَأُ، وَكَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ السَّهَرُ وَ الْعَنَاءُ، حَبَّذَا نَوْمُ الْأَكْيَاسِ (86) وَإِفْطَارُهُمْ!
146. وقال عليه السلام: سُوسُوا (87) إِيمَانَكُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَحَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ، وَادْفَعُوا أَمْواجَ الْبَلاَءِ بِالدُّعَاءِ.
147. ومن كلام له عليه السلام
لكُمَيْل بن زياد النخعي:
قال كُمَيْل بن زياد: أخذ بيدي أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فأخرجني إلى الجبّان (88) فلمّا أصحر (89) تنفّس الصّعَدَاء (90) ثمّ قال: يَا كُمَيْل بْن زِيَادٍ، إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ (91) فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا (92) فَاحْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ لَكَ: النَّاسُ ثَلاَثَةٌ: فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ (93) وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ، وَهَمَجٌ (94) رَعَاعٌ (95) أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ (96) يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ، لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَلْجَؤُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ. يَا كُمَيْلُ، الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ, الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ وَأَنْتَ تَحْرُسُ المَالَ. وَالْمَالُ تَنْقُصُهُ النَّفَقَةُ، وَالْعِلْمُ يَزْكُو (97) عَلَى الْإِنْفَاقِ، وَصَنِيعُ الْمَالِ يَزُولُ بِزَوَالِهِ. يَا كُمَيْل بْن زِيَادٍ، مَعْرِفَةُ الَعِلْمِ دِينٌ يُدَانُ بِهِ، بِهِ يَكْسِبُ الْإِنْسَانُ الطَّاعَةَ فِي حَيَاتِهِ، وَجَمِيلَ الأُحْدُوثَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ. وَالْعِلْمُ حَاكِمٌ، وَالْمَالُ مَحْكُوم ٌعَلَيْهِ. يَا كُمَيْل بْن زِيادٍ، هَلَكَ خُزَّانُ الْأَمْوَالِ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَالْعَُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ: أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ، أَمْثَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ. هَا إِنَّ ها هُنَا لَعِلْماً جَمّاً (وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلى صَدره) لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً (98) ! بَلَى أَصَبْتُ لَقِناً (99) غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهِ، مُسْتَعْمِلاً آلَةَ الدِّينِ لِلدُّنْيَا، وَمُسْتَظْهِراً بِنِعَمَ اللهِ عَلَى عِبادِهِ، وَبِحُجَجِهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ، أَوْ مُنْقَاداً لِحَمَلَةِ الْحَقِّ (100) لاَ بَصِيرَةَ لَهُ فِي أَحْنَائِهِ (101) يَنْقَدِحُ الشَّكُّ فِي قَلْبِهِ لِأَوَّلِ عَارِضٍ مِنْ شُبْهَةٍ. أَلاَ لاَ ذَا وَلاَ ذَاكَ! أَوْ مَنْهُوماً (102) بِالَّلذَّةِ، سَلِسَ الْقِيَادِ (103) للشَّهْوَةِ، أَوْ مُغْرَماً (104) بِالْجَمْعِ وَالْإِدِّخَارِ (105) لَيْسَا مِنْ رُعَاةِ الدِّينِ فِي شَيْءٍ، أَقْرَبُ شَيْءٍ شَبَهاً بِهِمَا الْأَنَعَامُ (106) السَّائِمَةُ (107) ! كَذلِكَ يَمُوتُ الْعِلْمُ بِمَوْتِ حَامِلِيهِ. اللَّهُمَّ بَلَى! لاَ تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ، إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً، وَ إَمَّا خَائِفاً مَغْمُوراً (108) لِئَلاَّ تَبْطُلَ حُجَجُ اللهِ وَبَيِّنَاتُهُ. وَكَمْ ذَا وَأَيْنَ أُولئِكَ؟ أُولئِكَ ـ وَاللَّهِ ـ الْأَقَلُّونَ عَدَداً، وَالْأَعْظَمُونَ عِنْدَ اللّهِ قَدْراً، يَحْفَظُ اللهُ بِهِمْ حُجَجَهُ وَبَيِّنَاتِهِ، حَتَّى يُودِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ، وَيَزْرَعُوهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ، هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْبَصِيرَةِ، وَبَاشَرُ
وا رُوحَ الْيَقِينِ، وَاسْتَلاَنُوا (109) مَا اسْتَوْعَرَهُ (110) الْمُتْرَفُونَ (111) وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ، وَصَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى، أُولئِكَ خُلَفَاءُ اللهِ فِي أَرْضِهِ، وَالدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ، آهِ آهِ شَوْقاً إِلَى رُؤْيَتِهِمْ! انْصَرِفْ إذَا شِئْتَ.
148. وقال عليه السلام: الْمَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ.
149. وقال عليه السلام: هَلَكَ امْرُؤُ لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَهُ.
150. وقال عليه السلام لرجلٍ سأَله أَن يعظه: لاَ تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو الْآخِرَةَ بِغَيْرِ الْعَمَلِ، وَ يُرَجِّي التَّوْبَةَ (112) بِطُولِ الْأَمَلِ. يَقُولُ فِي الدُّنْيَا بِقَوْلِ الزَّاهِدِينَ، وَيَعْمَلُ فِيهَا بَعَمَلِ الرَّاغِبِينَ، إِنْ أُعْطِيَ مِنْهَا لَمْ يَشْبَعْ، وَإِنْ مُنِعَ مِنْهَا لَمْ يَقْنَعْ، يَعْجِزُ عَنْ شُكْرِ مَا أُوتِيَ، وَيَبْتَغِي الزِّيَادَةَ فِيَما بَقِيَ، يَنْهَى وَلاَ يَنْتَهِي، وَيَأْمُرُ بِمَا لاَ يَأْتِي، يُحِبُّ الصَّالِحِينَ وَلاَ يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ، وَيُبْغِضُ الْمُذْنِبِينَ وَهُوَ أَحَدُهُمْ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ لِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِ، وَيُقِيمُ (113) عَلَى مَا يَكْرَهُ الْمَوْتَ مِنْ أجْلِهِ , إِنْ سَقِمَ (114) ظَلَّ نَادِماً، وَإِنْ صَحَّ أَمِنَ لاَهِياً، يُعْجَبُ بِنَفْسِهِ إِذَا عوفِيَ، وَيَقْنَطُ إِذَا ابْتُلِيَ، إِنْ أَصَابَهُ بَلاَءٌ دَعَا مُضْطَرّاً، وإِنْ نَالَهُ رَخَاءُ أَعْرَضَ مُغْتَرّاً، تَغْلِبُهُ نَفْسُهُ عَلَى مَا يَظُنُّ، وَلاَ يَغْلِبُهَا عَلَى مَا يَسْتَيْقِنُ (115) يَخَافُ عَلَى غْيَرِهِ بِأَدْنىَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَيَرْجُو لِنَفْسِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ عَمَلِهِ، إِنْ اسْتَغْنَى بَطِرَ (116) وَفُتِنَ، وَإِنِ افْتقَرَ قَنِطَ (117) وَوَهَنَ (118) يُقَصِّرُ إِذَا عَمِلَ، وَيُبَالِغُ إِذَا سَأَلَ، إِنْ عَرَضَتْ لَهُ شَهْوَةٌ أَسْلَفَ (119) الْمَعْصِيَةَ وَسَوَّفَ (120) التَّوْبَةَ، وَإِنْ عَرَتْهُ مِحْنَةٌ (121) انْفَرَجَ (122) عَنْ شَرَائِطِ الْمِلَّةِ (123) يَصِفُ الْعِبْرَةَ (124) وَلاَ يَعْتَبرُ، وَيُبَالِغُ فِي الْمَوْعِظَةِ وَلاَ يَتَّعِظُ، فَهُوَ بِالْقَوْلِ مُدِلٌّ (125) . وَمِنَ الْعَمَلِ مُقِلٌّ، يُنَافِسُ فِيَما يَفْنَى، وَيُسَامِحُ فِيَما يَبْقَى، يَرَى الْغُنْمَ (126) مغْرَماً (127) . وَالْغُرْمَ مَغْنَماً، يخشَى الْمَوْتَ وَلاَ يُبَادِرُ (128) الْفوْتَ (129) , يَسْتَعْظِمُ مِنْ مَعْصِيَةِ غَيْرِهِ مَا يَسْتَقِلُّ أَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَيَسْتَكْثِرُ مِنْ طَاعَتِهِ مَا يَحْقِرُهُ مِنْ طَاعَةِ غَيْرِهِ، فَهُوَ عَلَى النَّاسِ طَاعِنٌ، وَلِنَفْسِهِ مُدَاهِنٌ، اللَّهْوُ مَعَ الْأَغْنِيَاءِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الذِّكْرِ مَعَ الْفُقَرَاءِ، يَحْكُمُ عَلَى غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ وَلاَ يَحْكُمُ عَلَيْهَا لِغَيْرِهِ، يُرْشِدُ غَيْرَه ُيُغْوِي نَفْسَهُ، فَهُوَ يُطَاعُ وَيَعْصِي، وَيَسْتَوْفِي وَلا يُوفِي، وَيَخْشَى الْخَلْقَ فِي غَيْرِ رَبِّهِ، وَلاَ يَخْشَى رَبَّهُ فِي خَلْقِهِ. قال الرضي: ولو لم يكن في هذا الكتاب إلاّ هذا الكلام لكفى به موعظةً ناجعةً، وحكمةً بالغةً، وبصيرةً لمبصرٍ و، عبرةً لناظرٍ مفكّرٍ.
1. المراد استصغارها في الطلب لتعظم بالقضاء.
2. اسْتِكْتَامُها: أي الحرص على كتمانها عند محاولتها لتظهر بعد قضائها، فلا تُعْلَم إلا مقضية.
3. تَهْنُؤ :أي تصير هنيئة فيمكن التمتع بها.
4. الماحِل: الساعي في الناس بالوشاية.
5. يُظَرّف ـ بتشديد الراء مبنياً للمجهول ـ : يعدّ ظريفاً.
6. يضعّف ـ بالتشديد مبنياً للمجهول ـ : يعدّ ضعيفاً.
7. الغُرْم ـ بالضم ـ :أي الغَرَامة.
8. المَنّ: ذكرك النعمة على غيرك مظهراً بها الكرامة عليه.
9. الْإستطالة على الناس: التفوّق عليهم والتزيّد عليهم في الفضل.
10. أراد( بالرامق ): منتبه العين، في مقابلة الراقد بمعنى النام، يقال: رَمَقَهُ، إذا لحظه لحظاً خفيفاً.
11. شِعاراً: يقرؤونه سراً للاعتبار بمواعظه والتفكّر في دقائقه، وأصل الشعار: ما يلي البدن من الثياب.
12. دِثاراً:أصل ادِثار ما يعلو البدَن من الثياب، والمراد من اتخاذهم الدعاء دِثاراً جهرهم به إظهاراً للذلّة والخضوع لله.
13. قَرَضوا الدنيا: مزقوها كما يمزّق الثوب المِقْراضُ.
14. على منهاج المسيح: طريقه في الزهادة.
15. العَشّار: من يتول أخذ أَعْشار المال، وهو المَكّاس.
16. العَرِيف: من يتجسّس على أحوال الناس وأسرارهم فيكشفها لاَميرهم مثلاً.
17. الشُرْطيبضم فسكون نسبة إلى الشُرْطة ـ : واحد الشُرَط ـ كرُطَب ـ وهم أعوان الحاكم.
18. أي لا تنتهكوا نهيه عنها بإتيانها، والْإنتهاك: الْإهانة والْإضعاف.
19. لا تتكَلّفوها: أي لا تكلّفوا أَنفسكم بها بعد ما سكت الله عنها.
20. النِيَاط ـ ككِتاب ـ : عِرْق معلّق به القلب.
21. البَضْعة ـ بفتح الباء ـ : القطعة من اللحم، والمراد بها ها هنا القلب.
22. سَنَحَ له: بدا وظهر.
23. التَحفّظ: هو التَوَقّي والتّحرّز من المضرات.
24. الغِرّة ـ بالكسر ـ : الغفلة، و(اسْتَلَبَتْهُ): أي سَلَبَتْهُ وذهبت به عن رُشْدِه.
25. أفَاد المال: استفاده.
26. الفاقة: الفقر.
27. جَهَدَهُ: أَعْياه وأتعبه.
28.( كَظّتْهُ ) أي: كربته وآلمته.
29. البِطْنَة ـ بالكسر ـ : امتلاء البطن حتى يضيق النفس.
30. النُمْرُقَةُ ـ بضم فسكون فضم ففتح ـ : الوِسادة؛ وآل البيت أشبه بها للاستناد إليهم في أمورالدين، كما يستند إلى الوسادة لراحة الظهر واطمئنان الْأَعضاء, و وصفها بالوسطى لاتصال سائر النمارق بها، فكأن الكل يعتمد عليها إما مباشرة أو بواسطة ما بجانبه، وآل البيت على الصراط الوسط العدل، يلحق بهم من قصر، ويرجع إليهم من غلا وتجاوز.
31. الغالي: المبالغ المجاوز للحدّ.
32. ( لايُصانع ): أي لا يداري في الحق.
33. المُضارعَة: المشابهة، والمعنى أنه لا يتشبه في عمله بالمبطلين.
34. اتباع المطامع: الميل معها وإن ضاع الحق.
35. تَهَافت: تَساقَطَ بعد ما تصدّعَ.
36. أعْوَدُ: أَنْفَع.
37. العُجْب ـ بضم العين ـ : الْإعجاب بالنفس.
38. ( الحَوْبَة) :هي الْإثم .
39. غَرّرَ أي: أوْقَعَ بنفسه في الغَرَر وهو الخطر.
40. ( يفني ببقائه ): كلما طال عمره ـ وهو البقاء ـ تقدم إلى الفناء.
41. يَسْقَمُ بصحّته: أي كلما مدّت عليه الصحة تقرب من مرض الهَرَم، وسَقِم ـ كفرح ـ : مَرِض.
42. يأتيه الموت من مأمنه: أي الجهة التي يأمن إتيانه منها، فان أسبابه كامنة في نفس البدن.
43. المُسْتَدْرَج: هوالذي تابع الله نعمته عليه وهو مقيم على عصيانه، إبلاغاً للحجة وإقامة للمعذرة في أخذه.
44. ابْتَلى: امتحن.
45. الْإملاء له: الْإمهال.
46. الغالي: المتجاوز الحد في حبه بسبب غيره، أو دعوى حلول اللاهوت فيه، أو نحو ذلك.
47. القالي: المبغض الشديد البغض.
48. سَفْر: أي مسافرون.
49. سَنُبَوئهُم: ننزلهم .
50. أجْداثهم: قبورهم.
51. التُرَاث: أي الميراث.
52. الجائحة: الآفة تُهْلِك الْأَصل والفرْع.
53. الخَلِيقة: الخلق والطبيعة.
54. غَيْرَة المرأة كُفْرٌ: أي تؤدي إلى الكفر، فانها تحرم على الرجل ما أحلّ الله له من زواج متعددات، أما غيرة الرجل فتحريم لما حرّمه الله، وهو الزنى.
55. (البخيل يستعجل الفقر): يريد أنه يهرب من الفقر. بجمع المال، وتكون له الحاجة فلا يقضيها، ويكون عليه الحق فلا يؤديه.
56. ( تَوَقّوا البرد ): أي احفظوا أنفسكم من أذاه.
57. تَلَقّوه: استقبلوه.
58. آخِرُه يُورِق: لاَن البرد في آخره يمس الْأَبدان بعد تعودها عليه، فيكون عليها أخف.
59. المُوحِشة: الموجبة للوَحْشَة ضد الْأَنس.
60. المَحَالّ ـ جمع مَحَلّ ـ :أي الْأَركان المُقْفِرة، من أقفر المكان: إذا لم يكن به ساكن ولا نابت.
61. الفَرَط ـ بالتحريك ـ : المتقدّم إلى الماء، للواحد وللجمع، والكلام هنا على الْإطلاق، أي المتقدمون.
62. التَبَع ـ بالتحريك ـ : التابع.
63. تَجَرّمَ عليه: ادّعى عليه الجُرْم ـ بالضم ـ :أي الذنب.
64. استهواه: ذهب بعقله وأذله فحيره.
65. المَصارِع: جمع المَصْرَع، وهو مكان الْإنصارع أي السقوط، أي مكان سقوط آبائك من الفناء.
66. البِلى ـ بكسر الباء ـ : الفناء بالتحلل.
67. الثَرَى: التراب.
68. عَلّل المريض: خدمه في علته ـ كمرّضهُ ـ خدمه في مرضه.
69. اسْتَوْصَفَ الطبيبَ: طلب منه وصف الدواء بعد تشخيص الداء.
70. إشفاقك: خوفك.
71. الطِلْبَة ـ بالكسر وبفتح فكسر ـ : المطلوب، وأسعفه بمطلوبه: أعطاه إياه على ضرورة إليه.
72. مَثّلَتْ لك به الدنيا نَفْسَك: أي أن الدنيا جعلت الهالك قبلك مثالاً لنفسك تقيسها عليه.
73. تزَوّدَ: أي أخذ منها زاده للآخرة.
74. آذَنَتْ ـ بمد الهمزة ـ :أي أَعلمت أهلها.
75. بَيْنها: أي بُعدها وزوالها عنهم.
76. نَعَاه: إذا أخبر بفقده.
77. راح إليه: وافاه وقت العشي، أي أنها تمشي بعافية.
78. تَبْكِر: أي تصبح.
79. فَجِيعة :أي مصيبة فاجعة.
80. لِدُوا: فعل أمر من الولادة لجماعة المخاطبين.
81. أوْبَقَها: أهلكها.
82. ابْتَاع نفسه: اشتراها وخلصها من أسر الشهوات.
83. حُسْنُ التَبَعّل: إطاعة الزوج.
84. عَالَ: افتقرَ.
85. حبِطَ أجره: بطل، لاَنه يحرم ثوابه.
86. الأكياس ـ جمع كَيّس بتشديد الياء ـ أي: العقلاء العارفون يكون نومهم وفِطْرُهم أفضل من صوم الحمقى وقيامهم.
87. سُوسُوا: أمر من السياسة، وهي حفظ الشيء بما يَحُوطه من غيره، والصدقة تستحفظ
الشفقة، والشفقة تستزيد الايمان وتذكر الله.
88. الجَبّان ـ كالجَبّانة ـ : المقبرة.
89.( أصْحَرَ ):أي صار في الصحراء.
90. تنفّسَ الصُعَدَاء :أي تنفس تنفساً ممدوداً طويلاً.
91. أوْعِيَة: جمع وِعاء، وهو الْإناء وما أشبهه.
92. أوْعَاها: أشدّها حفظاً.
93. العالم الرَبّانيّ: العارف بالله، المنسوب إلى الرب.
94. الهَمَج ـ محركة ـ : الحمقى من الناس.
95. الرَعَاع ـ كَسَحاب ـ : الأحْداث الطَغام الذين لا منزلة لهم في الناس.
96. الناعق: مجاز عن الداعي إلى باطل أو حقّ.
97. يَزْكُو: يزداد نماءً.
98. الحَمَلَة ـ بالتحريك ـ : جمع حامِل، وأصَبْتُ: بمعنى وجدت، أي لو وجدت له حاملين لاَبرزته وبثثته.
99. اللَقِنُ ـ بفتح فكسر ـ : من يفهم بسرعة.
100. المُنْقادُ لحاملي الحقّ: هو المنساق المُقلّد في القول والعمل، ولا بصيرة له في دقائق الحق وخفاياه، فذاك يسرع الشك إلى قلبه لاَقل شبهة.
101. في أحنائه: أي جوانبه، ومفردها حِنْو.
102. المَنْهوم: المُفْرِط في شهوة الطعام.
103. سَلِس القِياد: سَهْلُه.
104. المُغْرَم ـ بالجمع ـ : المُولّع بجمع المال.
105. ادّخار المال: اكتنازه.
106. ( الأنْعَام ): البهائم.
107. السائمة: التي ترسل لترعى من غير أن تُعْلَف.
108. مغموراً: غمره الظلم حتى غطّاه فهو لا يظهر.
109. اسْتَلانُوا: عدّوا الشيء ليناً.
110. اسْتَوْعَرَه: عدّه وعْراً خَشِناً.
111. المُتْرَفُون: أهل الترف والنعيم.
112. يُرَجِّي التوبة ـ بالتشديد ـ :أي يؤخر التوبة.
113. يُقيم على الشيء: يداوم على إتيانه.
114. سَقِمَ: مَرِض.
115. يَسْتَيْقِن: يكون على ثقة ويقين.
116. بَطِرَ ـ كفرح ـ : اغتر بالنعمة، والغرور فتنة.
117. القنوط: اليأس.
118. الوَهْن: الضعف.
119. أسْلَف: قدم.
120. سَوّفَ: أخّر.
121. عَرَتْه مِحْنَة: عَرَضت له مصيبة ونزلت به.
122. انفَرَج عنها: انخلع وبَعُدَ.
123. شرائط الملّة: الثبات والصبر، والإستعانة بالله.
124. العِبْرة ـ بالكسر ـ : تنبّه النفس لما يصيب غيرها فتحترس من إتيان أسبابه.
125. أدَلّ على أقرانه: استعلى عليهم.
126. الغُنْم ـ بالضم ـ : الغنيمة.
127. المَغْرَم: الغرامة.
128. بادره: عاجله قبل أن يذهب.
129. الفَوْت: فوات الفرصة وانقضاؤها.